في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

ويمضي التكريم خطوة فإذا ذريتهم المؤمنة تجتمع إليهم في هذا النعيم ، زيادة في الرعاية والعناية . ولو كانت أعمال الذرية أقل من مستوى مقام المتقين ، ما دامت هذه الذرية مؤمنة . وذلك دون أن ينقص شيء من أعمال الآباء ودرجاتهم . ودون إخلال بفردية التبعة وحساب كل بعمله الذي كسبه ، إنما هو فضل الله على الجميع :

( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم . وما ألتناهم من عملهم من شيء . كل امرئ بما كسب رهين ) . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

وما ألَتناهم من عملهم : ما أنقصناهم .

رهين : مرهون بعمله عند الله .

هم وذريّاتهم الطيبة ، لا ينقُصُهم شيئاً من ثواب أعمالهم ، وكل إنسان يعطى على قدْر ما قدّم من عمل صالح .

قراءات :

قرأ أبو عمرو : واتبعناهم ذرياتهم بجمع ذريات . وقرأ ابن عامر ويعقوب : واتبعتهم ذرياتهم بالجمع . والباقون : واتبعتهم ذريتهم بالإفراد وكلمة ذرية تقع على الواحد والجمع .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

{ 21-28 } { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }

وهذا من تمام نعيم أهل الجنة ، أن ألحق الله [ بهم ] ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان أي : الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم ، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان ، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم ، فهؤلاء المذكورون ، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها ، جزاء لآبائهم ، وزيادة في ثوابهم ، ومع ذلك ، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا ، ولما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك ، يلحق الله بهم أبناءهم وذريتهم ، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا ، فإن النار دار العدل ، ومن عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب ، ولهذا قال : { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } أي : مرتهن بعمله ، فلا تزر وازرة وزر أخرى ، ولا يحمل على أحد ذنب أحد . هذا اعتراض من فوائده إزالة الوهم المذكور .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

ولما وصف حال المتقين من أعداء المكذبين وبدأ بهم لشرفهم ، أتبعهم من هو أدنى منهم حالاً لتكون النعمة تامة فقال : { والذين آمنوا } يعني أقروا بالإيمان ولم يبدلوا ولا بالغوا في الأعمال الصالحة . ولما كان من هؤلاء من لا يتبعه ذريته بسبب إيمانه لأنه يرتد عنه ، عطف على فعلهم تمييزاً لهم واحترازاً عمن لم يثبت قوله : { واتّبعتهم }{[61555]} أي بما لنا من الفضل الناشىء عما لنا من العظمة { ذرياتهم }{[61556]} الصغار والكبار وإن كثروا ، والقرار لأعينهم بالكبار بايمانهم والصغار بإيمان آبائهم { بإيمان } أي بسب إيمان حاصل منهم ، ولو كان في أدنى درجات الإيمان ، ولكنهم ثبتوا عليه إلى أن ماتوا ، وذلك هو شرط إتباعهم الذريات ، ويجوز أن يراد وهو أقرب : بسبب إيمان الذرية حقيقة إن كانوا كباراً ، وحكماً إن كانوا صغاراً ، ثم أخبر عن الموصول بقوله : { ألحقنا بهم } أي فضلنا لأجل عمل آبائهم { ذرياتهم }{[61557]} وإن لم يكن للذرية أعمال ، لأنه قيل في المعنى : " ولأجل عين ألف عين تكرم " ويلحق بالذرية من النسب الذرية بالسبب وهو المحبة ، فإن كان معها آخذ لعلم أو عمل كانت أجدر ، فتكون{[61558]} ذرية الإفادة كذرية الولادة ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم

" المرء مع من أحب " في جواب من سأل عمن يحب القوم ولم يلحق بهم .

ولما كان ربما خيف أن ينقص الآباء بسبب إلحاق ذرياتهم بهم شيئاً من درجاتهم ، قال : { وما ألتناهم } أي نقصنا الآباء وحبسنا عنهم { من عملهم } وأكد النفي بقوله : { من شيء } بسبب هذا الإلحاق وكان من فوق رتبتهم من الذين يؤمنون والمؤمنين والمتقين وغيرهم أولى منهم ، وإنما فصلهم منهم لأن هؤلاء قد لا يوقنون قبل دخول الجنة العذاب ، قال جامعاً للفريقين ، أو يقال - و{[61559]}لعله أقرب - أنه لما ذكر اتباع الأدنى للأعلى في الخير فضلاً ، أشفقت النفس من أن يكون إتباع في الشر فأجاب تعالى بأنه لا يفعل بقوله : { كل امرىء } أي من الذين آمنوا والمتقين وغيرهم { بما كسب } أي من ولد وغيره { رهين * } أي مسابق ومخاطر ومطلوب وآخذ شيئاً بدل كسبه وموفي على قدر ما يستحقه ومحتبس به إن كان عاصياً ، فمن كان صالحاً كان آخذاً بسبب صلاح{[61560]} ولده لأنه كسبه ، ولا يؤخذ به ذلاً وهو حسن في نفسه لأجل الحكم بإيمانه سواء كان حقيقة أو حكماً وكل حسن مرتفع ، فلذلك يلتحق بأبيه ، وأما الإساءة فقاصرة على صاحبها يؤخذ بها ويرهن بذنبه ولا يؤخذ بذنب غيره ، والحاصل أن المعالي التي هي كالحياة تفيض من صاحبها على غيره فتحييه ، والمساوئ التي هي كالموت لا يتعدى صاحبها ، قال الرازي في اللوامع : اعلم أن الذوات بقاؤها ودوامها ببقاء صورها ، فحيث ما كانت الصورة المقومة لها أدوم كانت الذوات بها أقوم ، وأن النفوس الإنسانية ذوات وصورها علومها وأخلاقها ، فحيث ما كانت العلوم حق اليقين ثم عين اليقين ، والأخلاق مقومة على نهج الشرع المبين ، كانت النفوس دائمة بدوامها غير مستحيلة ، إذ لا تتطرق الاستحالة إلى اليقين والعلم الحق ، وغير كائنة ولا فاسدة إذ ليس عن اليقين ولا العلوم الحقيقية من عالم الكون والفساد ، وإن لم تبلغ النفس إلى كمال اليقين فتعلقت بدليل صاحبه كما انخرطت في سلكها حتى يخرط الإنسان في سلك محبته ، لو أحب أحدكم حجراً لحشر معه ، فإن الدين هو الحب في الله والبغض في الله ، ولهذا اكتفى الشرع من المكلفين بالإسلام وتسليم وتفويض وتحكيم دون الوقوف على المسائل العويصة بالبراهين الواضحة الصحيحة ، وما لم يبلغ الولد حد التكليف واخترم ألحقوا بآبائهم وحكم عليهم بحكم عقائدهم وآرائهم حتى يكون حكم{[61561]} آبائهم جارياً عليهم وحكم القيامة نافذاً فيهم ، وأما إذا كانت الصورة القائمة بالذوات مستحيلة بأن كانت جهلاً وباطلاً ينقص أوله آخره وآخره أوله ، كانت ذات النفس لا تنعدم ولا تفنى بل تبقى على حال لا يموت فيها ولا يحي ، فإنها لو فنيت لاستراحت ولو بقيت لاستطابت ، فهي على استحالة بين الموت والحياة ، وهذه الاستحالة لا تكون إلا في أجساد وأبدان

كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها }[ النساء :56 ] انتهى . وهو كما ترى في غاية النفاسة ، ويؤيده " يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " ويجوز أن تكون الجملة تعليلاً لما قبلها من النفي ، أي ما نقصناهم لأنه قد سبق في حكمنا بأن يكون " كل امرىء " قدرنا أن يرتهن بما قد ينقصه { بما كسب } أي لا يضر ما كسب ما كسبه غيره " رهين " أي معوق عن النعيم حتى يأتيه بما يطلق من العمل الصالح .


[61555]:-وقراءة عاصم "اتبعتهم" راجع نثر المرجان 7/ 60
[61556]:- وقراءة عاصم: "ذريتهم" راجع نثر المرجان 7/61.
[61557]:-وقراءة عاصم: "ذريتهم" راجع نثر المرجان 7/61.
[61558]:- في الأصل: فيكون.
[61559]:- زيد نظرا للسياق.
[61560]:-في الأصل: صلاحه.
[61561]:-زيد نظرا للسياق.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

قوله تعالى : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين 21 وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون 22 يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم 23 ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون 24 وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون 25 قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين 26 فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم 27 إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم } .

يبين الله حال أهل السعادة في الجنة وهو يتقلبون في النعيم والخيرات والبركة ، فضلا عما يغشى قلوبهم من البهجة والسرور والأمن . ويكتمل ذلك إذا لحقت بهم ذرياتهم لتقر بهم عيونهم فكانوا جميعا سعداء منعمين في الجنة . لا جرم أن هذه السعادة المثلى والفوز الكامل المبين .

قوله : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } هذه رحمة من الله بعباده المؤمنين ، إذ يدخلهم الجنة ويلحق بهم ذريتهم من الأولاد والنسل المؤمنين ، وإن كان دونهم في مراتب الإيمان والعمل الصالح ، وذلك لتكتمل بهجتهم وسعادتهم وتقر بهم عيونهم . وفي ذلك روي عن ابن عباس قال : إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه . وفي رواية عنه في تأويل الآية قال : هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوها شيئا وهو قوله جل وعلا : { وما ألتناهم من عملهم من شيء } يعني ألحق الله الذريات بآبائهم في الجنة ولم ينقص الآباء شيئا من أعمالهم . وهذا فضل الله على الأبناء ببركة عمل آبائهم . أما فضل الله على الآباء ببركة دعاء أبنائهم فهو ظاهر ومعروف . وفي ذلك روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " .

قوله : { كل امرئ بما كسب رهين } يعني لا يؤاخذ الله أحدا بذنب غيره بل كل واحد مؤاخذ بذنب نفسه ومرتهن بعمله الذي عمله من خير وشر .