وكان هذا رحمة بهم من الله . ولكنهم لم يعرفوا قدر هذه الرحمة ، ولم يشكروا الله هذه المنة . فاستعجلوا جزاءهم ، وطلبوا أن يوفيهم الله حظهم ونصيبهم ، قبل اليوم الذي أنظرهم إليه :
( وقالوا : ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) . .
وعند هذا الحد يتركهم السياق ويلتفت إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يسليه عن حماقة القوم وسوء أدبهم مع الله ، واستعجالهم بالجزاء ، وتكذيبهم بالوعيد ، وكفرهم برحمة الله . . ويدعوه أن يذكر ما وقع للرسل قبله من ابتلاء . وما نالهم من رحمة الله بعد البلاء . .
16- { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب } .
القِط : النصيب من العذاب أو النعيم ، ويطلق على الحظ ، والكتاب بالجوائز .
استعرض القرآن أفكارهم عن الألوهية والنبوة والجزاء .
فقال عنهم : { أجعل الآلهة إلها واحدا . . . } [ ص : 5 ] .
وقال عنهم : { أأنزل عليه الذكر من بيننا… } [ ص : 8 ] .
وهنا يستعرض سخريتهم بالبعث والجزاء والحساب ، وطلبهم تعجيل نصيبهم من العذاب في الدنيا قبل الموت .
والمعنى : عجّل لنا نصيبنا وقسطنا من الجزاء الأخروي هنا في الدنيا قبل الحساب ، وهو لون من ألوان التعنّت ، حكاه القرآن عنهم في سورة سابقة ، مثل : { وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } . [ الأنفال : 32 ] .
ونسب سبحانه وتعالى إليهم جميعا ، مع أن القائل هو النضر بن الحارث الذي تعجل نزول العذاب ، وفيه نزل قوله سبحانه : { سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع } . [ المعارج : 1 ، 2 ] .
وقيل : الذي تعجل نزول العذاب هو أبو جهل ، لكن الجميع قد رضوا بقول هذا القائل ، ولم يعترضوا عليه فنسب إليهم جميعا ، وقيل : المراد بقوله تعالى : { عجل لنا قطنا . . . } أي : صحائف أعمالنا لننظر فيها قبل يوم الحساب .
وقيل : المراد : نصيبنا في الجنة التي وعد بها محمد أتباعه ، وكل هذه الآراء تشير إلى سخريتهم وتطاولهم وغرورهم ، أو التحدّي لما يحدث في الآخرة .
قال تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } . [ الحج : 47 ] .
وقال تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } [ الأنفال : 33 ] .
ولما عجب منهم بما مضى ، وأبطل شبههم وعرفهم أنهم قد عرضوا أنفسهم للهلاك تعريضاً قريباً ، أتبع ذلك تعجيباً أشد من الأول فقال : { وقالوا } أي استهزاء غير هائبين ما هددناهم به ولا ناظرين في عاقبته : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا { عجل لنا } أي إحساناً إلينا { قطنا } أي نصيباً من العذاب الذي توعدنا به وكتابنا الذي كتبت فيه ذلك وأحصيت فيه أعمالنا ، وأصله من قط الشيء - إذا قطعه ، ومنه قط القلم ، وأكثر استعماله في الكتاب .
ولما كان المراد بهذا المبالغة في الاستهزاء بطلب العذاب في جميع الأزمان التي بينهم وبين القيامة ، أسقطوا حرف الجر وقالوا : { قبل يوم الحساب * } فجعلوا جميع الزمان الذي بينهم وبينه ظرفاً لذلك ، وجعلوا تعجيله من الإحسان إليهم دلالة على الإعراق في الاستهزاء ، وعبر بالقط زيادة في التنبيه على ركوب الهوى من غير دليل فإن مادته دائرة في الأغلب على ما يكره ، واشتقاقه من القط وهو القطع ، فالقط النصيب والصك وكتاب المحاسبة لأنه قطعة من الورق ، والحساب قطعة من الأمور ، وهو يقطع فيه بما هو له ، والساعة - لأنها قطعة من الزمان ، وتقطقط الرجل : ركب رأسه أي تبع هواه الذي هو قطعة من أمره ، وجاءت الخيل قطاقط أي قطعاً وجماعات في تفرقة ، والقط : القطع ، والقطط : القصير الجعد ، والطقطقة : حكاية صوت الحجارة ، فكأنهم قالوا : عجل من ذلك ما يكون مقطوعاً به لا شك فيه ويسمع صوته على غاية الشدة فيهلك ويفرق بين الأحباب ويكتب في كل صك ، ويتلى خبره في سائر الأحقاب ، فإن ذلك هو أنا لا نرجع عنه لشيء أصلاً ، فسبحان الحليم الذي أكرمنا ورحمنا بنبي الرحمة ، فلم يعجل لنا النقمة ، وأقبل بقلوبنا إليه ، وقصر هممنا بعد أن كانت في أشد بعد عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.