فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (69)

{ وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبّهَا } الإشراق الإضاءة ، يقال : أشرقت الشمس : إذا أضاءت ، وشرقت : إذا طلعت ، ومعنى { بنور ربها } بعدل ربها ، قاله الحسن وغيره . وقال الضحاك : بحكم ربها ، والمعنى : أن الأرض أضاءت ، وأنارت بما أقامه الله من العدل بين أهلها ، وما قضى به من الحق فيهم ، فالعدل نور ، والظلم ظلمات . وقيل : إن الله يخلق نوراً يوم القيامة يلبسه وجه الأرض ، فتشرق به غير نور الشمس والقمر ، ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقي ، فإن الله سبحانه هو نور السماوات والأرض . قرأ الجمهور { أشرقت } مبنياً للفاعل ، وقرأ ابن عباس ، وأبو الجوزاء ، وعبيد بن عمير على البناء للمفعول { ووضع الكتاب } قيل : هو اللوح المحفوظ . وقال قتادة : يعني الكتب والصحف التي فيها أعمال بني آدم ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله ، وكذا قال مقاتل .

وقيل : هو من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه ، أي وضع الكتاب للحساب { وَجِيء بالنبيين } أي جيء بهم إلى الموقف ، فسئلوا عما أجابتهم به أممهم { والشهداء } الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله : { وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس } [ البقرة : 143 ] ، وقيل : المراد بالشهداء : الذين استشهدوا في سبيل الله ، فيشهدون يوم القيامة لمن ذبّ عن دين الله . وقيل : هم الحفظة كما قال تعالى : { وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ } [ ق : 21 ] { وَقُضِىَ بَيْنَهُم بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي وقضي بين العباد بالعدل والصدق ، والحال أنهم لا يظلمون ، أي لا ينقصون من ثوابهم ، ولا يزاد على ما يستحقونه من عقابهم .

/خ72