في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

( وقالوا : قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ، وفي آذاننا وقر ، ومن بيننا وبينك حجاب ، فاعمل إننا عاملون ) . .

قالوا هذا إمعاناً في العناد ، وتيئيساً للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليكف عن دعوتهم ، لما كانوا يجدونه في قلوبهم من وقع كلماته ، على حين يريدون عامدين ألا يكونوا مؤمنين !

قالوا : قلوبنا في أغطية فلا تصل إليها كلماتك . وفي أذاننا صمم فلا تسمع دعوتك . ومن بيننا وبينك حجاب ، فلا اتصال بيننا وبينك . فدعنا واعمل لنفسك فإننا عاملون لأنفسنا . أو إنهم قالوا غير مبالين : نحن لا نبالي قولك وفعلك ، وإنذارك ووعيدك . فإذا شئت فامض في طريقك فإنا ماضون في طريقنا . لا نسمع لك وافعل ما أنت فاعل . وهات وعيدك الذي تهددنا به فإننا غير مبالين .

هذا نموذج مما كان يلقاه صاحب الدعوة الأول [ صلى الله عليه وسلم ] ثم يمضي في طريقه يدعو ويدعو ، لا يكف عن الدعوة ، ولا ييأس من التيئيس ، ولا يستبطئ وعد الله ولا وعيده للمكذبين . كان يمضي مأموراً أن يعلن لهم أن تحقق وعيد الله ليس بيده ؛ فما هو إلا بشر يتلقى الوحي ، فيبلغ به ، ويدعو الناس إلى الله الواحد . وإلى الاستقامة على الطريق ، وينذر المشركين كما أمر أن يفعل . والأمر بعد ذلك لله لا يملك منه شيئاً ، فهو ليس إلا بشراً مأموراً :

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

المفردات :

أكنة : أغطية سميكة متكاثفة ، والأكنة جمع كنان ، كأغطية وغطاء وزنا ومعنى .

وقر : صمم ، وأصله الثقل في السمع .

حجاب : ساتر مانع من الإجابة ، والمراد : خلاف في الدّين .

التفسير :

5-{ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون } .

جهر الكفار هنا بترك دعوة الإسلام ، وعدم الإصغاء إليها بقلوبهم ، أو الاستماع إليها بآذانهم ، أو النظر فيها بعقولهم ، مع استهزائهم بالوعيد وتحدّيهم للرسول صلى الله عليه وسلم .

والمعنى :

إن قلوبنا في أغطية وحجاب سميك من دعوتك ، فلا تتفتح لها ولا تفقهها ، ولما كان القلب أداة الفهم ، والسمع والبصر وسائل التأمل ، أعلنوا أنهم معرضون بقلوبهم ، كما أن آذانهم صماء لا تسمع دعوة القرآن ، ولا تستجيب له ، وهناك حجاب معنوي حاجز بين دعوة الإسلام وبينهم ، فهم في واد والإسلام في واد آخر ، فاتركنا يا محمد في ديانتنا وعبادة أصنامنا ، واعمل أنت على منهج دينك ، إنا مستمرون وعاملون على طريقة ديننا ، في التزام عبادة الأصنام والأوثان ، وفي قولهم هذا مبارزة بالخلاف والتحدّي .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

{ قلوبنا في أكنة } أغطية متكاثفة فلا تفقه ما تقول . جمع كنان . { وفي آذاننا وقر } صمم يمنع من استماع قولك . { ومن بيننا وبينك حجاب } ساتر وحاجز منيع يمنع التواصل بيننا . وهو تمثيل لنبوّ قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله ، ومج أسماعهم له ، وامتناع موافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ لتباعد ما بين المذهبين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

{ وَقَالُوا } أي : هؤلاء المعرضون عنه ، مبينين عدم انتفاعهم به ، بسد الأبواب الموصلة إليه : { قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ } أي : أغطية مغشاة { مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ } أي : صمم فلا نسمع لك { وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } فلا نراك .

القصد من ذلك ، أنهم أظهروا الإعراض عنه ، من كل وجه ، وأظهروا بغضه ، والرضا بما هم عليه ، ولهذا قالوا : { فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } أي : كما رضيت بالعمل بدينك ، فإننا راضون كل الرضا ، بالعمل في ديننا ، وهذا من أعظم الخذلان ، حيث رضوا بالضلال عن الهدى ، واستبدلوا الكفر بالإيمان ، وباعوا الآخرة بالدنيا .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

قوله تعالى : " وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه " الأكنة جمع كنان وهو الغطاء . وقد مضى في " البقرة " {[13411]} . قال مجاهد : الكنان للقلب كالجنة للنبل . " وفي آذاننا وقر " أي صمم ، فكلامك لا يدخل أسماعنا ، وقلوبنا مستورة من فهمه . " ومن بيننا وبينك حجاب " أي خلاف في الدين ، لأنهم يعبدون الأصنام وهو يعبد الله عز وجل . قال معناه الفراء وغيره . وقيل : ستر مانع عن الإجابة . وقيل : إن أبا جهل استغشى على رأسه ثوبا وقال : يا محمد بيننا وبينك حجاب . استهزاء منه . حكاه النقاش وذكره القشيري . فالحجاب هنا الثوب . " فاعمل إننا عاملون " أي اعمل في هلاكنا فإنا عاملون في هلاكك . قاله الكلبي . وقال مقاتل : اعمل لإلهك الذي أرسلك ، فإنا نعمل لآلهتنا التي نعبدها . وقيل : اعمل بما يقتضيه دينك ، فإنا عاملون بما يقتضيه ديننا . ويحتمل خامسا{[13412]} : فاعمل لآخرتك فإنا نعمل لدنيانا . ذكره الماوردي .


[13411]:راجع ج 2 ص 25 طبعة ثانية.
[13412]:لم يذكر المصنف إلا أربعة أقوال، ولعل الخامس ما ذكره الكشاف:" فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ} (5)

ولما أخبر عن إعراضهم ، أخبر عن مباعدتهم فيه فقال : { وقالوا } أي عند إعراضهم ممثلين لمباعدتهم في عدم قبولهم : { قلوبنا في أكنَّة } أي أغشية محيطة بها ، ولما كان السياق في الكهف للعظمة كان الأنسب له أداة الاستعلاء فقال { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } وعبروا هنا بالظرف إبعاداً لأن يسمعوا { مما } أي مبتدئة تلك الأغشية وناشئة من الأمر الذي { تدعونا } أيها المخبر بأنه نبي { إليه } فلا سبيل له إلى الوصول إليها لنفيه أصلاً . ولما كان القلب أفهم لما يرد إليه من جهة السمع قالوا : { وفي آذاننا } التي هي أحد الطرق الموصلة إلى القلوب { وقر } أي ثقل قد أصمها عن سماعه { ومن بيننا وبينك } أي ومبتدئ من الحد الذي فصلك منا والحد الذي فصلنا منك في منتصف المسافة قي ذلك { حجاب } ساتر كثيف ، فنحن لا نراك لنفهم عنك بالإشارة ، فانسدت طرق الفهم لما نقول { فاعمل } أي بما تدين به . ولما كان تكرار الوعظ موضعاً للرجاء في رجوع الموعوظ قطعوا ذلك الرجاء بالتأكيد بأداته ، وزادوه بالنون الثالثة والتعبير بالاسمية فقالوا : { إننا عاملون * } أي بما ندين به فلا مواصلة بيينا بوجه ليستحي أحد منا من الآخر في عمله أو يرجع إليه ، ولو قال { وبيننا } من غير { من } لأفهم أن البينين بأسرهما حجاب ، فكان كل من الفريقين ملاصقاً لبينه ، وهو نصف الفراغ الحاصل بينه وبين خصمه ، فيكون حينئذ كل فريق محبوساً بحجابه لا يقدر على عمل فينا في ما بعده أو يكون بينهما اتصال أقله بالإعلام بطرق من أراد من المتباينين الحجاب ، فأفادت " من " التبعيض مع إفادة الابتداء ، فإنهم لا يثبتون الحجاب في غير أمور الدين .