سورة الزلزلة مكية وآياتها ثمان
هذه السورة مدنية في المصحف وفي بعض الروايات ؛ ومكية في بعض الروايات الأخرى . ونحن نرجح الروايات التي تقول بأنها مكية ، وأسلوبها التعبيري وموضوعها يؤيدان هذا .
إنها هزة عنيفة للقلوب الغافلة . هزة يشترك فيها الموضوع والمشهد والإيقاع اللفظي . وصيحة قوية مزلزلة للأرض ومن عليها ؛ فما يكادون يفيقون حتى يواجههم الحساب والوزن والجزاء في بضع فقرات قصار !
وهذا هو طابع الجزء كله ، يتمثل في هذه السورة تمثلا قويا . . .
إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، وقال الإنسان مالها ? يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها .
إنه يوم القيامة حيث ترتجف الأرض الثابتة ارتجافا ، وتزلزل زلزالا ،
سورة الزلزلة مدنية ، وآياتها ثمان ، نزلت بعد سورة النساء . وهي في أسلوبها تشبه السور المكية ، لما فيها من أهوال يوم القيامة وشدائده . فقد كان الكفار كثيرا ما يسألون عن البعث وتحديد يوم القيامة ، ويقولون : متى هذا الوعد ، وما أشبه ذلك . فذكر الله تعالى في هذه السورة بعض علامات ذلك . . بأنه إذا حصلت الزلزلة الشديدة ، حيث تنهار الجبال وتتطاير كالعهن المنفوش ، وينتشر الناس كالفراش المبثوث ، وتحصل من الأمور العجيبة ما تخلع قلوب الناس ، وتخرج الأرض كنوزها والناس . { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } فإنه في ذلك اليوم يحاسَب كل إنسان . { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } .
إذا اهتزّت الأرضُ واضطربت اضطراباً عظيما حتى لم يبقَ فوقَها أثرٌ بارز .
{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
يخبر تعالى عما يكون يوم القيامة ، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج ، حتى يسقط ما عليها من بناء وعلم{[1465]} .
فتندك جبالها ، وتسوى تلالها ، وتكون قاعًا صفصفًا لا عوج فيه ولا أمت .
مدنية في قول ابن عباس وقتادة . ومكية في قول ابن مسعود وعطاء وجابر . وهي تسع{[1]} آيات .
قال العلماء : وهذه السورة فضلها كثير ، وتحتوي على عظيم : روى الترمذي عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " من قرأ ( إذا زلزلت ) ، عدلت له بنصف القرآن . ومن قرأ ( قل يا أيها الكافرون ) [ الكافرون : 1 ] عدلت له بربع القرآن ، ومن قرأ ( قل هو الله أحد ) [ الإخلاص : 1 ] عدلت له بثلث القرآن " . قال : حديث غريب ، وفي الباب عن ابن عباس . وروي عن علي رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " من قرأ ( إذا زلزلت ) أربع مرات ، كان كمن قرأ القرآن كله " . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لما نزلت ( إذا زلزلت ) بكى أبو بكر ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : " لولا أنكم تخطئون وتذنبون ويغفر اللّه لكم ، لخلق أمة يخطئون ويذنبون ويغفر لهم ، إنه هو الغفور الرحيم " .
قوله تعالى : { إذا زلزلت الأرض } أي حركت من أصلها . كذا روى عكرمة عن ابن عباس ، وكان يقول : في النفخة الأولى يزلزلها ، وقاله مجاهد ؛ لقوله تعالى : { يوم ترجف الراجفة . تتبعها الرادفة }{[16270]} [ النازعات : 6 ] ثم تزلزل ثانية ، فتخرج موتاها وهي الأثقال . وذكر المصدر للتأكيد ، ثم أضيف إلى الأرض ، كقولك : لأعطينك عطيتك ، أي عطيتي لك ، وحسن ذلك لموافقة رؤوس الآي بعدها . وقراءة العامة بكسر الزاي من الزلزال ، وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر بفتحها ، وهو مصدر أيضا ، كالوسواس والقلقال والجرجار{[16271]} . وقيل : الكسر المصدر ، والفتح الاسم .
لما ختم تلك بجزاء الصالح والطالح في دار البقاء على ما أسلفوه في مواطن الفناء ، ذكر في هذه أول مبادىء تلك الدار وأوائل غاياتها ، وذكر في القارعة ثواني مبادئها وآخر غاياتها ، وأبلغ في التحذير بالإخبار بإظهار ما يكون عليه الجزاء ، فقال معبراً بأداة التحقق ؛ لأن الأمر حتم لا بد من كونه : { إذا } .
ولما كان المخوف الزلزلة ولو لم يعلم فاعلها ، وكان البناء للمفعول يدل على سهولة الفعل ويسره جداً ، بنى للمفعول قوله : { زلزلت الأرض } أي حركت واضطربت زلزلة البعث بعد النفخة الثانية بحيث يعمها ذلك لا كما كان يتفق قبل ذلك من زلزلة بعضها دون بعض وعلى وجه دون ذلك ، وعظم هذا الزلزال وهوّله بإبهامه لتذهب النفس فيه كل مذهب ، فقال كاسراً الزاء - لأنه مصدر ، ولو فتحها لكان اسماً للحركة ، قال البيضاوي : وليس إلا في المضاعف- : { زلزالها * } أي تحركها واضطرابها الذي يحق لها في مناسبته لعظمة جرم الأرض وعظمة ذلك اليوم ، ولو شرح بما يليق به لطال الشرح ، وذلك كما تقول : أكرم التقي إكرامه ، وأهن الفاسق الشقي إهانه ، أي على حسب ما يليق به .
وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : وردت عقب سورة البرية ليبين بها حصول جزاء الفريقين ومآل الصنفين المذكورين في قوله تعالى : { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } إلى قوله : { أولئك شر البرية } ، وقوله : { إن الذين آمنوا } إلى آخر السورة . ولما كان حاصل ذلك افتراقهم على صنفين ولم يقع تعريف بتباين أحوالهم ، أعقب ذلك بمآل الصنفين واستيفاء جزاء الفريقين المجمل ذكرهم ، فقال تعالى : { يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم } إلى آخر السورة . انتهى .
{ إذا زلزلت الأرض زلزالها 1 وأخرجت الأرض أثقالها 2 وقال الإنسان ما لها 3 يومئذ تحدّث أخبارها 4 بأن ربك أوحى لها 5 يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم 6 فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره 7 ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }
ذلك بيان من الله عن هول الساعة إذا قامت . فحينئذ تتبدل الأرض غير الأرض والسماوات ، وحشر الناس ليوم الجمع ، يوم التلاقي . فقال سبحانه : { إذا زلزلت الأرض زلزالها } أي تحركت الأرض ورجّت رجّا .