ولما ذكر إقامتهم بالحياة التي هي نور البدن ، أتبعه إقامتهم بنور جميع الكون ظاهراً بالضياء الحسي ، وباطناً بالحكم على طريق العدل الذي هو نور الوجود الظاهري والباطني على الحقيقة كما أن الظلم ظلامة كذلك فقال : { وأشرقت } أي أضاءت إضاءة عظيمة مالت بها إلى الحمرة { الأرض } أي التي أوجدت لحشرهم ، وعدل الكلام عن الاسم الأعظم إلى صفة الإحسان لغلبة الرحمة لا سيما في ذلك اليوم فإنه لا يدخل أحد الجنة إلا بها فقال : { بنور ربها } أي الذي رباها بالإحسان إليها بجعلها محلاًّ للعدل والفضل ، لا يكون فيها شيء غير ذلك أصلاً ، وذلك النور الذي هو شيء واحد يبصر به قوم دون آخرين كما كانت النفخة تارة للهلاك وتارة للحياة .
ولما كان العلم هو النور في الحقيقة ، وكان الكتاب أساس العلم وكان لذلك اليوم من العظمة ما يفوت الوصف ولذلك كذب به الكفار أتى فيما يكون فيه بإذنه بصيغة المجهول على طريقة كلام القادرين إشارة إلى هوانه وأنه طوع أمره لا كلفة عليه في شيء من ذلك وكذا ما بعده من الأفعال زيادة في تصوير عظمة اليوم بعظمة الأمر فيه فقال : { ووضع الكتاب } أي الذي أنزل إلى كل أمة لتعمل به .
ولما كان الأنبياء أعم من المرسلين ، وكان للنبي وهو المبعوث ليعمل من أمره أن يأمر بالمعروف ، وقد يتبعه من أراد الله به الخير ، وكان عدتهم مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً ، وهي قليلة جداً بالنسبة إلى جميع الناس ، عبر بهم دون المرسلين وبجمع القلة فقال : { وجاء بالنبيين } للشهادة على أممهم بالبلاغ . ولما كان أقل ما يكون الشهود ضعف المكلفين ، عبر بجمع الكثرة فقال : { والشهداء } أي الذين وكلوا بالمكلفين فشاهدوا أعمالهم فشهدوا بها وضبطوها فأصلت الأصول وصورت الدعاوى وأقيمت البينات على حسبها من طاعة أو معصية ، ووقع الجزاء على حسب ذلك ، فظهر العدل رحمة للكفار ، وبان الفضل رحمة للمسلمين { وقضى بينهم } أي بين العباد الذين فعل ذلك كله لأجلهم ، ولما كان السياق ظاهراً في عموم الفضل عدلاً وفضلاً كما يأتي التنبيه عليه قال : { بالحق } بأن يطابق الواقع من المثوبات والعقوبات ما وقع الخبر به في الكتب على ألسنة الرسل .
ولما كان المراد كمال الحق باعتبار عمومه لجميع الأشخاص والأعمال وكان ربما طرقه احتمال تخصيص ما ، أزال ذلك بقوله : { وهم } أي باطناً وظاهراً { لا يظلمون * } أي لا يتجدد لهم ظلم في وقت أصلاً ، فلا يزادون في جزاء السيئة على المثل شيئاً ولا ينقصون في جزاء الحسنة عن العشر شيئاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.