فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ} (10)

{ وَقَالُواْ أَئذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض } قد تقدم اختلاف القراء في هذه الهمزة وفي الهمزة التي بعدها . والضلال : الغيبوبة ، يقال : ضلّ الميت في التراب : إذا غاب وبطل ، والعرب تقول للشيء إذا غلب عليه غيره حتى خفي أثره : قد ضلّ ، ومنه قول الأخطل :

كنت القذى في موج أكدر مزبد *** قذف الأتيّ بها فضلّ ضلالا

قال قطرب : معنى ضللنا في الأرض : غبنا في الأرض . قرأ الجمهور { ضللنا } بفتح ضاد معجمة ولام مفتوحة بمعنى : ذهبنا وضعنا وصرنا تراباً وغبنا عن الأعين ، وقرأ يحيى بن يعمر وابن محيصن وأبو رجاء : { ضللنا } بكسر اللام ، وهي لغة العالية من نجد .

قال الجوهري : وأهل العالية يقولون : ضللت بالكسر . قال : وأضله ، أي أضاعه وأهلكه ، يقال : ضلّ الميت : إذا دفن . وقرأ عليّ بن أبي طالب والحسن والأعمش وأبان بن سعيد : " صللنا " بصاد مهملة ولام مفتوحة ، أي أنتنا . قال النحاس : ولا يعرف في اللغة : صللنا ، ولكن يقال : صلّ اللحم إذا أنتن . قال الجوهري : صلّ اللحم : يصلّ بالكسر صلولاً : إذا أنتن ، مطبوخاً كان أو نيئاً ، ومنه قول الحطيئة :

ذاك فتى يبذل ذا قدرة *** لا يفسد اللحم لديه الصلول

{ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } أي نبعث ، ونصير أحياء ، والاستفهام للاستنكار ، وهذا قول منكري البعث من الكفار ، فأضرب الله سبحانه من بيان كفرهم بإنكار البعث إلى بيان ما هو أبلغ منه ، وهو كفرهم بلقاء الله ، فقال : { بَلْ هُم بِلَقَاء رَبّهِمْ كافرون } أي جاحدون له مكابرة وعناداً ، فإن اعترافهم بأنه المبتدىء للخلق يستلزم اعترافهم بأنه قادر على الإعادة .

/خ11