في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

33

وكان بعضهم يحاول تنمية ماله بإهداء هدايا إلى الموسرين من الناس ، كي ترد عليه الهدية مضاعفة ! فبين لهم أن هذا ليس الطريق للنماء الحقيقي : وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله . . هذا ما تذكره الروايات عن المقصود بالآية وإن كان نصها بإطلاقه يشمل جميع الوسائل التي يريد بها أصحابها أن ينموا أموالهم بطريقة ربوية في أي شكل من الأشكال . . وبين لهم في الوقت ذاته وسيلة النماء الحقيقية :

( وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) . .

هذه هي الوسيلة المضمونة لمضاعفة المال : إعطاؤه بلا مقابل وبلا انتظار رد ولا عوض من الناس . إنما هي إرادة وجه الله . أليس هو الذي يبسط الرزق ويقدر ? أليس هو الذي يعطي الناس ويمنع ? فهو الذي يضاعف إذن للمنفقين ابتغاء وجهه ؛ وهو الذي ينقص مال المرابين الذين يبتغون وجوه الناس . . ذلك حساب الدينا ، وهناك حساب الآخرة وفيه أضعاف مضاعفة . فهي التجارة الرابحة هنا وهناك !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه [ من النفقات ] ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ } أي : ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي : يزيد في أموالكم بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها ، فهذا العمل لا يربو أجره عند اللّه لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص . ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند اللّه .

{ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } أي : مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة ويطهر أموالكم من البخل بها ويزيد في دفع حاجة الْمُعْطَى . { تُرِيدُونَ } بذلك { وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } أي : المضاعف لهم الأجر الذين تربو نفقاتهم عند اللّه ويربيها اللّه لهم حتى تكون شيئا كثيرا .

ودل قوله : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق أو مع دَيْنٍ عليه لم يقضه ويقدم عليه الصدقة أن ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد ويرد تصرفه شرعا كما قال تعالى في الذي يمدح : { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } فليس مجرد إيتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو : أن يكون على وجه يتزكى به المؤتي .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

{ وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس } معناها كقوله : { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } [ البقرة :276 ] أي : ما أعطيتم من أموالكم على وجه الربا فلا يزكو عند الله ، وما آتيتم من الصدقات : فهو الذي يزكو عند الله وينفعكم به ، وقيل : المراد أن يهب الرجل للرجل أو يهدي له ليعوض له أكثر من ذلك فهذا وإن كان جائزا فإنه لا ثواب فيه وقرئ { وما آتيتم } بالمد بمعنى أعطيتم وبالقصر يعني جئتم أي : فعلتموه ، وقرئ لتربوا بالتاء المضمومة وليربوا بالياء مفتوحة ونصب الواو .

{ فأولئك هم المضعفون } المضعف ذو الإضعاف من الحسنات ، وفي هذه الجملة التفات لخروجه من الغيبة إلى الخطاب ، وكان الأصل أن يقال : وما آتيتم من زكاة فأنتم المضعفون ، وفيه أيضا حذف ، لأنه لابد من ضمير يرجع إلى ما ، وتقديره المضعفون به أو فمؤتوه هم المضعفون .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

{ وما آتيتم } أي جئتم أي فعلتم -{[53174]} في قراءة ابن كثير بالقصر{[53175]} ليعم المعطي والآخذ والمتسبب ، أو{[53176]} أعطيتم - في قراءة غيره بالمد { من ربا } أي مال على وجه الربا المحرم أو{[53177]} المكروه ، وهو أن يعطي عطية ليأخذ في ثوابها أكثر منها ، وكان هذا مما حرم على النبي صلى الله عليه وسلم تشريفاً له ، وكره لعامة الناس . وعلى قراءة ابن كثير بالقصر المعنى : وما جئتم به من إعطاء بقصد الربا { ليربوا } أي يزيد ويكثر ذلك الذي أعطيتموه أو فعلتموه ، أو لتزيدوا أنتم ذلك - على قراءة المدنيين{[53178]} ويعقوب بالفوقانية المضمومة ، من : أربى { في أموال الناس } أي تحصل فيه زيادة تكون أموال الناس ظرفاً لها ، فهو كناية عن{[53179]} أن الزيادة التي يأخذها المربي من أموالهم لا يملكها أصلاً { فلا يربوا } أي يزكوا وينمو { عند الله } أي الملك الأعلى الذي له الغنى المطلق وكل صفات الكمال ، وكل ما لا يربو عند الله فهو غير مبارك بل ممحوق لا وجود له ، {[53180]}فإنه إلى فناء وإن كثر{[53181]}{ يمحق الله الربا ويربي الصدقات }[ البقرة : 276 ] .

ولما ذكر ما زيادته نقص ، أتبعه ما نقصه زيادة فقال : { وما آتيتم } أي أعطيتم للإجماع على مده{[53182]} لئلا يوهم الترغيب في أخذ الزكاة { من زكاة } أي صدقة ، وعبر عنها بذلك ليفيد الطهارة والزيادة ، أي تطهرون بها أموالكم من الشبه ، وأبدانكم من مواد{[53183]} الخبث ، وأخلاقكم من الغل والدنس . ولما كان الإخلاص عزيزاً ، أشار إلى عظمته بتكريره فقال : { تريدون } {[53184]}أي بها{[53185]} { وجه الله } خالصاً مستحضرين لجلاله وعظمته وكماله ، وعبر عن الذات بالوجه لأنه الذي يجل صاحبه ويستحي منه عند رؤيته وهو أشرف ما في الذات .

ولما كان الأصل : فأنتم ، عدل به إلى صيغة تدل على تعظيمه بالالتفات إلى خطاب من بحضرته{[53186]} من أهل قربه وملائكته ، لأن العامل يجب أن يكون له بعمله لسان صدق{[53187]} في الخلائق فكيف إذا كان من الخالق ، وبالإشارة إليه بأداة البعد إعلاماً بعلو رتبته ، وأن المخاطب بالإيتاء كثير ، والعامل قليل وجليل ، فقال : { فأولئك } ولعل إفراد المخاطب هنا للترغيب في الإيتاء بأنه{[53188]} لا يفهم ما لأهله حق فهمه سوى المنزل عليه هذا{[53189]} الوحي صلى الله عليه وسلم { هم } أي خاصة { المضعفون* } أي الذين ضاعفوا أموالهم في الدنيا بسبب ذلك الحفظ والبركة ، وفي الآخرة بكثرة الثواب عند الله من عشرة أمثال{[53190]} إلى ما لا حصر له كما يقال : مقو وموسر ومسمن ومعطش - لمن له قوة ويسار وسمن في إبله وعطش ونحو ذلك .


[53174]:زيد من ظ وم ومد.
[53175]:راجع نثر المرجان 5/298.
[53176]:في ظ وم ومد "و".
[53177]:في ظ ومد "و".
[53178]:راجع نثر المرجان 5/299.
[53179]:زيد من ظ وم ومد.
[53180]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53181]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[53182]:راجع نثر المرجان 5/300.
[53183]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: موارد.
[53184]:ورد في مد بعد "وجه الله".
[53185]:ورد في مد بعد "وجه الله".
[53186]:من م ومد، وفي الأصل وظ: يحضر.
[53187]:زيد من ظ وم ومد.
[53188]:من م ومد، وفي الأصل وظ: لأنه.
[53189]:في ظ ومد: هنا.
[53190]:من ظ وم، وفي الأصل ومد: أمثاله.