وعجبوا كذلك من دعوته إياهم إلى عبادة الله الواحد . وهي أصدق كلمة وأحقها بالاستماع :
( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? إن هذا لشيء عجاب . وانطلق الملأ منهم : أن امشوا واصبروا على آلهتكم ، إن هذا لشيء يراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ) . .
ويصور التعبير القرآني مدى دهشتهم من هذه الحقيقة الفطرية القريبة . . ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً ? )كأنه الأمر الذي لا يتصوره متصور ! ( إن هذا لشيء عجاب ) . . حتى البناء اللفظي( عجاب )يوحي بشدة العجب وضخامته وتضخيمه !
عجاب : بالغ الغاية في العجب ، مثل : طويل وطوال .
5- { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } .
كانوا يعبُدون آلهة شتى ، مثل اللات والعزّى ، ومناة الثالثة الأخرى ، وكان القرآن يناقشهم في عبادة أصنام لا تسمع ولا تجيب ، ولا تنفع ولا تضرّ ، ويستثير عقولهم للتفكير والتأمل ، فذهبوا إلى أبي طالب ، واشتكوا له من حملة محمد على الأصنام ، وتسفيه العقول التي تعبدها ، فأرسل إليه أبو طالب وقال له : أي ابن أخي ، ما بال قومك يشكونك ، يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول . . . ؟ وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا عم ، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها ، تدين لهم بها العرب والعجم " ففرحوا لذلك وقالوا : ما هي ؟ وأبيك لنعطينّها وعشرا ، قال : " لا إله إلا الله " ، فقاموا فزعين ينقضون ثيابهم وهم يقولون : { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } .
ومدار تعجبهم عجزا الإله الواحد عن إدارة هذا الكون الكبير الواسع ، وعدم وفاء علمه وقدرته بالأشياء الكثيرة الموجودة فيه .
ألفنا عبادة آلهة شتى ، لكل قبيلة إله ، ومحمد يريد منّا أن نعبد جميعا إلها واحدا ، إن هذا أمر عجيب عجبا شديدا ، بل هو غاية في الغرابة ، وقد بين القرآن لهم أن الغرابة هي عبارة آلهة شتى ، وأن العقل يحتّم أن يكون إله الكون واحدا ، قادرا متّصفا بكل كمال ، منزها عن كل نقص .
ولما ذكر قولهم الناشىء عن عجبهم ، ذكر سببه ليعلم أن حالهم هو الذي يعجب منه لا حال من أنذرهم بقوله حاكياً قولهم إنكاراً لمضمون ما دخل عليه : { أجعل } أي صير بسبب ما يزعم أنه يوحى إليه { الآلهة } أي التي نعبدها { إلهاً واحداً } ولما كان الكلام في الإلهية التي هي أعظم أصول الدين ، وكان هو صلى الله عليه وسلم وكل من تبعه بل وكل منصف ينكرون أن يكون هذا عجباً ، بل العجب كل العجب ممن يقبل عقله أن يكون الإله أكثر من واحد ، أكدوا قولهم لذلك وإعلاماً لضعفائهم تثبيتاً لهم بأنهم على غاية الثقة والاعتقاد لما يقولون ، لم يزلزلهم ما رأوا من منذرهم من الأحوال الغريبة الدالة ولا بد على صدقه ، فسموها سحراً لعجزهم عنها : { إن هذا } أي القول بالوحدانية { لشيء عجاب * } أي في غاية العجب - بما دلت عليه الضمة والصيغة ، ولذلك قرئ شاذاً بتشديد الجيم ، وهي أبلغ قال الاستاذ أبو القاسم القشيري : فلا هم عرفوا الإله ولا معنى الإلهية ، فإن الإلهية هي القدرة على الاختراع ، وتقدير القادرين على الاختراع غير صحيح لما يجب من وجود التمانع بينهما وجوازه ، وذلك يمنع من كمالهما ، ولو لم يكونا كاملي الوصف لم يكونا إلهين ، وكل أمر جر ثبوته سقوطه فهو باطل مطرح - انتهى . وستأتي الإشارة إلى الرد عليهم بقوله : { العزيز الوهاب } ثم بقوله : { وما من إله إلا الله الواحد القهار } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.