في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشرح مكية وآياتها ثمان

نزلت هذه السورة بعد سورة الضحى . وكأنها تكملة لها . فيها ظل العطف الندي . وفيها روح المناجاة الحبيب . وفيها استحضار مظاهر العناية . واستعراض مواقع الرعاية . وفيها البشرى باليسر والفرج . وفيها التوجيه إلى سر اليسر وحبل الاتصال الوثيق . .

( ألم نشرح لك صدرك ? ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ? ورفعنا لك ذكرك ? )

وهي توحي بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها ، ومن العقبات الوعرة في طريقها ؛ ومن الكيد والمكر المضروب حولها . . توحي بأن صدره [ صلى الله عليه وسلم ] كان مثقلا بهموم هذه الدعوة الثقيلة ، وأنه كان يحس العبء فادحا على كاهله . وأنه كان في حاجة إلى عون ومدد وزاد ورصيد . .

ثم كانت هذه المناجاة الحلوة ، وهذا الحديث الودود !

( ألم نشرح لك صدرك ? ) . . ألم نشرح صدرك لهذه الدعوة ? ونيسر لك أمرها ? . ونجعلها حبيبة لقلبك ، ونشرع لك طريقها ? وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة !

فتش في صدرك - ألا تجد فيه الروح والانشراح والإشراق والنور ? واستعد في حسك مذاق هذا العطاء ، وقل : ألا تجد معه المتاع مع كل مشقة والراحة مع كل تعب ، واليسر مع كل عسر ، والرضى مع كل حرمان ?

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الشرح

أهداف سورة الشرح

( سورة الشرح مكية ، وآياتها 8 آيات ، نزلت بعد سورة الضحى ) .

مجمل ما تضمنته السورة

1- هيأ الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم لتلقي الرسالة الكريمة ، وأفاض عليه من نعمه الجزيلة ، فشرح صدره بما أودع فيه من العلوم والحكم ، حتى حمل أعباء النبوة ، وجعل أمر التبليغ عليه سهلا هينا .

2- قرن الله اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله العظيم في الشهادة والأذان والإقامة والتشهد .

3- بيّن الله أن ما يصيب النبي صلى الله عليه وسلم من شدة ، سيعقبها اليسر والفرج .

4- طلب الله تعالى من نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم إذا ما انتهى من تعليم الناس وإرشادهم ، أن يشغل نفسه بعبادة الله .

5- أمره ألا يسأل أحدا غيره ، لأنه سبحانه وتعالى هو السيد القادر وحده على إجابة دعوة العبد السائلi .

مع السورة

نزلت سورة الشرح بعد سورة الضحى ، وكأنها تكملة لها ، فيها مظاهر الرعاية والعناية الإلهية ، وفيها البشرى باليسر والفرج : ألم نفسح صدرك لهذه الدعوة ونيسر لك أمرها ؟

ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك . أي : ووضعنا عنك عبأك الذي أثقل ظهرك حتى كاد يحطمه من ثقله ، وضعناه عنك بشرح صدرك له فخفّ وهان ، وبتيسيرك وتوفيقك للدعوة ومداخل القلوب .

ورفعنا لك ذكرك . رفعناه في الملأ الأعلى ، ورفعناه في الأرض ، ورفعناه في هذا الوجود جميعا ، ورفعناه فجعلنا اسمك مقرونا باسم الله ، كلما تحركت به الشفاه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .

قال مجاهد في معناه : أي لا أذكر إلا ذكرت معي .

فإن مع العسر يسرا . ومع الشدة فرجا ، ومع قلة ذات اليد السهولة والغنى ، فخذ في أسباب اليسر والتيسير ، فإذا فرغت من مهمة تبليغ الرسالة فانصب واتعب في القيام بواجبات العبادة لنا . وإلى ربك فارغب . واجعل رغبتك إليه ، ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه . وعلى الله فليتوكّل المؤمنون . ( التغابن : 13 ) .

( وتنتهي سورة الشرح كما انتهت سورة الضحى ، وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين :

الشعور بعظمة الود الحبيب الجليل الذي ينسم على روح الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه الودود الرحيم ، والشعور بالعطف على شخصه صلى الله عليه وسلم ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم ، في هذه الآونة التي اقتضت ذلك الود الجميل .

إنها الدعوة ، هذه الأمانة الثقيلة ، وهذا العبء الذي ينقض الظهر ، وهي مع هذا وهذا مشرق النور الإلهي ومهبطه ، ووصلة الفناء بالبقاء ، والعدم بالوجود )ii .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألم نشرح لك صدرك 1 ووضعنا عنك وزرك 2 الذي أنقض ظهرك 3 ورفعنا لك ذكرك 4 فإنّ مع العسر يسرا 5 إنّ مع العسر يسرا 6 فإذا فرغت فانصب 7 وإلى ربك فارغب 8 }

المفردات :

ألم نشرح : ألم نفسح بالحكمة والنبوة ، والاستفهام للتقرير ، كأنه قيل : قد شرحنا لك صدرك .

التفسير :

1- ألم نشرح لك صدرك .

الاستفهام هنا للتقرير ، فقد عدّد الله تعالى عليه بعض النعم في سورة الضحى ، ثم أتم تعديد النعم في سورة الشرح .

والمعنى :

قد شرحنا صدرك ، أي وسّعناه ونورناه بالإيمان والرضا والسرور ، وإذهاب الضيق والآلام .

قال تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه . . . ( الزمر : 22 ) .

وقد كان صلى الله عليه وسلم في ألم وحزن من تكذيب قومه لرسالته ، وإعراضهم عن دعوته .

قال تعالى : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون* فسبّح بحمد ربك وكن من الساجدين . ( الحجر : 97 ، 98 ) .

كانوا يقولون : ساحر وكاذب ومجنون ، وكانت يد الله تمسح على صدره ، فتهون عليه ما يلقاه في سبيل الدعوة ، وتدعوه أن يذكر اسم الله في الشدة ، وأن يلجأ إليه داعيا متبتلا .

قال تعالى : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا . ( الكهف : 6 ) .

وقال تعالى : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون . ( الأنعام : 33 ) .

وقيل : المراد بالشرح هنا : توسيع الصدر حسيا حين كان يرضع من حليمة السعدية ، فأخذه ملكان فأضجعاه وشقا صدره ، وأخرجا منه حظ الشيطان وملآه بالإيمان .

وقد ورد ذلك في صحيح مسلم ، وفي كتب السنة أن ذلك الشرح الحسّي تكرر وعمر النبي صلى الله عليه وسلم عشرون سنة وأشهر ، كما وقع ذلك ليلة الإسراء والمعراج ، والجمهور على أن شرح الصدر هو تنويره بالحكمة ، وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه .

وليس هناك ما يمنع من أن يراد من شرح الصدر الشرح الحسّي ، ويكون وسيلة لتطهير قلبه وتخليصه من أي أثر للشيطان ، ويكون هذا الشرح الحسي وسيلة للشرح المعنوي ، وهو تحمّل أعباء الرسالة ، والصبر على الأداء ، واحتمال تكذيب القوم ، مع الصبر وانتظار الفرج ، وقد أشار إلى شيء من ذلك الإمام ابن كثير حيث قال :

ألم نشرح لك صدرك . يعني : شرحنا لك صدرك ، أي نوّرناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا .

وقيل : المراد بقوله : لم نشرح لك صدرك . شرح صدره ليلة الإسراء ، وهذا وإن كان واقعا ، لكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره صلى الله عليه وسلم ، الذي فعل بصدره ليلة الإسراء ، ما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا . اه .

والخلاصة :

إن الله جمع له بين الشرح الحسّي من جهة ، ثم أودع في صدره من الهدى والإيمان والفضائل والحكمة ما لم يعطه لأحد سواه .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشرح

كما عدد الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بعض نعمه العظيمة عليه في السورة السابقة ، ذكر له في هذه السورة نعما أخرى جليلة ، حاثا له بذلك على شكره على ما أنعم ؛ ليستوجب بذلك المزيد منه ، فقال : { ألم نشرح لك صدرك }

{ ألم نشرح لك صدرك } ألم نوسع صدرك بما أودعنا فيه من الهدى والمعرفة والإيمان والفضائل والعلوم والحكم . ونفسحه بتيسير تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك ! ؟ والشرح في الأصل : التوسعة . يقال : شرح الشيء ، وسعه . وإذا تعلق بالقلب أو الصدر يراد منه بسطه بنور إلهي وسكينة من الله وروح منه . والاستفهام للتقرير ؛ أي قد شرحنا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

سورة { ألم نشرح } وهي مكية.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

سورة الانشراح مكية بالإجماع.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

نزلت هذه السورة بعد سورة الضحى . وكأنها تكملة لها . فيها ظل العطف الندي . وفيها روح المناجاة الحبيب . وفيها استحضار مظاهر العناية . واستعراض مواقع الرعاية . وفيها البشرى باليسر والفرج . وفيها التوجيه إلى سر اليسر وحبل الاتصال الوثيق . .

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سميت في معظم التفاسير وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي سورة ألم نشرح ، وسميت في بعض التفاسير سورة الشرح، ومثله في بعض المصاحف المشرقية تسمية بمصدر الفعل الواقع فيها من قوله تعالى { ألم نشرح لك صدرك } وفي بعض التفاسير تسميتها سورة الانشراح ...

أغراضها:

احتوت على ذكر عناية الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بلطف الله له وإزالة الغم والحرج عنه ، وتفسير ما عسر عليه ، وتشريف قدره لينفس عنه ، فمضمونها شبيه بأنه حجة على مضمون سورة الضحى تثبيتا له بتذكيره سالف عنايته به وإنارة سبيل الحق وترفيع الدرجة ليعلم أن الذي ابتدأه بنعمته ما كان ليقطع عنه فضله ، وكان ذلك بطريقة التقرير بماض يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم .

واتبع ذلك بوعده بأنه كلما عرض له عسر فسيجد من أمره يسرى كدأب الله تعالى في معاملته فليتحمل متاعب الرسالة ويرغب إلى الله عونه .

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

وفي السورة تطمين لنفس النبي صلى الله عليه وسلم وتذكيره بعناية الله به . وبينها وبين سابقتها تماثل حتى لكأنها امتداد لها ...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

تتضمن خطابا من الحق سبحانه لنبيه ، فيه مناجاة له من ربه ، تنسجم كل الانسجام ، وتتناسب كل التناسب ، مع الخطاب الإلهي الذي وجهه إليه في سورة " الضحى " قبلها ، حتى لكأنهما سورة واحدة في موضوع واحد . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

محتوى السّورة المعروف أنّ هذه السّورة نزلت بعد سورة «الضحى » ومحتواها يؤيد ذلك ، لأنّها تسرد أيضاً قسماً من الهبات الإلهية للرسول الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) . في سورة «الضحى » عرض لثلاث هبات إلهية بعضها مادية وبعضها معنوية ، وفي هذه السّورة ذكر لثلاث هبات أيضاً غير أنّ جميعها معنوية ، وتدور السّورة بشكل عام حول ثلاثة محاور : الأوّل : بيان النعم الثلاث ، والثّاني : تبشير النّبي بزوال العقبات أمام دعوته ، والثّالث : الترغيب في عبادة اللّه الواحد الأحد ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مذكّره آلاءه عنده ، وإحسانه إليه ، حاضا له بذلك على شكره على ما أنعم عليه ، ليستوجب بذلك المزيد منه : "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ" يا محمد ، للهدى والإيمان بالله ومعرفة الحقّ "صَدْرَكَ" فنلين لك قلبك ، ونجعله وعاء للحكمة...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

اختلف في قوله : { ألم نشرح لك صدرك } قال بعضهم : شرح صدره للإسلام كقوله : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } ( الزمر : 22 ) أخبر أن من شرح صدره للإسلام ، { فهو على نور من ربه } والشرح : قيل : هو التليين والتوسيع والفتح ، أي ألم نوسع لك صدرك ، ونفتح ، ونلين للإسلام . ...

وقال بعضهم : شرح صدره لأنه لما كلف بتبليغ الرسالة إلى الجن والإنس وإلى الفراعنة والجبابرة الذين همتهم إهلاك من يخالفهم والانقلاع عن عبادة من يعبد الله ، ضاق صدره لذلك ، وثقل على قلبه ، فوسع الله صدره ، وشرحه حتى هان ذلك عليه وخف ....

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وهذا تقرير من الله تعالى لرسول صلى الله عليه وسلم عند انشراح صدره لما حمله من نبوّته . وفي " نشرح " وجهان :

أحدهما : أي أزال همك منه حتى تخلو لما أُمِرت به .

الثاني : أي نفتح لك صدرك ليتسع لما حملته عنه فلا يضيق ...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

( ألم نشرح لك صدرك ) فالشرح: فتح الشيء بإذهاب ما يصد عن إدراكه ، فالله تعالى قد فتح صدر نبيه بإذهاب الشواغل التي تصد عن إدراك الحق وتعظيمه بما يجب له . ومنه قول القائل : أشرح صدري لهذا الأمر . وشرح فلان كتاب كذا ...وقال البلخي : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ضاق صدره بمغاضبة الجن والإنس له فآتاه الله من آياته ووعده ما اتسع قلبه لكل ما حمله الله وأمره به .

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

استفهم عن انتفاء الشرح على وجه الإنكار ، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه ، فكأنه قيل : شرحنا لك صدرك ؛ ولذلك عطف عليه : وضعنا : اعتباراً للمعنى . ومعنى : شرحنا صدرك : فسحناه حتى وسع هموم النبوّة ودعوة الثقلين جميعاً . أو حتى احتمل المكاره التي يتعرض لك بها كفار قومك وغيرهم ، أو فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم ، وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

عدد الله على نبيه صلى الله عليه وسلم نعمه عليه في أن شرح صدره للنبوة وهيأه لها ، وذهب الجمهور إلى شرح الصدر المذكور هو تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحي إليه ، وقال ابن عباس وجماعة : هذه إشارة إلى شرحه بشق جبريل عنه في وقت صغره ، وفي وقت الإسراء إذ التشريح شق اللحم ، ...

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

شَرْحُهُ حَقِيقَةٌ حِسِّيَّةٌ ، وَذَلِكَ حِينَ كَانَ عِنْدَ ظِئْرِهِ ، وَحِينَ أُسْرِيَ بِهِ ، وَشَرَحَهُ مَعْنًى حِينَ جَمَعَ لَهُ التَّوْحِيدَ فِي صَدْرِهِ وَالْقُرْآنَ ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ، وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَظِيمًا ، وَشَرَحَهُ حِينَ خَلَقَ لَهُ الْقَبُولَ لِكُلِّ مَا أَلْقَى إلَيْهِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ تَمَامُ الشَّرْحِ وَزَوَالُ التَّرَحِ . ...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

لما كانَ الصدرُ محلاًّ لأحوالِ النفسِ ومخزناً لسرائرِها من العلومِ والإدراكاتِ والملكاتِ والإراداتِ وغيرِها عبرَ بشرحِه عن توسيعِ دائرةِ تصرفاتِها بتأييدِها بالقوةِ القدسيةِ وتحليتِها بالكمالاتِ الأُنسيةِ أيْ ألمْ نفسحْهُ حَتَّى حَوَى عَالَمِيْ الغيبِ والشَّهادةِ ... والتعبير عن ثبوتِ الشَّرحِ بالاستفهامِ الإنكاريِّ عنِ انتفائِه للإيذانِ بأنَّ ثبوتَهُ منَ الظهورِ بحيثُ لا يقدرُ أحدٌ على أنْ يجيبَ عنْهُ بغيرِ بَلَى ، وزيادةُ الجارِّ والمجرورِ معَ توسيطِه بينَ الفعلِ ومفعولِه للإيذانِ من أولِ الأمرِ بأنَّ الشَّرحَ من منافِعِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ ومصالحِه مسارعةً إلى إدخالِ المسرةِ في قلبِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ وتشويقاً لهُ إلى ما يعقبُهُ ليتمكَّنَ عندَهُ وقتَ ورودِهِ فضل تمكِّنٍ . ...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

الشرح في الأصل الفسح والتوسعة وشاع استعماله في الإيضاح ومنه شرح الكتاب إذا أوضحه لما أن فسح الشيء وبسطه مستلزم لإظهار باطنه وما خفي منه وكذا شاع في سرور النفس حتى لو قيل أنه حقيقة عرفية فيه لم يبعد ...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

وقصارى ذلك : إنا أذهبنا عن نفسك جميع الهموم حتى لا تقلق ولا تضجر ، وجعلناك راضي النفس ، مطمئن الخاطر ، واثقا من تأييد الله ونصره ، عالما كل العلم أن الذي أرسلك لا يخذلك ، ولا يعين عليك عدوا .

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

( ألم نشرح لك صدرك ? ووضعنا عنك وزرك . الذي أنقض ظهرك ? ورفعنا لك ذكرك ? )

وهي توحي بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها ، ومن العقبات الوعرة في طريقها ؛ ومن الكيد والمكر المضروب حولها . . توحي بأن صدره [ صلى الله عليه وسلم ] كان مثقلا بهموم هذه الدعوة الثقيلة ، وأنه كان يحس العبء فادحا على كاهله . وأنه كان في حاجة إلى عون ومدد وزاد ورصيد . .

ثم كانت هذه المناجاة الحلوة ، وهذا الحديث الودود !

( ألم نشرح لك صدرك ? ) . . ألم نشرح صدرك لهذه الدعوة ? ونيسر لك أمرها ? . ونجعلها حبيبة لقلبك ، ونشرع لك طريقها ? وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة !

فتش في صدرك - ألا تجد فيه الروح والانشراح والإشراق والنور ? واستعد في حسك مذاق هذا العطاء ، وقل : ألا تجد معه المتاع مع كل مشقة والراحة مع كل تعب ، واليسر مع كل عسر ، والرضى مع كل حرمان ?

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استفهام تقريري على النفي . والمقصود التقرير على إثبات المنفي كما تقدم غير مرة . وهذا التقرير مقصود به التذكير لأجل أن يراعي هذه المنة عندما يخالجه ضيق صدر مما يلقاه من أذى قوم يريد صلاحَهم وإنقاذَهم من النار ورفعَ شأنهم بين الأمم ، ليدوم على دعوته العظيمة نَشيطاً غير ذي أسف ولا كَمَدٍ .

والشرح حقيقته : فصل أجزاء اللحم بعضِها عن بعض ، ومنه الشريحة للقطعة من اللحم ، والتشريح في الطب ، ويطلق على انفعال النفس بالرضى بالحال المتلبس بها . وظاهر كلام « الأساس » أن هذا إطلاق حقيقي . ولعله راعى كثرة الاستعمال ، أي هو من المجاز الذي يساوي الحقيقة لأن الظاهر أن الشرح الحقيقي خاص بشرح اللحم ، وأن إطلاق الشرح على رضى النفس بالحال أصله استعارة ناشئة عن إطلاق لفظ الضيق وما تصرف منه على الإحساس بالحزن والكمد قال تعالى : { وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز } [ هود : 12 ] الآية . فجعل إزالة ما في النفس من حزن مثل شرح اللحم وهذا الأنسب بقوله : { فإن مع العسر يسراً } [ الشرح : 5 ] .

وتقدم قوله : { قال رب اشرح لي صدري } في سورة طه ( 25 ) .

فالصدر مراد به الإِحساس الباطني الجامع لمعنى العقل والإدراك . وشرح صدره كناية عن الإِنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات وإعلامه برضى الله عنه وبشارته بما سيحصل للدّين الذّي جاء به من النصر .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي ثماني آيات

{ ألم نشرح لك صدرك } ألم نفتح ونوسع ونلين لك قلبك بالإيمان والنبوة والعلم والحكمة هذا استفهام معناه التقرير .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجميع . وهي ثماني آيات .

قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك }

شرح الصدر : فتحه ، أي ألم نفتح صدرك للإسلام . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : ألم نلين لك قلبك . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : قالوا يا رسول اللّه ، أينشرح الصدر ؟ قال : [ نعم وينفسح ] . قالوا : يا رسول اللّه ، وهل لذلك علامة ؟ قال : [ نعم التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاعتداد للموت ، قبل نزول الموت ] . وقد مضى هذا المعنى في " الزمر " {[16163]} عند قوله تعالى : " أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نور من ربه " . وروي عن الحسن قال : " ألم نشرح لك صدرك " قال : مُلئ حكما وعلما . وفي الصحيح{[16164]} عن أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة - رجل من قومه - أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول : أحد الثلاثة{[16165]} فأُتيت بطست من ذهب ، فيها ماء زمزم ، فشرح صدري إلى كذا وكذا ) قال قتادة : قلت : ما يعني ؟ قال : إلى أسفل بطني ، قال : [ فاستخرج قلبي ، فغسل قلبي بماء زمزم ، ثم أعيد مكانه ، ثم حشي إيمانا وحكمة ] . وفي الحديث قصة . وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ( جاءني ملكان في صورة طائر ، معهما ماء وثلج ، فشرح أحدهما صدري ، وفتح الآخر بمنقاره فيه فغسله ) . وفي حديث آخر قال : [ جاءني ملك فشق عن قلبي ، فاستخرج منه عذرة{[16166]} ، وقال : قلبك وكيع ، وعيناك بصيرتان ، وأذناك سميعتان ، أنت محمد رسول اللّه ، لسانك صادق ، ونفسك مطمئنة ، وخلقك قثم ، وأنت قيم ] . قال أهل اللغة : قوله [ وكيع ] أي يحفظ ما يوضع فيه . يقال : سقاء وكيع ، أي قوي يحفظ ما يوضع فيه . واستوكعت معدته ، أي قويت وقوله : [ قثم ] أي جامع . يقال : رجل قثوم للخير ، أي جامع له . ومعنى " ألم نشرح " قد شرحنا . الدليل على ذلك قوله في النسق عليه : " ووضعنا عنك وزرك " ، فهذا عطف على التأويل ، لا على التنزيل ؛ لأنه لو كان على التنزيل لقال : ونضع عنك وزرك . فدل هذا على أن معنى " ألم نشرح " : قد شرحنا . و " لم " جحد ، وفي الاستفهام طرف من الجحد ، وإذا وقع جحد ، رجع إلى التحقيق ، كقوله تعالى : " أليس الله بأحكم الحاكمين{[16167]} " [ التين : 8 ] . ومعناه : اللّه أحكم الحاكمين . وكذا " أليس الله بكاف عبده " {[16168]} [ الزمر : 36 ] . ومثله قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان :

ألستم خيرَ من رَكِبَ المطايا *** وأنْدَى العالمين بطونَ راحِ

المعنى : أنتم كذا .


[16163]:راجع جـ 95 ص 247.
[16164]:وهذه رواية الترمذي في كتاب التفسير.
[16165]:في صحيح مسلم: "أحد الثلاثة بين الرجلين" روى أنه صلى الله عليه وسلم كان نائما معه حينئذ عمه حمزة بن عبد المطلب وابن عمه جعفر ابن أبي طالب. راجع شرح هذا الحديث في صحيح مسلم (باب الإسراء). وفي شرح القسطلاني في كتاب بدء الخلق (باب ذكر الملائكة).
[16166]:كذا في بعض نسخ الأصل. وفي بعضها الآخر: "غدرة" بالغين المعجمة والدال المهملة. ولم نقف على هذا اللفظ لغير القرطبي. ولعله محرف عن (علقة).
[16167]:آية 8 سورة التين.
[16168]:آية 36 سورة الزمر.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

لما أمره صلى الله عليه وسلم آخر الضحى بالتحديث بنعمته التي أنعمها عليه فصلها في هذه السورة فقال مثبتاً لها في استفهام إنكاري مبالغة في إثباتها عند من ينكرها والتقرير بها مقدماً المنة بالشرح في صورته قبل الإعلام بالمغفرة كما فعل ذلك في سورة الفتح الذي هو نتيجة الشرح ، لتكون البشارة بالإكرام أولاً لافتاً القول إلى مظهر العظمة تعظيماً للشرح . { ألم نشرح } أي شرحاً يليق بعظمتنا { لك } أي خاصة .

ولما عين المشروح له ، فكان المشروح مبهماً ، فزاد تشوف النفس إليه ليكون أضخم له ، بينه ليكون بياناً بعد إبهام فيكون أعظم في التنويه به وأجل في التعريف بأمره فقال : { صدرك * } أي نسره ونفرحه بالهجرة ، فإن هذه السورة مدنية عند ابن عباس رضي الله عنهما ، ونجله ونعظمه ونخرج منه قلبك ونشقه ونغسله ونملأه إيماناً وحكمة ورأفة وعلماً ورحمة ، فانفسح جداً حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق ، فكان مع الحق بعظمته وارتفاعه ، ومع الخلق بفيض أنواره وشعاعه ، وقد كان هذا الشرع حقيقة مراراً ، وكان مجازاً أيضاً بإحلال جميع معانيه ، وكل ذلك على ما لا يدخل تحت الوصف لا يعبر لكم عنه بأكثر من أنه شق بعظمتنا ، فالعلم الذي شق به معرفة الله والدار الآخرة والدين والدنيا ، والحكمة التي درّت فيه هي وضع الشيء في محله ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وقرأ أبو جعفر المنصور بفتح جاء " نشرح " ، وخرجها ابن عطية على التأكيد بالنون الخفيفة ثم أبدل الألف من النون ، ثم حذف النون تخفيفاً ، وقال أبو حيان بأن اللحياني حكى في نوادره عن بعض العرب النصب بلم والجزم بلن ، وسره هنا أن الفتح في اللفظ مناسب غاية المناسبة للشرح ، ووجه قراءة الجمهور أنه لما دل على الفتح بالشرح دل بالجزم على أنه مع ذلك رابط لما أودعه من الحكم ضابط له ، هاد بما فيه من رزانة العلم ، ووقار التقى والحلم ، قال ابن برجان : ففرق ما بين النبي والولي في ذلك أن النبي شرح صدره ظاهراً فأعلى ظاهراً ، والولي شرح ذلك منه باطناً فعلى به باطناً ، والكافر ضيق ذلك منه وأبقى بظلمته وحظوظ الشيطان منه ، فهو لا يستطيع قبول الهداية ولا الصعود في معارج العبرة إلا على مقدار ما يستطيع الصعود في السماء

{ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون }[ الأنعام : 125 ] .