السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ} (39)

وأما من أنفق على وجه الرياء فقد خسر ماله وأبقى عليه وباله كما قال تعالى : { وما آتيتم من ربا } أي : مال على وجه الربا المحرّم بزيادة في المعاملة أو المكروه بعطية يتوقع بها مزيد مكافأة ، وكان هذا مما حرم على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى { ولا تمنن تستكثر } ( المدثر : 6 ) أي : لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيته تشريفاً له ، وكره لعامّة الناس فسمي باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة فالربا ربوان : فالحرام : كل قرض يؤخذ فيه أكثر منه أو يجرّ منفعة ، والذي ليس بحرام أن يستدعي بهديته أو بهبته أكثر منها ، وقرأ ابن كثير بقصر الهمزة بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا ، والباقون بمدّها { ليربو } أي : يزيد ويكثر ذلك { في أموال الناس } أي : يحصل فيه زيادة تكون أموال الناس ظرفاً لها فهو كناية عن أنّ الزيادة التي يأخذها المرابي من أموالهم لا يملكها أصلاً ، وقرأ نافع بتاء الخطاب بعد اللام مضمومة وسكون الواو ، والباقون بالياء التحتية مفتوحة وفتح الواو { فلا يربو } أي : يزكوا وينموا فلا ثواب فيه { عند الله } أي : الملك الأعلى الذي له الغنى المطلق وصفات الكمال ، وكل ما لا يربو عند الله فهو ممحوق لا وجود له فمآله إلى فناء وإن كثر { يمحق الله الربا ويربي الصدقات } ( البقرة : 276 ) ولما ذكر ما زيادته نقص أتبعه ما نقصه زيادة بقوله { وما آتيتم } أي : أعطيتم { من زكاة } أي : صدقة ، وعبر عنها بذلك ليفيد الطهارة والزيادة أي : تطهرون بها أموالكم من الشبه ، وأبدانكم من موادّ الخبث ، وأخلاقكم من الغلّ والدنس .

ولما كان الإخلاص عزيزاً أشار إلى عظمته بتكريره بقوله عز وجل { تريدون } أي : بها { وجه الله } أي : عظمة الملك الأعلى ، فيعرفون من حقه ما يتلاشى عندهم كل ما سواه فيخلصون له { فأولئك هم المضعفون } أي : ذوو الإضعاف الذين ضاعفوا أموالهم في الدنيا بسبب ذلك بالحفظ والبركة ، وفي الآخرة بكثرة الثواب عند الله من عشر أمثال إلى ما لا حصر له . ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوّة واليسار