آلاء : جمع إلى ، وهي النعمة ، مثل : معيّ وأمعاء .
13-{ فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .
أي : بأي نعمة من هذه النّعم المذكورة سابقا ، يا معشر الجن والإنس تكذبان ؟
لقد ذكر الله في بداية السورة عددا من النعم ، منها ما يأتي : تعليم القرآن ، وخلق الإنسان ، وتعليمه البيان ، وتنسيق الشمس والقمر بحسبان ، ورفع السماء ووضع الميزان ، ووضع الأرض للأنام ، وما فيها من فاكهة ونخل وحَبٍّ وريحان ، عند هذا المقطع يهتف بالجن والإنسان في مواجهة الكون وأهل الكون : فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ .
أخرج ابن جرير بسند صحيح ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكتوا ، فقال : " ما لي أسمع الجنّ أحسن جوابا لربها منكم ؟ ما أتيت على قوله تعالى ؟ فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، إلا قالوا : لا بشيء من نعمك ربَّنا نكذّب ، فلك الحمد " .
قال المفسرون : يستحب أن نقول : لا بشيء من آلائك ربنا نكذّب فلك الحمد ، عند سماع هذه الآية : { فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } .
وقد تكررت : { فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة بعد كل خصلة من النعم ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لتأكيد التذكير بالنِّعم ، ولتقريريهم بها ، وللتنبيه على أهميتها ، والنعم محصورة في دفع المكروه وتحصيل المقصود .
{ فبأي آلاء ربكما تكذبان } الخطاب للمكلفين من الأنام ، وهو الإنس والجن . أي فبأي فرد من أفراد نعم ربكما تكفران وتجحدان ! ؟ أبتلك النعم المذكورة هنا أم بغيرها ؟ مع أن كل نعمة ناطقة بالحق ، شاهدة بالصدق ! . والاستفهام للتقرير بالنعم وتأكيدها في التذكير . وقيل : للتوبيخ والإنكار .
وقد عدد الله تعالى في هذه السورة كثيرا من نعائمه ، وذكر خلقه بعظيم من آلائه . ثم أتبع كل خلة وصفها ، ونعمة وضعها بهذه الآية الكريمة ؛ فذكرها في واحد وثلاثين موضعا ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين ، لينبههم على النعم ، ويقررهم بها ، ويقيم عليهم الحجة عند جحودها .
ولهذا الأسلوب البديع في العربية الفصحى شواهد كثيرة ؛ " فذكر ثمانية منها عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله ، ومبدأ الخلق ومعادهم . ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها ؛ بعدد أبواب جهنم . وحسن ذكر الآلاء عقبها ؛ لن من جملة الآلاء : رفع البلاء وتأخير العذاب . ثم ثمانية وصف الجنتين وأهلهما ؛ بعدد أبواب الجنة . وثمانية أخرى في الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأولتين ؛ فمن اعتقد الثمانية الأولى ، وعمل بموجبها استحق هاتين الثمانيتين من الله ووقاه السبعة السابقة .
ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه التي تشاهد بالأبصار والبصائر ، وكان الخطاب للثقلين ، الإنس والجن ، قررهم تعالى بنعمه ، فقال : { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أي : فبأي نعم الله الدينية والدنيوية تكذبان ؟
وما أحسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة ، فما مر بقوله : { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلا قالوا{[944]} ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد ، فهذا الذي ينبغي{[945]} للعبد إذا تليت عليه نعم الله وآلاؤه ، أن يقر بها ويشكر ، ويحمد الله عليها .
ثم خاطب الجن والإنس فقال : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } أيها الثقلان ، يريد من هذه الأشياء المذكرة . وكرر هذه الآية في هذه السورة تقريراً للنعمة وتأكيداً في التذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع ، يعدد على الخلق آلاءه ، ويفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها ، كقول الرجل لمن أحسن إليه : وتابع عليه بالأيادي وهو ينكرها ويكفرها : ألم تكن فقيراً فأغنيتك أفتنكر هذا ؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك أفتنكر هذا ؟ ألم تك خاملاً ؟ فعززتك أفتنكر هذا ؟ ومثل هذا التكرير شائع في كلام العرب حسن تقريراً . وقد خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب تخاطب الواحد بلفظ التثنية كقوله تعالى : { ألقيا في جهنم }( ق-24 ) . وروي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : " قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ، ثم قال : ما لي أراكم سكوتاً للجن كانوا أحسن منكم رداً ، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة { فبأي آلاء ربكما تكذبان } إلا قالوا : ولا بشيء من نعمتك ربنا نكذب ، فلك الحمد " .
{ فبأي آلاء ربكما تكذبان } الآلاء هي النعم واحدها إلى على وزن معي وقيل : إلى على وزن قضى وقيل : ألى على وزن أمد أو على وزن حصر والخطاب للثقلين الإنس والجن بدليل قوله : { سنفرغ لكم أيه الثقلان } [ الرحمن : 31 ] روي : أن هذه الآية لما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت أصحابه فقال جواب الجن خير من سكوتكم إني لما قرأتها على الجن قالوا : " لا نكذب بشيء من آلاء ربنا " . وكرر هذه الآية تأكيدا ومبالغة وقيل : إن كل موضع منها يرجع إلى معنى الآية التي قبله فليس بتأكيد لأن التأكيد لا يزيد على ثلاث مرات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.