( وأشرقت الأرض بنور ربها ) . .
أرض الساحة التي يتم فيها الاستعراض . ونور ربها الذي لا نور غيره في هذا المقام . .
( ووضع الكتاب ) . . الحافظ لأعمال العباد . .
( وجيء بالنبيين والشهداء ) . . ليقولوا كلمة الحق التي يعلمون . . وطوي كل خصام وجدال - في هذ المشهد - تنسيقاً لجوه مع الجلال والخشوع الذي يسود الموقف العام :
( وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون . ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ) . .
فلا حاجة إلى كلمة تقال ، ولا إلى صوت واحد يرتفع .
ومن ثم تجمل وتطوى عملية الحساب والسؤال والجواب التي تعرض في مشاهد أخرى . لأن المقام هنا مقام روعة وجلال .
{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } علم من هذا ، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضحمل ، وهو كذلك ، فإن اللّه أخبر أن الشمس تكور ، والقمر يخسف ، والنجوم تندثر ، ويكون الناس في ظلمة ، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها ، عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم ، وذلك اليوم يجعل اللّه للخلق قوة ، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره ، ويتمكنون أيضا من رؤيته ، وإلا ، فنوره تعالى عظيم ، لو كشفه ، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ } أي : كتاب الأعمال وديوانه ، وضع ونشر ، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات ، كما قال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }
{ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ } ليسألوا عن التبليغ ، وعن أممهم ، ويشهدوا عليهم . { س وَالشُّهَدَاءِ } من الملائكة ، والأعضاء والأرض . { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ } أي : العدل التام والقسط العظيم ، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة ، ومن هو محيط بكل شيء ، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ ، محيط بكل ما عملوه ، والحفظة الكرام ، والذين لا يعصون ربهم ، قد كتبت عليهم ما عملوه ، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم ، فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب .
قوله تعالى : " وأشرقت الأرض بنور ربها " إشراقها إضاءتها ، يقال : أشرقت الشمس إذا أضاءت وشرقت إذا طلعت . ومعنى : " بنور ربها " بعدل ربها . قاله الحسن وغيره . وقال الضحاك : بحكم ربها ، والمعنى واحد . أي أنارت وأضاءت بعدل الله وقضائه بالحق بين عباده . والظلم ظلمات والعدل نور . وقيل : إن الله يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض فتشرق الأرض به . وقال ابن عباس : النور المذكور ها هنا ليس من نور الشمس والقمر ، بل هو نور يخلقه الله فيضيء به الأرض . وروي أن الأرض يومئذ من فضة تشرق بنور الله تعالى حين يأتي لفصل القضاء . والمعنى أنها أشرقت بنور خلقه الله تعالى ، فأضاف النور إليه على حد إضافة الملك إلى المالك . وقيل : إنه اليوم الذي يقضي فيه بين خلقه ؛ لأنه نهار لا ليل معه . وقرأ ابن عباس وعبيد بن عمير : " وأشرقت الأرض " على ما لم يسم فاعله وهي قراءة على التفسير . وقد ضل قوم ها هنا فتوهموا أن الله عز وجل من جنس النور والضياء المحسوس ، وهو متعال عن مشابهة{[13344]} المحسوسات ، بل هو منور السماوات والأرض ، فمنه كل نور خلقا وإنشاء . وقال أبو جعفر النحاس : وقوله عز وجل : " وأشرقت الأرض بنور ربها " يبين هذا الحديث المرفوع من طرق كثيرة صحاح ( تنظرون إلى الله عز وجل لا تضامون في رؤيته ) وهو يروى على أربعة أوجه : لا تضامون ولا تضارون ولا تضامون ولا تضارون ، فمعنى ( لا تضامُون ) لا يلحقكم ضيم كما يلحقكم في الدنيا في النظر إلى الملوك . و( لا تضارُون ) لا يلحقكم ضير . و( لا تضامُّون ) لا ينضم بعضكم إلى بعض ليسأله أن يريه . و( لا تضارُّون ) لا يخالف بعضكم بعضا . يقال : ضاره مضارة وضرارا أي خالفه .
قوله تعالى : " ووضع الكتاب " قال ابن عباس : يريد اللوح المحفوظ . وقال قتادة : يريد الكتاب والصحف التي فيها أعمال بني آدم ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله . " وجيء بالنبيين " أي جيء بهم فسألهم عما أجابتهم به أممهم . " والشهداء " الذين شهدوا على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ كما قال تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " [ البقرة : 143 ] . وقيل : المراد بالشهداء الذي استشهدوا في سبيل الله ، فيشهدون يوم القيامة لمن ذب عن دين الله . قاله السدي . قال ابن زيد : هم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم . قال الله تعالى : " وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد " [ ق : 21 ] فالسائق يسوقها إلى الحساب والشهيد يشهد عليها ، وهو الملك الموكل بالإنسان على ما يأتي بيانه في " ق " {[13345]} . " وقضي بينهم بالحق " أي بالصدق والعدل . " وهم لا يظلمون " قال سعيد بن جبير : لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم .
قوله : { وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } أشرقت بمعنى أضاءت ، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلْقه فتسطع الأرض بنور الله ويغشاها الإشراق والضياء بعدله وقضائه بين العباد بالحق .
قوله : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ } المراد بذلك ، الكتب والصحف التي فيها أعمال بني آدم فمنهم آخذ كتابه بيمينه فهو من أهل النجاة ومنهم آخذ بشماله فهو من الخاسرين الأشقياء .
قوله : { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ } يجاء بالنبيين ليشهدوا على أممهم بأنهم بلَّغوهم رسالات الله إليهم . ويجاء كذلك بالشهداء وهم الملائكة ليشهدوا على أعمال العباد من خير و شر . وقيل : المراد بهم الشهداء من الأمم يشهدون للرسل بتبليغ الرسالات . وقيل : هم الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .