الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (69)

قد استعار الله عزّ وجلّ النور للحق والقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل ، وهذا من ذاك . والمعنى : { وَأَشْرَقَتِ الأرض } بما يقيمه فيها من الحق والعدل ، ويبسطه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيئات ، وينادي عليه بأنه مستعار إضافته إلى اسمه ؛ لأنه هو الحق العدل . وإضافة اسمه إلى الأرض ؛ لأنه يزينها حيث ينشر فيها عدله ، وينصب فيها موازين قسطه ، ويحكم بالحق بين أهلها ، ولا ترى أزين للبقاع من العدل ، ولا أعمر لها منه . وفي هذه الإضافة أن ربها وخالقها هو الذي يعدل فيها ، وإنما يجوز فيها غير ربها ، ثم ما عطف على إشراق الأرض من وضع الكتاب والمجيء بالنبيين والشهداء والقضاء بالحق وهو النور المذكور . وترى الناس يقولون للملك العادل : أشرقت الآفاق بعدلك ، وأضاءت الدنيا بقسطك ، كما تقول : أظلمت البلاد بجور فلان . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الظلم ظلمات يوم القيامة " وكما فتح الآية بإثبات العدل ، ختمها بنفي الظلم . وقرىء : «واشرقت » على البناء للمفعول ، من شرقت بالضوء تشرق : إذا امتلأت به واغتصت . وأشرقها الله ، كما تقول : ملأ الأرض عدلاً وطبقها عدلاً و { الكتاب } صحائف الأعمال ، ولكنها اكتفى باسم الجنس ، وقيل : اللوح المحفوظ { والشهداء } الذين يشهدون للأمم وعليهم من الحفظة والأخيار . وقيل : المستشهدون في سبيل الله .