في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

ثم ينتقل بهم السياق من آفاق الكون إلى ذوات أنفسهم ؛ وهي أقرب إليهم ، وهم بها أكثر حساسية :

وخلق هذا الإنسان بهذا التكوين العجيب ، وبهذه الخصائص الفريدة ، وبهذه الوظائف اللطيفة الدقيقة المتنوعة الكثيرة . خارقة . خارقة نسيناها لطول تكرارها ، ولقربها منا ! ولكن التركيب العضوي لجارحة واحدة من جوارح هذا الإنسان مسألة تدير الرأس عجباً ودهشة واستهوالاً لهذا التركيب العجيب !

إن الحياة في أبسط صورها معجزة . في الإميبا ذات الخلية الواحدة . وفيما هو أصغر من الإميبا ! فكيف بها في هذا الإنسان الشديد التركيب والتعقيد ? وهو في تركيبه النفسي أشد تركباً وتعقداً من تركيبه العضوي !

وحوله تلك الخلائق التي تدب على الأرض أنواعاً وأجناساً ، وأشكالاً وأحجاماً ، لا يحصيها إلا الله . وأصغرها كأكبرها معجز في خلقه . معجز في تصريفه . معجز في تناسب حيواته على هذه الأرض ، بحيث

لا يزيد جنس عن حدود معينة ، تحفظ وجوده وامتداده ، وتمنع طغيانه على الأجناس الأخرى طغيان إبادة وإفناء . واليد الممسكة بزمام الأنواع والأجناس تزيد فيها وتنقص بحكمة وتقدير ؛ وتركب في كل منها من الخصائص والقوى والوظائف ما يحفظ التوازن بينها جميعاً . .

النسور جارحة ضارية وعمرها مديد . ولكنها في مقابل هذا نزرة قليلة البيض والفراخ بالقياس إلى العصافير والزرازير . . ولنا أن نتصور كيف كان الأمر يكون لو كان للنسور نسل العصافير ? وكيف كانت تقضي على جميع الطيور !

والأسود كذلك في عالم الحيوان كاسرة ضارية . فكيف لو كانت تنسل كالظباء والشاء ? إنها ما كانت تبقي على لحم في الغابة ولا غذاء . . ولكن اليد التي تمسك بالزمام تجعل نسلها محدوداً بالقدر المطلوب ! وتكثر من ذوات اللحوم من الظباء والشاء وما إليها لسبب معلوم .

والذبابة الواحدة تبيض في الدورة الواحدة مئات الألوف . . وفي مقابل هذا لا تعيش إلا حوالي أسبوعين اثنين . فكيف لو افلت الزمام فعاشت الذبابة الواحدة أشهراً أو سنين ? لكان الذباب يغطي الأجسام ويأكل العيون ? ولكن اليد المدبرة هناك تضبط الأمور وفق تقدير دقيق محسوب فيه حساب كل الحاجات والأحوال والظروف .

وهكذا وهكذا . في الخلق ذاته . وفي خصائصه . وفي تدبيره وتقديره . في عالم الناس ، وعالم الدواب . . في هذا كله آيات . آيات ناطقة . ولكن لمن ? من الذي يراها ويتدبرها ويدركها ?

( لقوم يوقنون ) . .

واليقين هو الحالة المهيئة للقلوب كي تحس ، وكي تتأثر ، وكي تنيب . . اليقين الذي يدع القلوب تقر وتثبت وتطمئن ؛ وتتلقى حقائق الكون في هدوء ويسر وثقة ، وفي راحة من القلق والحيرة والزعزعة . فتصوغ من أقل ما تحصل ، أكبر النتائج وأعظم الآثار في هذا الوجود .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

يبثّ : ينشر .

وكذلك في خلْق الناس على أحسنِ تقويم ، وما ينشرُ في الأرض من الدواب ، دلالات قوية واضحة { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

وما بث فيهما من الدواب ، وما أودع فيهما من المنافع .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

ولما ذكر سبحانه بالنظر في آيات الآفاق ، أتبعها آيات الأنفس فقال : { وفي خلقكم } أي المخالف لخلق الأرض التي أنتم منها بالاختيار والعقل والانتشار والقدرة على السار والضار { وما يبث } أي ينشر و-{[57871]} يفرق بالحركة الاختيارية بثاً على سبيل التجدد والاستمرار { من دآبة } {[57872]}مما تعلمون ومما لا تعلمون بما في ذلك من مشاركتكم في الحركة بالاختيار والهداية للمنافع بإدراك الجزئيات ومخالفتكم في الصورة والعقل وإدراك الكليات وغير ذلك من مخالفة الأشكال والمنافع والطبائع ونحوها { آيات } أي-{[57873]} على صفات الكمال ولا سيما العزة والحكمة ، وهي على قراءة حمزة والكسائي ويعقوب{[57874]} بالنصب هنا ، وفي الذي بعده عطف الآيتين على حيز{[57875]} إن في-{[57876]} الآية الأولى من الاسم والخبر ، فلهذه الآية نظر إلى التأكيد ، وهو على قراءة الجماعة مبتدأ بالعطف على " إن " وما في حيزها{[57877]} ، وهي أبلغ ؛ لأنها تشير إلى أن{[57878]} ما في تصوير الحيوان وجميع شأنه من عجيب الصنع ظاهر{[57879]} الدلالة على الله فهو-{[57880]} بحيث لا ينكره أحد ، فهو غني عن التأكيد ، ويجوز أن تكون الآية على قراءة النصب من الاحتباك : حذف أولاً الخلق بما دل عليه ثانياً ، وثانياً ذوات الأنفس بما دل عليه من ذوات السماوات أولاً .

ولما كانت آيات الأنفس أدق وأدل على القدرة والاختيار بما لها من التجدد والاختلاف ، قال : { لقوم } أي فيهم أهلية القيام بما يحاولونه { يوقنون * } أي يتجدد لهم العروج في درجات الإيمان إلى أن يصلوا إلى شرف الإيقان ، فلا يخالطهم{[57881]} شك في وحدانيته ؛ قال الحرالي في تفسير { أو كالذي مر على قرية } : آية النفس منبهة على آية الحس ، وآية الحس منبهة على آية النفس ، إلا أن آية النفس أعلق ، فهي لذلك أهدى ، غاية آية الآفاق الإيمان ، وغاية آية النفس اليقين .


[57871]:زيد من م ومد.
[57872]:زيد في الأصل و ظ: أي، ولم تكن الزيادة في م ومد فحذفناها.
[57873]:زيد من م ومد.
[57874]:راجع المرجان 6/493.
[57875]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: خبر.
[57876]:زيد من م ومد.
[57877]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: خبرها.
[57878]:سقط من مد.
[57879]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: ظاهره.
[57880]:زيد من م ومد.
[57881]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فلا يخالفهم.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{وَفِي خَلۡقِكُمۡ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٞ لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ} (4)

{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( 4 ) }

وفي خَلْقكم -أيها الناس- وخلق ما تفرق في الأرض من دابة تَدِبُّ عليها ، حجج وأدلة لقوم يوقنون بالله وشرعه .