تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (69)

الآية 69 وقوله تعالى : { وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } يحتمل بنور الذي أنشأه الله عز وجل وجعله فيها ، وليس أن يكون لذاته نور أو شيء يضيء ، ويكون قوله عز وجل : { بنور ربها } كقوله عز وجل : { بحمد ربك } [ غافر : 55 ] بإحسان ربك وآلاء ربك ؛ لا يفهم منه سوى النعمة والمنشأة والآلاء المجعولة .

فعلى ذلك قوله عز وجل : { بنور ربها } لا يفهم منه نور الذات ولا شيء من ذلك .

ثم قوله عز وجل : { وأشرقت الأرض } أي أضاءت .

وجائز أن يكون الله تعالى أنشأ أرض الآخرة أرضا مضيئة مشرقة لما أخبر أنه يبدّل أرضا غير هذه حين{[18099]} قال عز وجل : { يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] كانت هذه [ الأرض ]{[18100]} مظلمة وتلك مضيئة على ما ذكرنا ، والله أعلم .

[ ويحتمل ]{[18101]} أن يكون إشراقها ارتفاع سواترها وظهور الحق لهم وزوال الاشتباه والالتباس . وكانت أمورهم في الدنيا مُشتبِهة ملتبِسة . ويقرّون يومئذ جميعا بالتوحيد له والألوهية والربوبية ، وهو على ما ذكرنا من قوله عز وجل : { وبرزوا لله جميعا } [ إبراهيم : 21 ] وقوله عز وجل : { وإليه ترجعون } [ يونس : 56 و . . . ] [ وقوله عز وجل ]{[18102]} : { وإليه المصير } [ المائدة : 18 ] وقوله : { المُلك يومئذ لله } [ الحج : 56 ] ونحو ذلك .

ذكر البروز له والرجوع إليه والمصير ، وإن كانوا في الأحوال كلها [ بارزين له راجعين إليه صائرين ]{[18103]} ، والمُلك له في الدارين جميعا . خص البروز والرجوع إليه والملك له لما يومئذ يظهر المُحقّ لهم من المبطل ، ويومئذ يقرّون{[18104]} جميعا بالتوحيد له والملك .

فعلى ذلك يحتمل إشراق الأرض وإضاءتها لما ترتفع السواتر يومئذ ، وتزول الشُّبَه ، وتظهر الحقائق ، والله أعلم ، أو أن يكون ما ظهر لكل ما عمل في الدنيا من خير أو شر ، وعرفه يومئذ ، وإن كان في الدنيا لم يظهر ، ولم يعرف ، ما عمل من خير وشر كقوله عز وجل : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } الآية [ آل عمران : 30 ] والله أعلم . أو أن تكون أرض الآخرة مضيئة مشرقة لما لا يقضي عليها تعالى ، عز وجل وأرض الدنيا مظلمة بعصيان أهلها الرّب عز وجل .

وذلك كما روي في الخبر أن الحجر الأسود من الجنة ، كذا صار أسود لما مسّته أيدي الخاطئين العاصين ، والله أعلم .

وقوله عز وجل : { بنور ربها } قال بعضهم : بعدل ربها أي رضا ربها ، وهو ما قال عز وجل : { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } [ الحجر : 85 ] أي بالعدل ، والله أعلم .

وجائز ما ذكر بنور أنشأه ، وجعله فيها ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ووُضع الكتاب } كقوله تعالى : { ووضع الميزان } [ الرحمن : 7 ] وقال بعضهم : الكتاب ، هو الحساب بما حفظ عليهم ولهم من خير أو شر محذور منه . وقال بعضهم : هو الكتاب الذي يوضع في أيديهم يومئذ ، فيه ما عملوا ، يقرؤونه ، وهو مثل الأول ، والله أعلم .

[ وقوله عز وجل ]{[18105]} : { وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ } اختُلف في الشهداء : قال بعضهم : الشهداء ، هم المرسلون ؛ يؤتى بالنبيّين والمرسلين ، يشهدون عليهم كقوله عز وجل : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } [ النساء : 41 ] وقوله عز وجل : { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم } الآية [ المزمل : 15 ] . وقال بعضهم : الشهداء ههنا الملائكة والحفظة الذين يشهدون عليهم بأعمالهم عملوها . وقال بعضهم : الشهداء ، هم الذين استشهدوا في هذه الدنيا ، والله أعلم .

وجائز أن يكون ما ذكر من الشهداء : هم الجوارح التي تشهد عليهم يومئذ كقوله عز وجل : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم } الآية [ النور : 24 ] .

وقوله تعالى : { وقضي بينهم بالحق } أي بالعدل .

وقوله تعالى : { وهم لا يظلمون } أي لا يُحمل على أحد ما لم يعمل ، ولكن يحمل عليه ما عمل ، والله أعلم .


[18099]:في الأصل وم: حيث.
[18100]:ساقطة من الأصل وم.
[18101]:في الأصل وم: أو.
[18102]:ساقطة من الأصل وم.
[18103]:في الأصل وم: بارزون له راجعون إليه صائرون.
[18104]:في الأصل وم: اقروا.
[18105]:ساقطة من الأصل وم.