في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ} (10)

وفي ظل مشهد النشأة الأولى للإنسان ، وأطوار هذه النشأة العجيبة ، الخارقة لكل مألوف ، وإن كانت تتكرر في كل لحظة ، وتقع أمام الأنظار والأسماع . في ظل هذا المشهد يعرض اعتراضهم على النشأة الآخرة ، وشكهم في البعث والنشور . فيبدو هذا الشك وذلك الاعتراض غريبين كل الغرابة :

وقالوا : أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد ? بل هم بلقاء ربهم كافرون . .

إنهم يستبعدون أن يخلقهم الله خلقا جديدا ، بعد موتهم ودفنهم ، وتحول أجسامهم إلى رفات يغيب في الأرض ، ويختلط بذراتها ، ويضل فيها ، فماذا في هذا من غرابة أمام النشأة الأولى ? لقد بدأ الله خلق الإنسان من طين . من هذه الأرض التي يقولون إن رفاتهم سيضل فيها ويختلط بها . فالنشأة الآخرة شبيهة بالنشأة الأولى ، وليس فيها غريب ولا جديد ! ( بل هم بلقاء ربهم كافرون ) . . ومن ثم يقولون ما يقولون . فهذا الكفر بلقاء الله هو الذي يلقي على أنفسهم ظل الشك والاعتراض على الأمر الواضح الذي وقع مرة ، والذي يقع ما هو قريب منه في كل لحظة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ} (10)

قوله تعالى : " وقالوا أئذا ضللنا في الأرض " هذا قول منكري البعث ، أي هلكنا وبطلنا وصرنا ترابا . وأصله من قول العرب : ضل الماء في اللبن إذا ذهب . والعرب تقول للشيء غلب عليه حتى فيه أثره : قد ضل . قال الأخطل :

كنتَ القَذَى في موج أكدر مُزْبد *** قذف الأتيّ به فضلَّ ضلالا

وقال قطرب : معنى ضللنا : غبنا في الأرض . وأنشد قول النابغة الذبياني :

فآب مُضِلُّوهُ بعين جليَّة *** وغودر بالجَوْلاَنِ حَزْمٌ ونائلُ

وقرأ ابن محيصن ويحيى بن يعمر : " ضلِلنا " بكسر اللام ، وهي لغة . قال الجوهري : وقد ضللت أضل قال الله تعالى : " قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي " {[12651]} [ سبأ : 50 ] . فهذه لغة نجد وهي الفصيحة . وأهل العالية يقولون : " ضلِلت " - بكسر اللام - أضل . وهو ضال تال ، وهي الضلالة والتلالة . وأضله أي أضاعه وأهلكه . يقال : أضل الميّت إذا دفن . قال :

فآب مضلوه . . . . . . البيت

ابن السكيت . أضللت بعيري إذا ذهب منك . وضللت المسجد والدار : إذا لم تعرف موضعهما . وكذلك كل شيء مقيم لا يهتدى له . وفي الحديث ( لعلي أضل الله ) يريد أضل عنه ، أي أخفى عليه ، من قوله تعالى : " أإذا ضللنا في الأرض " أي خفينا . وأضله الله فضل ، تقول : إنك تهدي الضال ولا تهدي المتضال . وقرأ الأعمش والحسن : " صللنا " بالصاد ، أي أنتنا . وهي قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه . النحاس : ولا يعرف في اللغة صللنا ولكن يقال : صل اللحم وأصل ، وخم وأخم إذا أنتن . الجوهري : صل اللحم يصل - بالكسر – صلولا ، أي أنتن ، مطبوخا كان أو نيئا . قال الحطيئة :

ذاك فتىً يبذُلُ ذا قِدرِه *** لا يُفْسِدُ اللحم لديه الصُّلُولُ

قوله تعالى : " إنا{[12652]} لفي خلق جديد " وأصل مثله . " إنا لفي خلق جديد " أي نخلق بعد ذلك خلقا جديدا ؟ ويقرأ : " أئنا " . النحاس : وفي هذا سؤال صعب من العربية ، يقال : ما العامل في " إذا " ؟ و " إن " لا يعمل ما بعدها فيما قبلها . والسؤال في الاستفهام أشد ؛ لأن ما بعد الاستفهام أجدر ، ألا يعمل فيما قبله من " إن " كيف وقد اجتمعا . فالجواب على قراءة من قرأ : " إنا " أن العامل " ضللنا " ، وعلى قراءة من قرأ : " أإنا " أن العامل مضمر ، والتقدير أنبعث إذا متنا . وفيه أيضا سؤال آخر ، يقال : أين جواب " إذا " على القراءة الأولى لأن فيها معنى الشرط ؟ فالقول في ذلك أن بعدها فعلا ماضيا ؛ فلذلك جاز هذا . " بل هم بلقاء ربهم كافرون " أي ليس لهم جحود قدرة الله تعالى عن الإعادة ؛ لأنهم يعترفون بقدرته ولكنهم اعتقدوا أن لا حساب عليهم ، وأنهم لا يلقون الله تعالى .


[12651]:راجع ص 313 من هذا الجزء.
[12652]:قوله: " إنا" قراءة نافع، وعليها جرى المؤلف.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ} (10)

قوله تعالى : { وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ( 10 ) قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } .

يتساءل المشركون الضالون ، على سبيل التكذيب والاستبعاد قائلين : أئذا متنا ، وتمزقت أجسادنا ، وصرنا ترابا ، واختلطت أعضاؤنا وأجزاؤنا بتراب الأرض فغبنا فيها متفرقين { أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } يعني أنبعث خلقا جديدا بعد أن تبعثرت أجسادنا وصرنا ترابا ؟ ! وهذه مقالة المشركين المرتابين يرددونها في كل زمان ، سواء في الزمن الغابر ، إذ الجهالة والضلالة والسفه يغشى عقول الجاحدين ويضلهم ضلالا . أو في الأزمنة المتعاقبة الأخرى ؛ إذ اللهو والغرور والانغماس في الشهوات والملذات والانشداد اللهوي الذي أفسد الفطرة ، واستحوذ على القلوب والعقول جميعا . أولئك جميعا ينظرون إلى الساعة بمنظار الريبة والإهمال ليبوءوا أخيرا بالويل والخسران في الدارين ، دار الدنيا ودار الآخرة .

قوله : { بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } أضرب عن ذكر كفرهم بالبعث إلى ما هو أفظع وأشد وهو كفرهم بكل أحداث العاقبة وليس البعث وحده .