في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

ولكن المشهد لا ينتهي عند هذا المنظر الطريف اللطيف . . إن هناك المنافقين والمنافقات ، في حيرة وضلال ، وفي مهانة وإهمال . وهم يتعلقون بأذيال المؤمنين والمؤمنات : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا : انظرونا نقتبس من نوركم ) . . فحيثما تتوجه أنظار المؤمنين والمؤمنات يشع ذلك النور اللطيف الشفيف . ولكن أنى للمنافقين أن يقتبسوا من هذا النور وقد عاشوا حياتهم كلها في الظلام ? إن صوتا مجهلا يناديهم : ( قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) . . ويبدو أنه صوت للتهكم ، والتذكير بما كان منهم في الدنيا من نفاق ودس في الظلام : ارجعوا وراءكم إلى الدنيا . إلى ما كنتم تعملون . ارجعوا فالنور يلتمس من هناك . من العمل في الدنيا . ارجعوا فليس اليوم يلتمس النور !

" وعلى الفور يفصل بين المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات . فهذا يوم الفصل إن كانوا في الدنيا مختلطين في الجماعة : ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) . . ويبدو أنه سور يمنع الرؤية ولكنه لا يمنع الصوت .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

12

المفردات :

انظرونا : انتظرونا أو أمهلونا .

نقتبس : أصل الاقتباس : طلب القبس ، أي : الجذوة من النار ، والمراد نستضيء ونهتدي بنوركم .

السور : الحاجز .

من قبله : من جهته .

التفسير :

13- { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } .

ما أشد هول هذا اليوم ، إنه يوم الجزاء ، فالدنيا عمل ولا حساب ، والآخرة حساب ولا عمل .

والمعنى :

انظر يا كل من يتأتى منه النظر ، الجزاء الحسن للمؤمنين ، نورهم يسعى أمامهم وعن يمينهم ، وتبشرهم الملائكة بالجنة ، ويُحبس المنافقون في ظلام دامس : { ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } ( النور : 40 ) .

عندئذ يمر المؤمنون في موكب التكريم والتعظيم ، والنور المبين ، فيقول المنافقون للمؤمنين : انتظرونا حتى نستضيء بجزء من نوركم ، ونسير فيه إلى الجنة ، فيقول المؤمنون لهم : ارجعوا إلى الدنيا ، فاعملوا العمل الصالح الذي يكسبكم النور يوم القيامة ، وهو تهكم بهم لأنه لا رجعة إلى الدنيا أبدا بعد القيامة ، كما أن اللبن يعود إلى الضرع بعد أن يُحلب منه ، ولله در القائل :

صاح هل ريِْتَ أو سمعت براع *** ردّ في الضرع ما قرى في الحلاب

لقد كان المنافقون يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا ، فرد الله لهم جزاء وفاقا ، وذلك ما عناه سبحانه بقوله : { الله يستهزئ بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون } . ( البقرة : 15 ) .

{ فضرب بينهم سور له باب . . . }

أي : ضُرب بين المؤمنين والمنافقين بحاجز له باب يحجز بين أهل الجنة وأهل النار .

{ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ . . . } .

يفصل الله تعالى بين أهل الجنة وأهل النار بهذا السور الذي يحجز بين الفريقين ، جانب السور الذي يلي المؤمنون فيه الجنة والرحمة والثواب والنعيم ، وظاهر هذه السور وجانبه الذي يلي المنافقين والكفار يكون من جهته العذاب الأليم .

قال ابن كثير : هو سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين ، فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه ، فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب ، وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب ، كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وشك وحيرة .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

{ انظرونا نقتبس من نوركم } أي انتظرونا لنلحق بكم نصب شيئا من نوركم نستضئ به . وذلك أنه يسرع بالخلص إلى الجنة على نجب فيقول المنافقون : انتظرونا لأننا مشاة لا نستطيع لحوقكم . وقرئ " أنظرونا " بفتح الهمزة وكسر الظاء ؛ من الإنظار بمعنى الانتظار ؛ أي انتظرونا . والاقتباس في الأصل : طلب القبس ، أي الجذوة من النار ؛ وتجوز به عما ذكر . { فضرب بينهم بسور } أي

فضرب بين المؤمنين والمنافقين سور حاجز . قيل : هو الحجاب المذكور في سورة الأعراف .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

انظرونا : انتظرونا .

نقتبس من نوركم : نستضيء بنوركم .

بسور : بحاجز .

باطنه فيه الرحمة : الجنة . وظاهره من قِبله العذاب : من جهته جهنم .

ثم بيّن حالَ المنافقين في ذلك اليوم العظيم ، وكيف يطلبون من المؤمنين أن يساعِدوهم بشيءٍ من ذلك النورِ الذي منحَهم الله إيّاه ليستضيئوا به ويلحقوا بهم . فيسخَرُ المؤمنون منهم ويتهكّمون عليهم ويقولون : ارجِعوا إلى الدنيا واعملوا حتى تحصُلوا على هذا النور . وهذا مستحيل . فيُضرَب بينهم بحاجزٍ عظيم يكونُ المؤمنون داخلَه في رحابِ الجنة ، والمنافقون والكافرون خارجَه يذهبون إلى النار .

قراءات :

قرأ حمزة : أنظِرونا نقتبس من نوركم بفتح الهمزة وكسر الظاء من الفعل انظِر . والباقون : انظُرونا بضم الظاء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به{[981]}  وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين ، قالوا للمؤمنين : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } أي : أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به ، لننجو من العذاب ، ف { قِيلَ } لهم : { ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا } أي : إن كان ذلك ممكنا ، والحال أن ذلك غير ممكن ، بل هو من المحالات ، { فَضُرِبَ } بين المؤمنين والمنافقين { بِسُورٍ } أي : حائط منيع ، وحصن حصين ، { لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } وهو الذي يلي المؤمنين { وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } وهو الذي يلي المنافقين .


[981]:- في ب: يمشون بنورهم.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وتقول لهم الملائكة :{ بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا } قرأ الأعمش وحمزة : { أنظرونا } بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا . وقيل : انظرونا . وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء ، تقول العرب : انظرني وأنظرني ، يعني انتظرني . { نقتبس من نوركم } نستضيء من نوركم ، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضاً نوراً خديعةً لهم ، وهو قوله عز وجل : { وهو خادعهم }( النساء- 141 ) ، فبينا هم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحاً وظلمة فأطفأت نور المنافقين ، فذلك قوله : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } ( التحريم- 8 ) ، مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين . وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ، ولا يعطون النور ، فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين : أنظرونا نقتبس من نوركم ، { قيل ارجعوا وراءكم } قال ابن عباس : يقول لهم المؤمنون ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة : ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، { فالتمسوا نورا } فاطلبوا هناك لأنفسكم نوراً فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا ، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين ، وهو قوله : { فضرب بينهم بسور } أي سور ، " والباء " صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين ، وهو حائط بين الجنة والنار ، { له } ، أي لذلك السور ، { باب باطنه فيه الرحمة } أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة ، { وظاهره } أي خارج ذلك السور ، { من قبله } ، أي من قبل ذلك الظاهر ، { العذاب } وهو النار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا} وهم على الصراط {انظرونا} يعني ارقبونا {نقتبس من نوركم} فنمضي معكم {قيل} يعني قالت الملائكة: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} من حيث جئتم فالتمسوا نورا من الظلمة، فرجعوا فلم يجدوا شيئا {فضرب} الله {بينهم} يعني بين أصحاب الأعراف وبين المنافقين {بسور له باب} يعني بالسور حائط بين أهل الجنة، وبين أهل النار {باطنه} يعني باطن السور {فيه الرحمة} وهو مما يلي الجنة {وظاهره} من قبل النار، وهو الحجاب ضرب بين أهل الجنة والنار، وهو السور، والأعراف ما ارتفع من السور، {الرحمة} يعني الجنة، {وظاهره من قبله العذاب}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: هو الفوز العظيم في يوم يقول المنافقون والمنافقات، واليوم من صلة الفوز للذين آمنوا بالله ورسله: انظرونا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله:"انْظُرُونا"؛ فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة انْظُرُونا موصولة بمعنى: انتظرونا، وقرأته عامة قرّاء الكوفة «أنْظُرُونا» مقطوعة الألف من أنظرت بمعنى: أخرونا، وذكر الفرّاء أن العرب تقول: أنظرني وهم يريدون: انتظرني قليلاً... والصواب من القراءة في ذلك عندي الوصل، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب إذا أريد به انتظرنا، وليس للتأخير في هذا الموضع معنى، فيقال: أنظرونا، بفتح الألف وهمزها.

وقوله: "نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُم" يقول: نستصبح من نوركم، والقبس: الشعلة.

وقوله: "قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فالْتَمِسُوا نُورا" يقول جلّ ثناؤه: فيجابون بأن يقال لهم: ارجعوا من حيث جئتم، واطلبوا لأنفسكم هنالك نورا، فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا...

وقوله: "فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ" يقول تعالى ذكره: فضرب الله بين المؤمنين والمنافقين بسُور، وهو حاجز بين أهل الجنة وأهل النار...

وقوله: "لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ" يقول تعالى ذكره: لذلك السور باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبل ذلك الظاهر العذاب: يعني النار...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... ثم الآية دلت على أن أهل النفاق يكونون ببعد من المؤمنين، ولا ينتفعون بنور المؤمنين. ولكن يرون ذلك اليوم من بعد فيقولون: {انظرونا نقتبس من نوركم} ولو كانوا بقرب منهم، أو ينتفعون بنورهم لكانوا لا يطلبون منهم الانتظار لهم والاقتباس من نورهم، والله أعلم. وقوله تعالى: {قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} من الناس من يقول: إن هذا هو الاستهزاء الذي ذكر في آية أخرى أنه يستهزئ بهم حين قال: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] بقوله: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} هو ذلك الاستهزاء. وجائز أن يكون قوله: {ارجعوا وراءكم} ليس على الأمر بالرجوع إلى وراء والتماس النور، ولكن على التوبيخ والتعبير، أي النور إنما يطلب من وراء هذا اليوم، أي من قبل هذا اليوم لا يطلب فيه...

جائز أن يكون السور الذي ذكر الذي ضرب بينهم ما ذكر في سورة الأعراف حين قال: {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال} [الآية: 46] السور هو الأعراف الذي ذكر أنه يكون حجابا بين أهل النار وأهل الجنة. يرفع ذلك السور بينهم لئلا ينتفعوا بنور المؤمنين...

جائز أن يكون قوله: {له باب} ليس على حقيقة الباب [ولكن] كناية عن الطريق والسبيل؛ يقول: هو طريق وسبيل من يأخذ ذلك السبيل أفضاه إلى الرحمة. ومن سلك ظاهره أفضاه إلى العذاب. وجائز أن يفتح من النار إلى الجنة باب، فيرون ما حل بهم من العذاب، ويرى أهل النار أهل الجنة على ما هم عليه من النعيم ليزدادوا حسرة وندامة، أو يكون اطلاعا لا من باب ولكن من السور والأعراف الذي ذكر...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{قِيلَ ارْجِعُوا وَرَآءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُوراً}: ارجعو فاعملوا عملاً يجعل الله بين أيديكم نوراً.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

يدل على أن الأنوار لابد وأن تتزود أصلها في الدنيا ثم يزداد في الآخرة إشراقا فأما أن يتجدد نور فلا. (نفسه: 4/342)...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... والمراد من ضرب السور، هو امتناع العود إلى الدنيا... {ارجعوا} منع المنافقين عن الاستضاءة، كقول الرجل لمن يريد القرب منه: وراءك أوسع لك، فعلى هذا القول المقصود من قوله: {ارجعوا} أن يقطعوا بأنه لا سبيل لهم إلى وجدان هذا المطلوب البتة، لا أنه أمر لهم بالرجوع.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{يوم} أي يوم القيامة يوم يرى المؤمنون نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوصلهم إلى الجنة، في نفس هذا اليوم {يقولُ المُنافقُون والمنافقاتُ للذين آمنُوا انظرونا..} [الحديد] أي: انتظرونا {نَقْتَبِس من نُوركِم..} نأخذ منه قبساً نستضيء به ونهتدي به، فيُقال لهم: (ارجعُوا وَرَاءكُم فالتَمِسُوا نُوراً..}

أي: عودوا إلى الدنيا فاطلبوا النور الذي يهديكم الآن، لأن النور الذي نهتدي به الآن قدّمناه عملاً صالحاً في الدنيا يوم آمنّا بالله ورسوله وأطعنا، والآن نجني ثمرة ما قدّمناه، وعليكم أن تستأنفوا حياة جديدة حيث التكليف والعمل، فاليوم جزاء لا عمل.

وتأمل هنا عظمة الأداء القرآني: فالحوار يدور بين المؤمنين والمنافقين، ومع ذلك بنى الفعل (قيل) للمجهول ولم يقل قال المؤمنون للمنافقين حتى لا يكون في الموقف شماتة، ولا يريد أنْ يُوقف المؤمنين هذا الموقف، فكأن الصوت جاءهم من جهة لا يعرفونها.

وقوله تعالى: {فضُربَ بينَهُم..} بين المؤمنين والمنافقين {بسُورٍ لّهُ بابٌ..} وهكذا أنهى الحق سبحانه هذا الحوار وحجز المؤمنين عن المنافقين بسور له باب حتى لا يروْهم ولا يسمعوهم، لأن المؤمن بطبعه رقيق القلب.

فربّه عز وجل يحمي سمعه ويحمي بصره أنْ يتأذّى بما يعانيه المنافقون في جهنم والعياذ بالله {بسُورٍ لهُ بابٌ باطنُهُ فيه الرّحمَةُ..} من ناحية المؤمنين {وظاهرُهُ من قبله العذابُ} من ناحية المنافقين.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

قوله تعالى : " يوم يقول المنافقون " العامل في " يوم " " ذلك هو الفوز العظيم " . وقيل : هو بدل من اليوم الأول . " نقتبس من نوركم " قراءة العامة بوصل الألف مضمومة الظاء من نظر ، والنظر الانتظار أي انتظرونا . وقرأ الأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب " أنظرونا " بقطع الألف وكسر الظاء من الإنظار . أي أمهلونا وأخرونا ، أنظرته أخرته ، واستنظرته أي استمهلته . وقال الفراء : تقول العرب : أنظرني انتظرني ، وأنشد لعمرو بن كلثوم :

أبا هند فلا تعجل علينا *** وأنْظِرْنا نُخَبِّركَ اليقينا

أي انتظرنا . " نقتبس من نوركم " أي نستضيء من نوركم . قال ابن عباس وأبو أمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة - قال الماوردي : أظنها بعد فصل القضاء - ثم يعطون نورا يمشون فيه . قال المفسرون : يعطي الله المؤمنين نورا يوم القيامة على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضا نورا خديعة لهم ، دليله قوله تعالى : " وهو خادعهم{[14708]} " [ النساء : 142 ] . وقيل : إنما يعطون النور ، لأن جميعهم أهل دعوة دون الكافر ، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه ، قاله ابن عباس . وقال أبو أمامة : يعطى المؤمن النور ويترك الكافر والمنافق بلا نور . وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور ، فبينما هم يمشون إذ بعث الله فيهم ريحا وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين ، فذلك قوله تعالى : " ربنا أتمم لنا نورنا " [ التحريم : 8 ] يقول المؤمنون ، خشية أن يسلبوه كما سلبه المنافقون ، فإذا بقي المنافقون في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم قالوا للمؤمنين : " انظرونا نقتبس من نوركم " . " قيل ارجعوا وراءكم " أي قالت لهم الملائكة " ارجعوا " . وقيل : بل هو قول المؤمنين لهم " أرجعوا وراءكم " إلى الموضع الذي أخذنا منه النور فاطلبوا هنالك لأنفسكم نورا فإنكم لا تقتبسون من نورنا . فلما رجعوا وانعزلوا في طلب النور " فضرب بينهم بسور " وقيل : أي هلا طلبتم النور من الدنيا بأن تؤمنوا . " بسور " أي سور ، والباء صلة . قاله الكسائي . والسور حاجز بين الجنة والنار . وروي أن ذلك السور ببيت المقدس عند موضع يعرف بوادي جهنم . " باطنه فيه الرحمة " يعني ما يلي منه المؤمنين " وظاهره من قبله العذاب " يعني ما يلي المنافقين . قال كعب الأحبار : هو الباء الذي ببيت المقدس المعروف بباب الرحمة . وقال عبدالله بن عمرو : إنه سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد " وظاهره من قبله العذاب " يعني جهنم . ونحوه عن ابن عباس . وقال زياد بن أبي سوادة : قام عبادة بن الصامت على سور بيت المقدس الشرقي فبكى ، وقال : من ها هنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم . وقال قتادة : هو حائط بين الجنة والنار " باطنه فيه الرحمة " يعني الجنة " وظاهره من قبله العذاب " يعني جهنم . وقال مجاهد : إنه حجاب كما في " الأعراف " وقد مضى القول فيه{[14709]} . وقد قل : إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين ، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين .


[14708]:راجع جـ 5 ص 421.
[14709]:راجع جـ 7 ص 211.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

ولما عظم هذا الأجر الكريم ببيان ما لأهله في الوقت الكائن فيه ، عظمه بما لأضدادهم من النكال ، فقال مبدلاً من الظرف الأول : { يوم يقول } أي قولاً مجدداً لما{[62459]} يلجئ إليه من الأمور العظيمة الشاقة { المنافقون والمنافقات } أي بالعراقة في إظهار الإيمان وإبطان الكفران { للذين آمنوا } أي ظاهراً وباطناً ، وأما من علا من هذا السن من المؤمنين ومن فوقهم فالظاهر أنهم لا يرونهم ليطمعوا في مناداتهم{[62460]} " وأين الثريا من يد المتناول " { انظرونا } أي انظرونا بأن تمكثوا في مكانكم لنلحق بكم ، وكأن الفعل جرد في قراءة الجماعة لاقتضاء الحال الإيجاز بغاية ما{[62461]} توصل المقدرة إليه خوف الفوت ، لأن المسؤولين يسرعون إلى الجنة كالبرق الخاطف ، وقد حققت المعنى قراءة حمزة{[62462]} بقطع الهمزة وكسر الظاء أي أخرونا في المشي وتأنوا علينا وأمهلوا علينا ، لا تطلبوا منا السرعة فيه بل امكثوا في مكانكم لننظر في أمرنا كيف نلحق بكم ، والحاصل{[62463]} أنهم عدوا تأنيهم في المشي وتلبثهم ليلحقوا بهم إنظاراً لهم { نقتبس } أي نأخذ ونصيب ونستصبح { من نوركم } أي هذا الذي نراه لكم ولا يلحقنا منه بشيء كما كنا في الدنيا نرى إيمانكم بما نرى من ظواهركم {[62464]}ولا نتعلق من ذلك بشيء جزاء وفاقاً ، وسبب هذا القول أنهم يعطون مع المؤمنين نوراً{[62465]} خديعة لهم بما خادعوا في الدنيا لتعظم عليهم المشقة بفقده لأنه لا يلبث أن يبعث الله عليهم ريحاً وظلمة فتطفئ نورهم ويبقون في الظلمة ، وإلى ذلك ينظر قول المؤمنين { أتمم لنا نورنا } أي لا{[62466]} تطفئه كما أطفأت نور المنافقين .

ولما كان المنكئ لهم إنما هو الرد من{[62467]} أي قائل كان ، بنى للمفعول قوله : { قيل } أي لهم جواباً لسؤالهم قول رد وتوبيخ وتهكم وتنديم : { ارجعوا وراءكم } أي في جميع جهات الوراء التي هي أبعد الجهات عن الخير كما كنتم في الدنيا لا تزالون مرتدين على أعقابكم عما يستحق أن يقبل عليه ويسعى إليه { فالتمسوا } بسبب ذلك الرجوع { نوراً } ويصح أن يراد بالوراء الدنيا لأن هذا النور إنما هو منها بسبب ما عملوا فيها من الأعمال الزاكية والمعارف الصافية ، ولهذا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب المحبة من الإحياء : إن هذه الآية تدل على أن الأنوار لا بد أن يتجدد أصلها في الدنيا ثم يزداد في الآخرة إشراقاً فأمّا{[62468]} أن يتجدد ثَمَّ نور فلا .

ولما كان التقدير : فرجعوا أو فأقاموا في الظلمة ، سبب عنه وعقب قوله : { فضرب } مبنياً للمفعول على نحو الأول ، ولإفادة أن الضرب كان في غاية السرعة والسهولة ، ويجوز أن تكون الفاء معقبة على ما قبله من غير تقدير { بينهم } أي في جميع{[62469]} المسافة التي بين الذين آمنوا وأضدادهم في وقت قولهم هذا .

ولما كان المقصود أن ضربه كان في غاية السرعة ، لم يوقع الفعل وأتى بالفاء ليفيد أنه كان كأنه عصاً ضربت به الأرض ضربة واحدة ، فقال : { بسور } أي جدار محيط محيل بين الجنة والنار لا يشذ عنه أحد منهم ولا يقدر أحد ممن سواهم أن يتجاوزه إليهم { له باب } موكل به حجاب لا يفتحون إلا لمن أذن الله له من المؤمنين بما{[62470]} يهديهم إليه من نورهم الذي بين أيديهم لشفاعة أو نحوها { باطنه } أي ذلك السور والباب وهو الذي من جهة الذين آمنوا جزاء لإيمانهم الذي هو غيب { فيه الرحمة } وهي ما لهم من الكرامة بالجنة التي هي ساترة ببطن من فيها بأشجارها وبأسبابها كما كانت بواطنهم ملاء رحمة{[62471]} { وظاهره } أي السور أو{[62472]} الباب الذي يظهر لأهل النار ، مبتدئ { من قبله } أي تجاه ذلك الظاهر وناحيته وجهته وعنده { العذاب * } من النار{[62473]} ومقدماتها لاقتصار أهله على الظواهر من غير أن يكون لهم نفوذ إلى باطن وعكس ما أرادوا من حفظ ظواهرهم في الدنيا مع فساد بواطنهم ،


[62459]:- من ظ، وفي الأصل: بما.
[62460]:- من ظ، وفي الأصل: مادتهم.
[62461]:- زيد من ظ.
[62462]:- راجع نثر المرجان 7/ 208.
[62463]:- من ظ، وفي الأصل: الحال.
[62464]:- من ظ، وفي الأصل: ظهوركم.
[62465]:- من ظ، وفي الأصل: نور.
[62466]:- زيد من ظ.
[62467]:- من ظ، وفي الأصل: على.
[62468]:- زيد من ظ.
[62469]:- زيد من ظ.
[62470]:- من ظ، وفي الأصل: إن.
[62471]:- من ظ، وفي الأصل: الرحمة.
[62472]:- من ظ، وفي الأصل: "و".
[62473]:- من ظن وفي الأصل: العذاب
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

{ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب }

{ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا } أبصرونا وفي قراءة بفتح الهمزه وكسر الظاء : أمهلونا { نقتبس } نأخذ القبس والإضاءة { من نوركم قيل } لهم استهزاءً بهم { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } فرجعوا { فضرب بينهم } وبين المؤمنين { بسور } قيل هو سور الأعراف { له باب باطنه فيه الرحمة } من جهة المؤمنين { وظاهره } من جهة المنافقين { من قبله العذاب } .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ( 13 ) }

يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا ، وهم على الصراط : انتظرونا نستضئْ من نوركم ، فتقول لهم الملائكة : ارجعوا وراءكم فاطلبوا نورًا ( سخرية منهم ) ، فَفُصِل بينهم بسور له باب ، باطنه مما يلي المؤمنين فيه الرحمة ، وظاهره مما يلي المنافقين من جهته العذاب .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

قوله : { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم } وذلك مما يقع يوم القيامة من شديد الأهوال وفظيع المشاهد ، وحينئذ لا ينجو من البلاء والكرب إلا من كتب الله له نجاة . وقد قيل : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة لا يرون فيها شيئا فيعطي المؤمنون نورا يستضيئون به ، ويترك الكافرون والمنافقون من غير نور ، فيتيهون ويخبطون لا يرون شيئا فيلجّون حائرين مذعورين فيقولون للذين آمنوا : { انظرونا نقتبس من نوركم } أي انتظرونا لكي نصيب من نوركم فنستنير به ونستضيء . وقال ابن عباس : بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلا من الله إلى الجنة . فلما رأى المنافقون والمنافقات المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ { انظرونا نقتبس من نوركم } فإنا كنا معكم في الدنيا فقال لهم المؤمنون : { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } أي ارجعوا وراءكم ، من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور .

قوله : { فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } والمراد بالسور ، حائط يحول بين شق الجنة وشق النار ، قيل هو الأعراف . ولهذا السور باب لأهل الجنة يدخلون منه ، وباطن السور وهو الشق الذي يلي الجنة { فيه الرحمة } أي الجنة . { وظاهره } يعني ما ظهر لأهل النار منه ، من جهته { العذاب } أي النار .

فالمراد بذلك سور يضرب يوم القيامة ليفصل بين المؤمنين والمنافقين ويكون بينهم حاجزا . فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلام والعذاب ، وقد كانوا في الدنيا في جهالة وكفران وباطل .