اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (69)

قوله : { وَأَشْرَقَتِ الأرض } العامة على بنائه للفاعل ، وابن عباس وأبو الجَوْزاء{[47759]} وعُبَيدُ بنُ عُمَير{[47760]} ، على بنائه للمفعول{[47761]} . وهو منقول بالهمزة من شَرقَتْ إذا طلعت ، وليس من أشْرقَتْ بمعنى أضاءت لأن ذلك لازمٌ{[47762]} ، وجعله ابن عطيّة مثل رَجَعَ ورجَعْتُهُ ، وَوَقَفَ وَوَقَفْتُهُ فيكون أشرق لازماً ومتعدياً{[47763]} .

فصل

هذه الأرض عَرْصة القيامة وليست بأرضنا الآن لقوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] وقوله : { بِنُورِ رَبِّهَا } أي خالقها يتجلى الرب لفصل القضاء بين خلقه ، وقال الحسن والسدي : بنور ربها أي بعدل ربها قال عليه ( الصلاة و ) السلام : «إنَّكُمْ سَتَروْنَ رَبَّكُمْ » وقال : «كما لا تُضَارُّونَ فِي الشَّمْس في اليَوْم الصَّحْو » ، وقوله : { وَوُضِعَ الكتاب } أي كتاب الأعمال لقوله : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [ الإسراء : 13 ] وقوله : { مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا }{[47764]} [ الكهف : 49 ] وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ .

وقوله : { وَجِيءَ بالنبيين والشهدآء } قال ابن عباس : يعني الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة ، وهم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال عطاء ومقاتل : يعني الحَفَظَة لقوله تعالى : { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } [ ق : 21 ] وقيل : أراد بالشهداء{[47765]} : المستشهدون في سبيل الله .

ثم قال : { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق } أي بالعدل { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي يُزادون في سيئاتهم ولا يُنْقَصُ من حسناتهم «ووفِّيت كُلّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ » أن ثُوَابَ مَا عَمِلْتْ : واعلم أنه تعالى لما بين أنه يوصل إلى كل أحد حقه عبر عن هذا المعنى بأربع عبارات :

أولها : قوله تعالى : { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق } .

وثانيها : قوله تعالى : { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } .


[47759]:أوس بن عبد الله الربعي أبو الجوزاء البصري، عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وعنه بديل بن ميسرة، وقتادة ومحمد بن جحادة مات سنة 83 هـ انظر: الخلاصة 41.
[47760]:ابن قتادة أبو عاصم الليثي المكي القاص وردت عنه الرواية في حروف القرآن عن عمر وأبي، وعنه مجاهد وعطاء وغيرهما مات سنة 74 هـ الغاية 1/497.
[47761]:من القراءة الشاذة غير المتواترة فقد رواها في المحتسب ابن جني 2/239 و 240 وابن خالويه في المختصر 132.
[47762]:هذا هو المفهوم من كلام أبي حيان في البحر 7/441 وقد قال بذلك السمين في الدر 4/667.
[47763]:السابقان .
[47764]:وانظر ما مضى في تفسير الإمام الرازي 27/17 و18 و19.
[47765]:في ب بالشهيد مفردا.