فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ} (10)

{ وَقَالُوا } كلام مستأنف مسوق لبيان أباطيلهم ، بطريق الالتفات عن الخطاب إلى الغيبة ، إيذانا بأن ما ذكر من عدم شكرهم لتلك النعم موجب للإعراض عنهم ، وتعديد جناياتهم :أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ } الضلال الغيبوبة يقال ضل الميت في التراب إذا غاب وبطل ، والعرب تقول للشيء إذا غلب عليه غيره ، حتى خفي أثره : قد ضل . قال قطرب : المعنى غبنا في الأرض ، قرئ ضللنا ضاد معجمة ، ولام مفتوحة ، بمعنى : ذهبنا ، وضعنا ، وصرنا ترابا ، وغبنا عن الأعين بالدفن فيها . وقرئ : ضللنا بكسر اللام ، وهي لغة العالية من نجد . قال الجوهري : وأهل العالية يقولون : ضللت بالكسر ، قال وأضله أي أضاعه ، وأهلكه ، يقال ضل الميت إذا دفن .

وقرئ صللنا بصاد مهملة ، ولام مفتوحة أي أنتنا ، وبها قرأ علي ، والحسن ، والأعمش ، وأبان بن سعيد . قال النحاس : ولا يعرف في اللغة صللنا ، ولكن يقال صل اللحم إذا أنتن . قال الجوهري : صل اللحم ، يصل بالكسر صلولا إذا أنتن ، مطبوخا ، كان أو نيئا ، والعامل في إذا محذوف تقديره : نبعث ، أو نخرج لدلالة قوله :

{ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } عليه أي نبعث ونصير أحياء ، والهمزة للاستنكار ، وهذا قول منكري البعث من الكفار ، فأضرب الله سبحانه من بيان كفرهم بإنكار البعث إلى بيان ما هو أبلغ منه ، وهو كفرهم بلقاء الله فقال : { بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } أي : جاحدون له مكابرة وعنادا ، فإن اعترافهم بأنه المبدئ للخلق ، يستلزم اعترافهم بأنه قادر على الإعادة ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم الحق ، ويرد عليهم ما زعموه من الباطل فقال :

{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ }