في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

وبعد هذا المطلع الموقظ المنبه للحواس والمشاعر والعقول والضمائر ، يلتفت إلى واقع الإنسان الحاضر ، فإذا هو غافل لاه سادر . . هنا يلمس قلبه لمسة فيها عتاب رضي ، وفيها وعيد خفي ، وفيها تذكير بنعمة الله الأولى عليه : نعمة خلقه في هذه الصورة السوية على حين يملك ربه أن يركبه في أي صورة تتجه إليها مشيئته . ولكنه اختار له هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة . . وهو لا يشكر ولا يقدر :

( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك ) . .

إن هذا الخطاب : ( يا أيها الإنسان )ينادي في الإنسان أكرم ما في كيانه ، وهو " إنسانيته " التي بها تميز عن سائر الأحياء ؛ وارتفع إلى أكرم مكان ؛ وتجلى فيها إكرام الله له ، وكرمه الفائض عليه .

ثم يعقبه ذلك العتاب الجميل الجليل : ( ما غرك بربك الكريم ? )يا أيها الإنسان الذي تكرم عليك ربك ، راعيك ومربيك ، بإنسانيتك الكريمة الواعية الرفيعة . . يا أيها الإنسان ما الذي غرك بربك ، فجعلك تقصر في حقه ، وتتهاون في أمره ، ويسوء أدبك في جانبه ? وهو ربك الكريم ، الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره ؛ ومن هذا الإغداق إنسانيتك التي تميزك عن سائر خلقه ، والتي تميز بها وتعقل وتدرك ما ينبغي وما لا ينبغي في جانبه ?

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

{ 6 - 12 } { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }

يقول تعالى معاتبا للإنسان المقصر في حق ربه ، المتجرئ على مساخطه{[1372]} : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } أتهاونا منك في حقوقه ؟ أم احتقارا منك لعذابه ؟ أم عدم إيمان منك بجزائه ؟


[1372]:- في ب: المقصر في حقه المتجرئ على معاصيه.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

{ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } ما خدعك وسول لك الباطل حتى أضعت ما وجب عليك . والمعنى : ماذا أمنك من عقابه ؟ قال عطاء : نزلت في الوليد بن المغيرة . وقال الكلبي ومقاتل : نزلت في أبي الشريق ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقبه الله عز وجل ، فأنزل الله هذه الآية يقول : ما الذي غرك بربك الكريم المتجاوز عنك إذ لم يعاقبك عاجلاً بكفرك ؟ قال قتادة : غره عدوه المسلط عليه يعني الشيطان قال مقاتل : غره عفو الله حين لم يعاقبه في أول مرة . وقال السدي : غره رفق الله به . وقال ابن مسعود : ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة . فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي ؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ . وقيل للفضيل بن عياض : لو أقامك الله يوم القيامة فقال : يا فضيل ما غرك بربك الكريم ؟ ماذا كنت تقول ؟ قال : أقول غرني ستورك المرخاة . وقال يحيى بن معاذ : لو أقامني بين يديه فقال : يا يحيى ما غرك بي ؟ فأقول : غرني بك برك بي سالفاً وآنفاً . وقال أبو بكر الوراق : لو قال لي : ما غرك بربك الكريم ؟ لقلت : غرني بك كرم الكريم . قال بعض أهل الإشارة : فإنما قال : بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة حتى يقول : غرني كرم الكريم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

{ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم } أي ما خدعك وسول لك الباطل حتى أضعت ما أوجب عليك

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِيمِ} (6)

ولما كان ذلك خالعاً للقلوب ، وكان الإنسان إذا اعتقد البعث قد يقول{[72024]} تهاوناً ببعض المعاصي : المرجع إلى كريم ولا يفعل بي إلا خيراً ، أنتج قوله منادياً بأداة البعد لأن أكثر الخلق مع ذلك معرض ، منكراً سبحانه وتعالى على من يقول هذا اغتراراً بخدع الشيطان إنكاراً يهد الأركان : { يا أيها الإنسان } أي البشر الآنس{[72025]} بنفسه الناسي لما يعنيه { ما غرك } أي أدخلك في الغرة ، وهي أن ترى فعلك{[72026]} القبيح حسناً أو ترى أنه يعفى عنك لا محالة ، وذلك بمعنى قراءة سعيد بن جبير والأعمش : أغرك - بهمزة الإنكار ، وتزيد المشهورة معنى التعجب { بربك } أي المحسن إليك الذي أنساك{[72027]} إحسانه ما خلقت له من خلاص نفسك بعمل ما شرعه لك .

ولما كان التعبير بالرب مع دلالته على الإحسان{[72028]} يدل على الانتقام عند الإمعان في الإجرام لأن ذلك شأن المربي ، فكان ذلك مانعاً من الاغترار لمن تأمل ، أتبعه ما هو كذلك أيضاً ظاهره لطف وباطنه جبروت وقهر ، فقال للمبالغة في المنع عن الاغترار ، { الكريم * } أي الذي له الكمال كله المقتضي لئلا يهمل الظالم {[72029]}بل يمهله{[72030]} ، ولا يسوي بين المحسن والمسيء والموالي والمعادي والمطيع والعاصي ، المقتضي لأن يبالغ في التقرب إليه بالطاعة شكراً له ، وأن لا يعرض أحد عنه لأن بيده كل شيء ولا شيء بيد غيره ، فيجب أن يخشى شدة بطشه لأنه كذلك يكون المتصف بالكرم لا يكون إلا عزيزاً ، فإنه يكون شديد الحلم عظيم السطوة عند انتهاك حرمته بعد ذلك الحلم فإنه يجد أعواناً كثيرة على مراده ، ولا يجد المعاقب عذراً في تقصيره بخلاف اللئيم فإنه لا يجد أعواناً فلا يشتد أخذه ، فصار-{[72031]} الإنكار بواسطة هذين الوصفين أشد وأغلظ من هذه الجهة ، ومن جهة أنه كان ينبغي أن يستحيي من المحسن الذي لا تكدير في إحسانه بوجه ، فلا يعصى له أمر ولا يفرط له-{[72032]} في حق ، ومع ذلك ففي ذكر هذين الوصفين تلقين الحجة ، قال أبو بكر الوراق : لو سألني لقلت : غرني كرم الكريم {[72033]}وحلمه{[72034]} ، وقال علي رضي الله عنه : من كرم الرجل سوء أدب غلمانه ، وقال الإمام الغزالي في شرحه للأسماء : هو الذي إذا قدر عفا ، وإذا وعد وفى ، وإذا أعطى زاد على منتهى{[72035]} الرجا ، ولا يبالي {[72036]}لمن أعطى ولا كم أعطى{[72037]} ، وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى ، وإذا جفى عاتب وما استقصى ، ولا يضيع من لاذ به وإليه التجأ ، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء .


[72024]:من ظ، وفي الأصل و م: يقال.
[72025]:من م، وفي الأصل و ظ: الأنسى.
[72026]:من ظ و م، وفي الأصل: تغلك-كذا.
[72027]:زيد في الأصل: كثرة، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72028]:من ظ و م، وفي الأصل: الإنسان.
[72029]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72030]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72031]:زيد من ظ و م.
[72032]:زيد من م.
[72033]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72034]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[72035]:من ظ و م، وفي الأصل: مشتهى.
[72036]:في ظ: كم أعطى ولا لمن أعطى.
[72037]:في ظ: كم أعطى ولا لمن أعطى.