{ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ( 39 ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 40 ) }
{ وما آتيناهم } بالمد بمعنى : أعطيتم ، وقرئ بالقصر بمعنى : ما فعلتم ، وهما سبعيتان ، وقيل بالقصر بمعنى : ما جئتم به من إعطاء ربا ، وهو يؤول من حيث المعنى إلى القراءة المشهورة ، لأنه يقال : آتي معروفا ، وأتى قبيحا إذا فعلهما .
{ من ربا } وأجمعوا على الأولى في قوله : وما آتيتم من زكاة ، أصل الربا الزيادة والمعنى : ما أعطيتهم من زيادة خالية عن العوض بأن تعطوا شيئا هبة أو هدية .
{ ليربوا في أموال الناس } أي ليزيد ويزكو في أموالهم { فلا يربو عند الله } قرئ بالتحتية ، على أن الفعل مسند إلى ضمير الربا ، وقرئ بالفوقية مضمومة خطابا للجماعة ، بمعنى لتكونوا ذوي زيادات ، وقرئ لتربوها ، ومعنى الآية : أنه لا يزكو عند الله ولا يثيب عليه ، لأنه لا يقبل إلا ما أريد به وجهه خالصا قال السدي : الربا في هذا الموضع : الهدية يهديها الرجل لأخيه يطلب المكافأة ، فإن ذلك لا يربو عند الله ، أي لا يؤجر عليه صاحبه ، ولا إثم عليه وهكذا قال قتادة والضحاك قال الواحدي : وهذا قول جماعة المفسرين قال الزجاج : يعني دفع الرجل الشيء ليعوض أكثر منه ، وذلك ليس بحرام ولكنه لا ثواب فيه لأن الذي يهبه يستدعي به ما هو أكثر منه .
وقال الشعبي : معنى الآية أن ما خدم به الإنسان أحدا لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجري به الخدمة ، لا يربو عند الله وقيل : هذا كان حراما على النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص ، لقوله سبحانه { ولا تمنن تستكثر } ومعناها : أن تعطي فتأخذ أكثر منه عوضا عنه وحرم عليه تشريفا له ، وقيل : إن هذه الآية نزلت في هبة الثواب ، وبه قال ابن عباس وابن جبير ، وطاوس ، ومجاهد ، وقال ابن عطية وما يجري مجراه مما يصنعه الإنسان ليجازي عليه كالسلام وغيره ، وهو وإن كان لا إثم فيه ، فلا أجر ولا زيادة عند الله .
قال عكرمة : الربا ربوان ، فربا حلال ، وربا حرام ، فأما الربا الحلال فهو الذي يهدي يلتمس ما هو أفضل منه ، يعني كما في هذه الآية . وقيل : إن هذا الذي في هذه الآية هو الربا المحرم ، فمعنى لا يربو عند الله على هذا القول : لا يحكم به ، بل هو للمأخوذ منه ، قال المهلب : اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب بها الثواب ، فقال مالك : ينظر فيه ، فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله مثل ذلك ، مثل هبة الفقير للغني ، وهبة الخادم للمخدوم ، وهبة الرجل لأميره ، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله . وقال أبو حنيفة رحمه الله : لا يكون له ثواب إذا لم يشترط ، وهو قول الشافعي رحمه الله الآخر .
وعن عليّ قال : المواهب ثلاثة : موهبة يراد بها وجه الله ، وموهبة يراد بها ثناء الناس ، وموهبة يراد بها الثواب ؛ فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذ لم يثب عليها ، بخلاف القسمين الآخرين ، فلا يرجع فيهما صاحبهما . قال ابن عباس : في الآية الربا ربوان ، ربا لا بأس به ، وربا لا يصلح ، فأما الربا الذي لا بأس به ، فهدية الرجل إلى الرجل يريد فضلها وإضعافها ، وعنه قال : هذا هو الربا الحلال أن يهدي يريد أكثر منه وليس له أجر ولا وزر ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة فقال : ولا تمنن تستكثر .
{ وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله } أي : وما أعطيتم من صدقة تطوع لا تطلبون بها المكافأة ، وإنما تقصدون بها ما عند الله { فأولئك هم المضعفون } أي ذوو الأضعاف من الحسنات ، الذين يعطون بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف . قال الفراء : هو نحو قولهم : مسمن ، ومعطش ، ومضعف إذا كانت له إبل سمان وعطاش وضعيفة ، وقرئ بفتح العين اسم مفعول وفيه التفات حسن عن الخطاب ، لأنه يفيد التعظيم ، كأنه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفا لحالهم ، فهو أمدح لهم من أن يقول : فأنتم المضعفون أو للتعميم لغير المخاطبين ، كأنه قال : من فعل هذا فسبيله سبيل المخاطبين ، وكان مقتضى ظاهر المقابلة أن يقال : فيربو عند الله فغير عبارة الربا إلى الإضعاف ونظم الفعلية إلى الاسمية الدال على الدوام ، المشتملة على ضمير الفصل ، المفيد للحصر ، والمعنى : المضعفون به لأنه لا بد له من ضمير يرجع إلى ما الموصولة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.