الآية 69 وقوله تعالى : { وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } يحتمل بنور الذي أنشأه الله عز وجل وجعله فيها ، وليس أن يكون لذاته نور أو شيء يضيء ، ويكون قوله عز وجل : { بنور ربها } كقوله عز وجل : { بحمد ربك } [ غافر : 55 ] بإحسان ربك وآلاء ربك ؛ لا يفهم منه سوى النعمة والمنشأة والآلاء المجعولة .
فعلى ذلك قوله عز وجل : { بنور ربها } لا يفهم منه نور الذات ولا شيء من ذلك .
ثم قوله عز وجل : { وأشرقت الأرض } أي أضاءت .
وجائز أن يكون الله تعالى أنشأ أرض الآخرة أرضا مضيئة مشرقة لما أخبر أنه يبدّل أرضا غير هذه حين{[18099]} قال عز وجل : { يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] كانت هذه [ الأرض ]{[18100]} مظلمة وتلك مضيئة على ما ذكرنا ، والله أعلم .
[ ويحتمل ]{[18101]} أن يكون إشراقها ارتفاع سواترها وظهور الحق لهم وزوال الاشتباه والالتباس . وكانت أمورهم في الدنيا مُشتبِهة ملتبِسة . ويقرّون يومئذ جميعا بالتوحيد له والألوهية والربوبية ، وهو على ما ذكرنا من قوله عز وجل : { وبرزوا لله جميعا } [ إبراهيم : 21 ] وقوله عز وجل : { وإليه ترجعون } [ يونس : 56 و . . . ] [ وقوله عز وجل ]{[18102]} : { وإليه المصير } [ المائدة : 18 ] وقوله : { المُلك يومئذ لله } [ الحج : 56 ] ونحو ذلك .
ذكر البروز له والرجوع إليه والمصير ، وإن كانوا في الأحوال كلها [ بارزين له راجعين إليه صائرين ]{[18103]} ، والمُلك له في الدارين جميعا . خص البروز والرجوع إليه والملك له لما يومئذ يظهر المُحقّ لهم من المبطل ، ويومئذ يقرّون{[18104]} جميعا بالتوحيد له والملك .
فعلى ذلك يحتمل إشراق الأرض وإضاءتها لما ترتفع السواتر يومئذ ، وتزول الشُّبَه ، وتظهر الحقائق ، والله أعلم ، أو أن يكون ما ظهر لكل ما عمل في الدنيا من خير أو شر ، وعرفه يومئذ ، وإن كان في الدنيا لم يظهر ، ولم يعرف ، ما عمل من خير وشر كقوله عز وجل : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } الآية [ آل عمران : 30 ] والله أعلم . أو أن تكون أرض الآخرة مضيئة مشرقة لما لا يقضي عليها تعالى ، عز وجل وأرض الدنيا مظلمة بعصيان أهلها الرّب عز وجل .
وذلك كما روي في الخبر أن الحجر الأسود من الجنة ، كذا صار أسود لما مسّته أيدي الخاطئين العاصين ، والله أعلم .
وقوله عز وجل : { بنور ربها } قال بعضهم : بعدل ربها أي رضا ربها ، وهو ما قال عز وجل : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } [ الحجر : 85 ] أي بالعدل ، والله أعلم .
وجائز ما ذكر بنور أنشأه ، وجعله فيها ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ووُضع الكتاب } كقوله تعالى : { ووضع الميزان } [ الرحمن : 7 ] وقال بعضهم : الكتاب ، هو الحساب بما حفظ عليهم ولهم من خير أو شر محذور منه . وقال بعضهم : هو الكتاب الذي يوضع في أيديهم يومئذ ، فيه ما عملوا ، يقرؤونه ، وهو مثل الأول ، والله أعلم .
[ وقوله عز وجل ]{[18105]} : { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ } اختُلف في الشهداء : قال بعضهم : الشهداء ، هم المرسلون ؛ يؤتى بالنبيّين والمرسلين ، يشهدون عليهم كقوله عز وجل : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } [ النساء : 41 ] وقوله عز وجل : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم } الآية [ المزمل : 15 ] . وقال بعضهم : الشهداء ههنا الملائكة والحفظة الذين يشهدون عليهم بأعمالهم عملوها . وقال بعضهم : الشهداء ، هم الذين استشهدوا في هذه الدنيا ، والله أعلم .
وجائز أن يكون ما ذكر من الشهداء : هم الجوارح التي تشهد عليهم يومئذ كقوله عز وجل : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } الآية [ النور : 24 ] .
وقوله تعالى : { وقضي بينهم بالحق } أي بالعدل .
وقوله تعالى : { وهم لا يظلمون } أي لا يُحمل على أحد ما لم يعمل ، ولكن يحمل عليه ما عمل ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.