فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (69)

{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ } الإشراق الإضاءة ، يقال : أشرقت الشمس إذا أضاءت ، وشرقت إذا طلعت ، وأراد بالأرض عرصات القيامة ، أي الأرض الجديدة التي يوجدها الله في ذلك الوقت ، ليحشر الناس عليها ، وليس المراد بها أرض الدنيا .

{ بِنُورِ رَبِّهَا } أي بعدل ربها قاله الحسن وغيره ، وقال الضحاك : بحكم ربها . والمعنى أن الأرض أضاءت وأنارت بما أقامه الله من العدل بين أهلها ، وما قضى به من الحق فيهم ، فالعدل نور ، والظلم ظلمات . وقيل : ذلك حين يتجلى الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء بين خلقه ، فما يضارون في نوره كما لا يضارون في الشمس في يوم الصحو .

وقيل : إن الله سبحانه يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض فتشرق به غير نور الشمس والقمر ، ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي ، فإن الله سبحانه هو { نور السماوات والأرض } قرأ الجمهور : أشرقت مبنيا للفاعل ، وقرئ على البناء للمفعول .

{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ } قيل : هو اللوح المحفوظ ، وقال قتادة يعني الكتب والصحف التي فيها أعمال بني آدم ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ، وكذا قال مقاتل : وقيل هو من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه ، أي وضع الكتاب للحساب { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ } إلى الموقف فسئلوا عما أجابتهم به أممهم .

{ وَالشُّهَدَاءِ } الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما في قوله { وكذلِك جعلْناكُمْ أُمّةً وسطًا لِتكُونُوا شُهداء على النّاسِ } وقيل المراد بالشهداء الذين استشهدوا في سبيل الله ، فيشهدون يوم القيامة لمن ذب عن دين الله . قاله السدي وقيل هم الحفظة كما قال تعالى :

{ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } قاله ابن زيد قال ابن عباس النبيون الرسل والشهداء الذين يشهدون لهم بالبلاغ ليس فيهم طعان ولا لعان يشهدون بتبليغ الرسالة وتكذيب الأمم إياهم .

ولما بين سبحانه أنه يوصل لكل ذي حق حقه عبر عن هذا المعنى بأربع عبارات أولاها قوله { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ } أي قضى بين العباد بالعدل والصدق ، والثانية { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } أي والحال أنهم لا ينقصون من ثوابهم ولا يزاد على ما يستحقونه من عقابهم ختم الآية بنفي الظلم كما افتتحها بإثبات العدل ، والثالثة { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ } من خير وشر أي جزاءه والرابعة { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } .