الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

قوله تعالى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً } . قرأ ابن كثير ( آتَيْتُمْ ) مقصور غير ممدود { لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ } . قرأ الحسن وعكرمة وأهل المدينة بضمّ التاء وجزم الواو وعلى الخطاب أي لتربوا أنتم ، وهي قراءة ابن عبّاس واختيار يعقوب وأيّوب وأبي حاتم .

وقرأ الآخرون ( لِّيَرْبُوَ ) بياء مفتوحة ونصب الواو وجعلوا الفعل للربا . واختاره أبو عبيد لقوله : { فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ } ولم يقل فلا يربى . واختلف المفسِّرون في معنى الآية . فقال سعيد ابن جبير ومجاهد وطاووس وقتاده والضحاك : هو الرجل يعطي الرجل العطية ويهدي الهدية ليثاب أكثر منها ، فهذا رباً حلال ليس فيه أجر ولا وزر ، وهذا للناس عامّة ، فأمّا النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة فكان هذا عليه حراماً لقوله عزّ وجلّ { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [ المدثر : 6 ] . وقال الشعبي : هو الرجل يلزق بالرجل فيحف له ويخدمه ويسافر معه فيجعل له ربح ماله ليجزيه وإنّما أعطاه التماس عونه ولم يرد به وجه الله . وقال النخعي : هذا في الرجل يقول للرجل : لأمولنّك فيعطيه مراعاةً ، وكان الرجل في الجاهلية يعطي ذا القرابة له المال ليكثر ماله ، وهي رواية أبي حسين عن ابن عبّاس . وقال السدي : نزلت في ثقيف كانوا يعطون الربا .

{ فَلاَ يَرْبُو } يزكو { عِندَ اللَّهِ } لأنّه لم يرد به وجه الله . { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } قال قتادة : هذا الذي يقبله الله يضاعفه له عشر أمثالها وأكثر من ذلك . ومعنى قوله : ( المضعفون ) . أهل التضعيف . كقول العرب : أصبحتم مسمنين ، إذا سمنت إبلهم ، ومعطشين إذا عطشت . ورجل مقو إذا كانت إبله قويّة ، ومضعف إذا كانت ضعيفة ، ومنه الخبيث المخبِّث أي أصحابه خبّثاً .

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }