الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (69)

ثم قال تعالى ذكره : { وأشرقت الأرض بنور ربها } ، أي : أضاءت .

يقال : أشرقت الشمس إذا أضاءت وَصَفَت ، وشَرَقَت إذا طلعت .

وذلك حين يجيء الرحمان لفصل القضاء بين خلقه .

وروي أن الأرض يومئذ أرض من فضة تضيء وتشرق بنور ربها لا بشمس ولا بقمر .

والمعنى : أضاءت الأرض بنور ( خلقه الله ){[59281]} .

فإضافة النور إليه تعالى على طريق خلقه له مثل قوله : { هذا خلق الله } تبارك وتعالى .

وقيل : معناه : أشرقت بعد الله عز وجل وحُكمه الحق تبارك وتعالى لأن له نورا كنور الشمس وضياء القمر ، هو أعظم وأجل من ذلك ، ليس كمثله شيء . وهذا كقوله عز وجل : { الله نور السموات والأرض }{[59282]} أي : بِهُدَاه يهتدي أهل السماوات والأرض . لم يُرِدِ النور الذي هو الضياء ، ولو كان ذلك ، لم يوجد ظلام لأنه باق في الليل والنهار .

وقد ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ينظرون إلى الله سبحانه لا تضامون في رؤيته " {[59283]} .

وقد اختلف في هذه اللفظة على أربعة أوجه :

- لا تُضامون – مُخَفَّقا - ، أي : لا يلحقكم ضيم كما يلحق في الدنيا في النظر إلى الملوك .

- والوجه الثاني : لا تضامُّون – مشددا - ، أي : لا ينضم بعضكم لبعض{[59284]} ليسأله أن يريه إياه .

- والوجه الثالث : ( لا تُضارُون ){[59285]} – مخففا - ، أي : لا يلحقكم ضير في رؤيته ، من ضارَه يضيره .

- والوجه الرابع : ( لا تُضارُّون ){[59286]} – مشددا - ، أي : لا يخالف بعضكم بعضا{[59287]} في صحة رؤيته . يقال : ضاررته مضارة ، أي : خالفته{[59288]} .

ثم قال تعالى ذكره : { ووضع الكتاب } يعني : كتاب أعمال العباد وحسابهم .

وقيل : هو اللوح المحفوظ{[59289]} .

{ وجيء بالنبيين والشهداء } أي : جيء بالنبيين ليسألهم{[59290]} ربهم عما أجابت به ]{[59291]} أممهم وردت عليهم في الدنيا .

والشهداء ، يعني : الذين يشهدون على الأمم . وهو قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } أي : عدلا { لتكونوا شهداء على الناس }{[59292]} .

وقيل : عنى بالشهداء هنا : الذي قتلوا في سبيل الله{[59293]} . والأول ( أولى وأبين ){[59294]} .

وقال السدي : الشهداء : الذين استشهدوا في طاعة الله عز وجل{[59295]} .

وقال ابن زيد : هم الحفظة يشهدون على الناس بأعمالهم{[59296]} .

وقوله : { وقضي بينهم بالحق } ، أي : قضى / بين النبيئين وأممهم بالحق ، فلا يحمل أحد ذنب أحد ، ولا يظلم أحد فينقص من عمله .


[59281]:(ح): خلق الله عز وجل.
[59282]:النور آية 35.
[59283]:أخرج البخاري في المواقيت باب 16/554 وباب 26 ح 573، وفي كتاب التفسير (سورة النساء) الباب 8 ح 4581 و(سورة ق) باب 2 ح 4851، وفي كتاب التوحيد 97 باب 24 ح 7434 و 7436 و 7437، وفي كتاب الأذان 10 باب 129 ح 806، ومسلم في كتاب المساجد 5 باب 37 ح 211 و 212 وفي كتاب الإيمان معرفة طريق الرؤية ح 297.
[59284]:(ح) (إلى بعض).
[59285]:(ح): (أي لا يضامون).
[59286]:(ح): (لا تضامون).
[59287]:ساقط من (ح).
[59288]:نسب النحاس في إعرابه 4/152 هذه الأوجه الأربع إلى أبي إسحاق انظر: الفائق 2/335.
[59289]:انظر: المحرر الوجيز 14/105، وجامع القرطبي 15/282. وقد نسب القرطبي هذا القول إلى ابن عباس.
[59290]:(ع): فيسئلهم.
[59291]:في طرة (ح).
[59292]:البقرة آية 142.
[59293]:انظر: جامع البيان 24/22.
[59294]:(ح): أبين وأحسن.
[59295]:انظر: جامع البيان 24/22، والمحرر الوجيز 14/105، وجامع القرطبي 15/283.
[59296]:انظر: جامع القرطبي 15/283.