فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

{ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ( 39 ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 40 ) }

{ وما آتيناهم } بالمد بمعنى : أعطيتم ، وقرئ بالقصر بمعنى : ما فعلتم ، وهما سبعيتان ، وقيل بالقصر بمعنى : ما جئتم به من إعطاء ربا ، وهو يؤول من حيث المعنى إلى القراءة المشهورة ، لأنه يقال : آتي معروفا ، وأتى قبيحا إذا فعلهما .

{ من ربا } وأجمعوا على الأولى في قوله : وما آتيتم من زكاة ، أصل الربا الزيادة والمعنى : ما أعطيتهم من زيادة خالية عن العوض بأن تعطوا شيئا هبة أو هدية .

{ ليربوا في أموال الناس } أي ليزيد ويزكو في أموالهم { فلا يربو عند الله } قرئ بالتحتية ، على أن الفعل مسند إلى ضمير الربا ، وقرئ بالفوقية مضمومة خطابا للجماعة ، بمعنى لتكونوا ذوي زيادات ، وقرئ لتربوها ، ومعنى الآية : أنه لا يزكو عند الله ولا يثيب عليه ، لأنه لا يقبل إلا ما أريد به وجهه خالصا قال السدي : الربا في هذا الموضع : الهدية يهديها الرجل لأخيه يطلب المكافأة ، فإن ذلك لا يربو عند الله ، أي لا يؤجر عليه صاحبه ، ولا إثم عليه وهكذا قال قتادة والضحاك قال الواحدي : وهذا قول جماعة المفسرين قال الزجاج : يعني دفع الرجل الشيء ليعوض أكثر منه ، وذلك ليس بحرام ولكنه لا ثواب فيه لأن الذي يهبه يستدعي به ما هو أكثر منه .

وقال الشعبي : معنى الآية أن ما خدم به الإنسان أحدا لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجري به الخدمة ، لا يربو عند الله وقيل : هذا كان حراما على النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص ، لقوله سبحانه { ولا تمنن تستكثر } ومعناها : أن تعطي فتأخذ أكثر منه عوضا عنه وحرم عليه تشريفا له ، وقيل : إن هذه الآية نزلت في هبة الثواب ، وبه قال ابن عباس وابن جبير ، وطاوس ، ومجاهد ، وقال ابن عطية وما يجري مجراه مما يصنعه الإنسان ليجازي عليه كالسلام وغيره ، وهو وإن كان لا إثم فيه ، فلا أجر ولا زيادة عند الله .

قال عكرمة : الربا ربوان ، فربا حلال ، وربا حرام ، فأما الربا الحلال فهو الذي يهدي يلتمس ما هو أفضل منه ، يعني كما في هذه الآية . وقيل : إن هذا الذي في هذه الآية هو الربا المحرم ، فمعنى لا يربو عند الله على هذا القول : لا يحكم به ، بل هو للمأخوذ منه ، قال المهلب : اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب بها الثواب ، فقال مالك : ينظر فيه ، فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله مثل ذلك ، مثل هبة الفقير للغني ، وهبة الخادم للمخدوم ، وهبة الرجل لأميره ، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله . وقال أبو حنيفة رحمه الله : لا يكون له ثواب إذا لم يشترط ، وهو قول الشافعي رحمه الله الآخر .

وعن عليّ قال : المواهب ثلاثة : موهبة يراد بها وجه الله ، وموهبة يراد بها ثناء الناس ، وموهبة يراد بها الثواب ؛ فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذ لم يثب عليها ، بخلاف القسمين الآخرين ، فلا يرجع فيهما صاحبهما . قال ابن عباس : في الآية الربا ربوان ، ربا لا بأس به ، وربا لا يصلح ، فأما الربا الذي لا بأس به ، فهدية الرجل إلى الرجل يريد فضلها وإضعافها ، وعنه قال : هذا هو الربا الحلال أن يهدي يريد أكثر منه وليس له أجر ولا وزر ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة فقال : ولا تمنن تستكثر .

{ وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله } أي : وما أعطيتم من صدقة تطوع لا تطلبون بها المكافأة ، وإنما تقصدون بها ما عند الله { فأولئك هم المضعفون } أي ذوو الأضعاف من الحسنات ، الذين يعطون بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف . قال الفراء : هو نحو قولهم : مسمن ، ومعطش ، ومضعف إذا كانت له إبل سمان وعطاش وضعيفة ، وقرئ بفتح العين اسم مفعول وفيه التفات حسن عن الخطاب ، لأنه يفيد التعظيم ، كأنه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفا لحالهم ، فهو أمدح لهم من أن يقول : فأنتم المضعفون أو للتعميم لغير المخاطبين ، كأنه قال : من فعل هذا فسبيله سبيل المخاطبين ، وكان مقتضى ظاهر المقابلة أن يقال : فيربو عند الله فغير عبارة الربا إلى الإضعاف ونظم الفعلية إلى الاسمية الدال على الدوام ، المشتملة على ضمير الفصل ، المفيد للحصر ، والمعنى : المضعفون به لأنه لا بد له من ضمير يرجع إلى ما الموصولة .