وأخيراً يجيء ختام السورة ، يكشف عن حلم الله ورحمته إلى جانب قوته وقدرته ؛ ويؤكد أن إمهال الناس عن حلم وعن رحمة ، لا يؤثر في دقة الحساب وعدل الجزاء في النهاية :
( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة . ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى . فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً ) . .
إن ما يرتكبه الناس من كفر لنعمة الله ، ومن شر في الأرض وفساد ، ومن ظلم في الأرض وطغيان . إن هذا كله لفظيع شنيع ولو يؤاخذ الله الناس به ، لتجاوزهم - لضخامته وشناعته وبشاعته - إلى كل حي على ظهر هذه الأرض . ولأصبحت الأرض كلها غير صالحة للحياة إطلاقاً . لا لحياة البشر فحسب ، ولكن لكل حياة أخرى !
والتعبير على هذا النحو يبرز شناعة ما يكسب الناس وبشاعته وأثره المفسد المدمر للحياة كلها لو آخذهم الله به مؤاخذة سريعة .
غير أن الله حليم لا يعجل على الناس :
( ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ) . .
يؤخرهم أفراداً إلى أجلهم الفردي حتى تنقضي أعمارهم في الدنيا . ويؤخرهم جماعات إلى أجلهم في الخلافة المقدرة لهم حتى يسلموها إلى جيل آخر . ويؤخرهم جنساً إلى أجلهم المحدد لعمر هذا العالم ومجيء الساعة الكبرى . ويفسح لهم في الفرصة لعلهم يحسنون صنعاً .
وانتهى وقت العمل والكسب ، وحان وقت الحساب والجزاء ، فإن الله لن يظلمهم شيئاً :
( فإن الله كان بعباده بصيراً ) . .
وبصره بعباده كفيل بتوفيتهم حسابهم وفق عملهم وكسبهم ، لا تفوت منهم ولا عليهم كبيرة ولا صغيرة .
هذا هو الإيقاع الأخير في السورة التي بدأت بحمد الله فاطر السماوات والأرض . ( جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة )يحملون رسالة السماء إلى الأرض . وما فيها من تبشير وإنذار فإما إلى جنة وإما إلى نار . .
وبين البدء والختام تلك الجولات العظام في تلك العوالم التي طوفت بها السورة . وهذه نهاية المطاف . ونهاية الحياة . ونهاية الإنسان . .
ثم ذكر تعالى كمال حلمه ، وشدة إمهاله وإنظاره أرباب الجرائم والذنوب ، فقال : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا } من الذنوب { مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ } أي : لاستوعبت العقوبة ، حتى الحيوانات غير المكلفة .
{ وَلَكِنْ } يمهلهم تعالى ولا يهملهم و { يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } فيجازيهم بحسب ما علمه منهم ، من خير وشر .
ولما كانوا يستعجلون بالتوعد استهزاء فيقولون : ما له لا يهلكنا ، علم أن التقدير : لو عاملكم الله معاملة المؤاخذ لعجل إهلاككم ، فعطف عليه قوله إظهاراً للحكم مع العلم : { ولن يؤاخذ الله } أي بما له من صفات العلو { الناس } أي من فيه نوس أي حركة واضطراب من المكلفين عامة .
ولما كان السياق هنا لأفعال الجوارح لأن المكر والكبر إنما تكره آثارهما لا الاتصاف بهما ، بخلاف الذي هو سياق النحل فإنه ممنوع من الاتصاف وإن لم يظهر به أثر من آثار الجوارح ، عبر هنا بالكسب وفك المصدر ليخص ما وجد منه بالفعل فقال : { بما كسبوا } أي من جميع أعمالهم سواء كان حراماً أو لا { ما ترك على ظهرها } أي الأرض { من دآبة } أي بل كان يهلك الكل ، أما المكلفون فلأنه ليس في أعمالهم شيء يقدره سبحانه حق قدره ، لما لهم من النقص ولما له سبحانه من العلو والارتقاء والكمال ، وأما غيرهم فإنما خلقوا لهم ، والمعاصي تزيل النعم وتحل النقم ، وذلك كما فعل في زمان نوح عليه السلام ، لم ينج ممن كان على الأرض غير من كان في السفينة { ولكن } لم يعاملهم معاملة المؤاخذ المناقش ، بل يحلم عنهم فهو { يؤخرهم } أي في الحياة الدنيا ثم في البرزخ { إلى أجل مسمى } أي سماه في الأزل لانقضاء أعمارهم ثم لبعثهم من قبورهم ، وهو لا يبدل القول لديه لما له من الصفات التي هي أغرب الغريب عندكم لكونكم لا تدركونها حق الإدراك { فإذا جاء أجلهم } أي الفنائي الإعدامي قبض كل واحد منهم عند أجله ، أو الإيجادي الإبقائي بعث كلاًّ منهم فجازاه بعمله من غير وهم ولا عجز .
ولما كانوا ينكرون ما يفمهه ذلك من البعث ، أكد فقال : { فإن الله } أي الذي له صفات الكمال الموجد بتمام القدرة وكمال الاختيار { كان } ولم يزل . ولما كان السياق للكسب الذي هو أعم من الظلم قال : { بعباده } الذين أوجدهم ولا شريك له في إيجاد أحد منهم بجميع ذواتهم واحوالهم { بصيراً * } أي بالغ البصر والعلم بمن يستحق العذاب منهم بالكسب ومن يستحق الثواب ، فقد انطبق آخرها كما ترى على أولها باستجماع صفات الكمال وتمام القدرة على كل من الإيجاد والإعدام للحيوان والجماد مهما أراد بالاختيار ، لما شوهد له سبحانه من الآثار ، كما وقع الإرشاد إليه بالأمر بالسير وبغيره وبما ختمت به السورة من صفة العلم على وجه أبلغ من ذكره بلفظه ، لما مضى في سورة طه من أن إحاطة العلم تستلزم شمول القدرة ، ولا تكون القدرة شاملة إلا إذا كانت عن اختيار ، فثبت حينئذ استحقاقه تعالى لجميع المحامد ، فكانت عنه سبحانه الرسالات الهائلة الجامعة للعزة والحكمة بالملائكة المجردين عن الشهوات وكل حظ إلى من ناسبهم من البشر بما غلب من جيش عقله على عساكر شهواته ونفسه ، حتى صار عقلاً مجرداً صافياً ، حاكماً على الشهوات والحظوظ قاهراً كافياً .
فقد انطبق آخرها كما ترى على أولها باستجماع صفات الكمال وتمام القدرة على كل من الإيجاد والإعدام للحيوان والجماد مهما أراد بالاختيار ، لما شوهد له سبحانه من الآثار ، كما وقع الإرشاد إليه بالأمر بالسير وبغيره وبما ختمت به السورة من صفة العلم على وجه أبلغ من ذكره بلفظه ، لما مضى في سورة طه من أن إحاطة العلم تستلزم شمول القدرة ، ولا تكون القدرة شاملة إلا إذا كانت عن اختيار ، فثبت حينئذ استحقاقه تعالى لجميع المحامد ، فكانت عنه سبحانه الرسالات الهائلة الجامعة للعزة والحكمة بالملائكة المجردين عن الشهوات وكل حظ إلى من ناسبهم من البشر بما غلب من جيش عقله على عساكر شهواته ونفسه ، حتى صار عقلاً مجرداً صافياً ، حاكماً على الشهوات والحظوظ قاهراً كافياً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.