قوله تعالى : «أَئِذَا ضَلَلْنَا » تقدم خلاف القراء في الاستفهامين{[42785]} ، والواو للعطف على ما سبق فإنهم قالوا محمد ليس برسول ، والله ليس بواحد وقالوا : الحشر ليس بممكن ، فالعامل في «إذا » محل تقديره{[42786]} «نُبْعَثُ أو نَخْرُجُ » لِدَلاَلَةِ : «خَلْقِ جَدِيدٍ » عليه ولا يعمل فيه «خَلْقٍ جَدِيدٍ » ؛ لأن ما بعد «إنَّ » والاستفهام لا يعمل فيما قبلهما ، وجواب «إذاً » محذوف إذا جعلتها شرطية{[42787]} . وقرأ العامة «ضَلَلْنَا » بضاد معجمة ، ولام مفتوحة بمعنى ذَهَبْنَا{[42788]} ، وضِعْنَا من قولهم : ضَلَّ اللبنُ في الضرع وقيل : غُيِّبْنَا ، قال النابغة :
4063 - فآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنِ جَلِيَّة *** وَغُودِرُ بالجُولاَنِ حَزمٌ وَنَائِلُ{[42789]}
والمضارع من هذا : يَضِل بكسر العين وهو كثير ، وقرأ يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وابنُ مُحَيْصنٍ وأَبُو رَجَاءٍ : بكسر اللام{[42790]} وهي لغة العالية ، والمضارع من هذا يَضَلُّ بالفتح ، وقرأ علي وأبو حَيْ( وَة ){[42791]} «ضُلِّلْنَا » بضم الضاد وكسر اللام المشددة من «ضَلَّلَهُ » بالتشديد{[42792]} ، وقرأ عَلِيٌّ أيضاً وابن عباس والحسن والأعمش وأبان بن سعيد : «صَلَلْنَا » بصاد مهملة ، ولام مفتوحة ، وعن الحسن أيضاً صَلِلْنَا بكسر اللام .
وهما لغتان{[42793]} ، يقال : صَلَّ اللحمُ بفتح الصاد وكسرها لمجيء الماضي مَفْتُوحَ العين ومَكْسُورَها ، ومعنى صَلَّ اللَّحْمُ أنْتَنَ وتَغيَّرتَ رَائِحَتُهُ ويقال أيضاً : أَصَلَّ بالألف قال :
4064 - تُلَجْلِجُ مُضْغَةً فِيهَا أنِيضُ *** أَصَلَّتْ فَهيَ تَحْتَ الكَشْحِ دَاءُ{[42794]}
وقال النحاس : لا يعرف في{[42795]} اللغة «صَلَلْنَا » ولكن يقال : صَلَّ اللَّحْمُ وأَصَلَّ ، وخَمَّ وأَخَمَّ وقد عَرَفَها غَيْرُ أَبِي جَعْفَر{[42796]} .
قال في تكذيبهم بالرسالة : «أَمْ يَقُولُونَ » بلفظ المستقبل وقال في تكذيبهم بالحشر : «وَقَالُوا » بلفظ الماضي ؛ لأن تكذيبهم بالرسالة لم يكن قبل وجوده ، وإنما كان حال وجوده فقال : «يَقُولُونَ » يعني هم فيه . وأما إنكار الحشر فكان سابقاً صادراً منهم ومن آبائهم فقال : «وَقَالُوا » وصرح بقولهم في الرسالة فقال : «أَمْ يَقُولُونَ » وفي الحشر فقال : { وقالوا أَئِذَا ضَلَلْنَا } ولم يصرح بقولهم في الوحدانية ؛ لأنهم كانوا مصرين في جميع الأحوال على إنكار الحشر والرسالة وأما الوحدانية فكانوا يعترفون بها في بعض الأحوال في قوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } [ لقمان : 25 ] فلم يقل : قالوا إن الله ليس بواحد وإن كانوا قالوه في الظاهر .
فإن قيل : إنه ذكر الرسالة من قبل وذكر دليلها ( وهو التنزيل الذي لا ريب{[42797]} فيه وذكر الوحدانية وذكر دليلها وهو ) خَلْقُ السماوات والأرض وخَلْقُ الإنسان من طين ، ولما ذكر إنكارهم الحشرَ لم يذكر الدليل ؟ .
فالجواب : أنه ذكر دليله أيضاً وهو أن خلق الإنسان ابتداءً دليل على قدرته على الإعادة ولهذا استدل ( تعالى ){[42798]} على إمكان الحشر بالخلق الأول كما قال : { ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] وقوله : { قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ يس : 79 ] وأيضاً خلق السماوات والأرض كما قال : { أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى } [ يس : 81 ] .
قوله : { إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } استفهام إنكاري أي إننا كائنونَ في خلق جديد أو واقعون فيه { بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } إضراب عن الأول يعني ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانياً بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب . أو يكون المعنى لم ينكروا البعث لنفسه بل لكفرهم بلقاء الله فإنهم كَرِهُوهُ فأنكروا المُفْضي إلَيْهِ ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.