السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالُوٓاْ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِي خَلۡقٖ جَدِيدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ كَٰفِرُونَ} (10)

وقوله تعالى : { وقالوا } معطوف على ما سبق منهم فإنهم قالوا : محمد ليس برسول ، والإله ليس بواحد ، والبعث ليس بممكن فدل على صحة الرسالة بنفي الريب عن الكتاب ، ثم على الوحدانية بشمول القدرة وإحاطة العلم بإبداع الخلق على وجه هو نعمة لهم ، وختم بالتعجب من كفرهم وكان استبعادهم للبعث الذي هو الثابت الأصل من أعظم كفرهم وهو قولهم { أئذا } أي : انبعث إذا { ضللنا } أي : غبنا { في الأرض } أي : صرنا تراباً مخلوطاً بتراب الأرض لا نتميز منه ، وأصله من ضل الماء في اللبن إذا أذهب فيه ، وقولهم { أئنا لفي خلق جديد } أي : يجدد خلقنا استفهام إنكاري زيادة في الاستبعاد .

فإن قيل : إنه تعالى ذكر الرسالة من قبل وذكر دليلها وهو التنزيل الذي لا ريب فيه ، وذكر الوحدانية ، وذكر دليلها وهو خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان من طين . ولما ذكر إنكارهم الحشر لم يذكر الدليل ؟ أجيب : بأنه ذكر دليله أيضاً وهو أن خلقة الإنسان ابتداء دليل على قدرته على الإعادة ، ولهذا استدل تعالى على إنكار الحشر بالخلق الأول ثم يعيده وهو أهون عليه وقوله تعالى : { الذي أنشأها أول مرة } ( يس : 79 ) وأيضاً { خلق السماوات والأرض } كما قال : { أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى } ( يس : 80 ) وقرأ نافع والكسائي { أئذا ضللنا في الأرض } أنا الأول : بالاستفهام والثاني : بالخبر ، وقرأ ابن عامر الأول بالخبر الثاني بالاستفهام ، والباقون بالاستفهام فيهما ، ومذهب قالون وأبي عمرو في الاستفهام تسهيل الثانية وإدخال الألف بينها وبين همزة الاستفهام ، وورش وابن كثير بتسهيل الثانية من غير إدخال وهشام يسهل الثانية ويحققها مع الإدخال ، والباقون بتحقيقهما من غير إدخال . وقوله تعالى { بل هم بلقاء ربهم كافرون } أي : جاحدون إضراب عن الأول أي : ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانياً ، بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة ، حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب ، أو يكون المعنى لم ينكروا البعث لنفسه بل لكفرهم بلقاء الله ، فإنهم كرهوه فأنكروا المفضي إليه .