في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

21

وعلى هذا المشهد الحاسم في مصير الذين كفروا ، وعلى مشهد الإيمان من أبناء عالم آخر . وفي ختام السورة التي عرضت مقولات الكافرين عن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وعن القرآن الكريم . . يجيء الإيقاع الأخير . توجيها للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يصبر عليهم ، ولا يستعجل لهم ، فقد رأى ما ينتظرهم ، وهو منهم قريب :

( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ولا تستعجل لهم ، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار . بلاغ . فهل يهلك إلا القوم الفاسقون . . )

وكل كلمة في الآية ذات رصيد ضخم ؛ وكل عبارة وراءها عالم من الصور والظلال ، والمعاني والإيحاءات ، والقضايا والقيم .

( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل . ولا تستعجل لهم . . )

توجيه يقال لمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] وهو الذي احتمل ما احتمل ، وعانى من قومه ما عانى . وهو الذي نشأ يتيما ، وجرد من الولي والحامي ومن كل أسباب الأرض واحدا بعد واحد . الأب . والأم . والجد . والعم . والزوج الوفية الحنون . وخلص لله ولدعوته مجردا من كل شاغل . كما هو مجرد من كل سند أو ظهير . وهو الذي لقي من أقاربه من المشركين أشد مما لاقى من الأبعدين . وهو الذي خرج مرة ومرة ومرة يستنصر القبائل والأفراد فرد في كل مرة بلا نصرة . وفي بعض المرات باستهزاء السفهاء ورجمهم له بالحجارة حتى تدمى قدماه الطاهرتان ، فما يزيد على أن يتوجه إلى ربه بذلك الابتهال الخاشع النبيل .

وبعد ذلك كله يحتاج إلى توجيه ربه : فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم . .

ألا إنه لطريق شاق طريق هذه الدعوة . وطريق مرير . حتى لتحتاج نفس كنفس محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في تجردها وانقطاعها للدعوة ، وفي ثباتها وصلابتها ، وفي صفائها وشفافيتها . تحتاج إلى التوجيه الرباني بالصبر وعدم الاستعجال على خصوم الدعوة المتعنتين .

نعم . وإن مشقة هذا الطريق لتحتاج إلى مواساة ، وإن صعوبته لتحتاج إلى صبر . وإن مرارته لتحتاج إلى جرعة حلوة من رحيق العطف الإلهي المختوم .

( فاصبر . كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم . .

تشجيع وتصبير وتأسية وتسلية . . ثم تطمين :

( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) . .

إنه أمد قصير . ساعة من نهار . وإنها حياة خاطفة تلك التي يمكثونها قبيل الآخرة . وإنها لتافهة لا تترك وراءها من الوقع والأثر في النفوس إلا مثلما تتركه ساعة من نهار . . ثم يلاقون المصير المحتوم . ثم يلبثون في الأبد الذي يدوم . وما كانت تلك الساعة إلا بلاغا قبل أن يحق الهلاك والعذاب الأليم :

( بلاغ . فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) . .

لا . وما الله يريد ظلما للعباد . لا . وليصبر الداعية على ما يلقاه . فما هي إلا ساعة من نهار . ثم يكون ما يكون . . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

33

المفردات :

أولوا العزم : أولو العزم من الرسل خمسة : نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد صلى الله عليه وسلم ، نظمهم الشاعر في قوله :

أولو العزم نوح والخليل الممجد *** وموسى وعيسى والحبيب محمد

لم يلبثوا إلا ساعة : كأنهم حين يرون العذاب لم يمكثوا في الدنيا إلا وقتا يسيرا من نهار ، لشدة العذاب وطول مدته .

بلاغ : أي أن ما وعظوا به كفاية في الموعظة .

التفسير :

35- { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } .

تأتي هذه الآية في ختام السورة ، سورة الأحقاف المكية ، وفيها أدلة التوحيد والقصص ، وحديث عن إيمان الجن ، ومناقشة الكافرين ، ثم توجه الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعوه إلى الصبر والمصابرة ، كما صبر أولو العزم من الرسل ، وهم أصحاب العزائم والثبات ، الذين اجتهدوا في تبليغ الشريعة ، وتأسيسها وتقريرها ، وصبروا على تحمل مشاق الدعوة ، ومعاداة الطاعنين فيها .

قال مقاتل : هم ستة :

1- نوح صبر على أذى قومه مدة طويلة .

2- وإبراهيم صبر على النار .

3- وإسماعيل صبر على الذبح .

4- ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر .

5- ويوسف صبر على البئر والسجن .

6- وأيوب صبر على الضر .

وقال ابن عباس : كل الرسل كانوا أولي عزم ، أي : اصبر كما صبر الرسل .

وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في الآيات ( 83-87 ) من سورة الأنعام ، وهم ثمانية عشر :

إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط . 27

وأشهر الآراء أن أولي العزم من الرسل خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم .

وكم صبر محمد صلى الله عليه وسلم وصابر ، وتحمل في مكة والطائف ، وطريق الهجرة وأعمال المدينة ، وسائر الغزوات ، حتى لقي ربه راضيا مرضيا ، فالآية تثبيت لصبره ، وتأكيد ومؤازرة ، وأيضا تهديد للكفار ، وهذا معنى :

{ ولا تستعجل لهم . . . }

لا تتعجل وقوع العذاب بهم في الدنيا ، فإن لهم موعدا لن يفلتوا منه : { فارتقب إنهم مرتقبون } . ( الدخان : 59 ) .

وقال مقاتل : لا تدع عليهم في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة .

{ كأنهم يوم يرون ما يوعدون . . . }

من العذاب في الآخرة ، لم يمكثوا في الدنيا أو في قبورهم إلا وقتا يسيرا ، لطول مدة عذاب الآخرة ، وامتداد عذابها أبد الآبدين ، ويزيد في طولها أنه لا أمل في النجاة ، ولا في الرجوع إلى الدنيا ، ولا في تخفيف العذاب .

{ بلاغ } . أي : بلغنا ، وقد أعذر من أنذر ، أو إن في هذا القرآن وما يحمل من صنوف الآيات ، وألوان الهداية ، ما يكفي في تبليغ الدعوة ، وفي فتح الأبواب لمن أراد أن يلج في طريق الهداية ، فكم فتح الله فيه من أبواب رحمته وهدايته ، وكم لون وصرف من طرق الهداية ، فلا يهلك على الله إلا هالك ، فما أوسع أبواب رحمته .

{ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } .

أي : لا يستحق الهلاك إلا خارج على طاعة الله ، معرض عن أسباب الهداية وما أكثرها ، فهذا الفاسق الخارج على طاعة الله ، الكافر بالله وألوان هدايته ، أهل للهلاك العادل : { وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } . ( النحل : 33 ) .

ختام السورة:

خلاصة ما اشتملت عليه سورة الأحقاف

1- إقامة الأدلة على التوحيد ، والرد على عبدة الأصنام .

2- المعارضات التي ابتدعها المشركون للنبوة ، والإجابة عنها ، وبيان فسادها .

3- ذكر حال أهل الإيمان والاستقامة ، وبيان أن جزاءهم الجنة .

4- ذكر وصايا للمؤمنين بإكرام الوالدين ، وبيان مشقة الأم في الحمل والوضع والرضاع .

5- بيان حال من انهمكوا في الدنيا وملذاتها .

6- قصص عاد ، وفيه أن الله أنعم عليهم بنعم متعددة ، فبطروا وأشروا وكفروا ، وعاندوا واستحقوا الهلاك .

7- استماع الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبليغهم إلى قومهم ما سمعوه .

8- عظة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من أمته .

9- الأمر بالصبر ، وبيان قصر الدنيا وقلة نعيمها بالنسبة إلى نعيم الآخرة .

10- ما أوسع رحمة الله وفضله وفتحه الأبواب لكل عاص ، فلا يهلك إلا من رفض كل ألوان الهدى ، وخرج على طاعة الله ، وارتمى في أحضان الشهوات .

1 في ظلال القرآن 26/21 .

2 بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ، تأليف مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزبادي ، المتوفى سنة 817 ه ، تحقيق الأستاذ محمد علي النجار ( 1/248 ) . طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1383 ه .

3 وما يدريك أن الله أكرمه :

رواه البخاري في الجنائز باب : الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه ( 1186 ) .

44 العشرة المبشرين بالجنة :

هم الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعد بن زيد ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهم .

5 تفسير القاسمي مجلد6 ، ص233 ، دار إحياء التراث العربي- بيروت ، لبنان .

6 انظر مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، مجلد 3 ، صفحة 317 ، واقرأ الحاشية بهذه الصفحة .

7 التفسير المنير : أ . د . وهبة الزحيلي جزء 26 ، ص 18 .

8 إن الله زوى لي الأرض :

مسلم في الفتن ( 2889 ) ، والترمذي في الفتن ( 2176 ) ، وأبو داود في الفتن ( 2176 ) ، وابن ماجة في الفتن ( 3952 ) ، وأحمد( 5/278 ) ، ( 284 ) ، من حديث ثوبان ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

9 يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة :

رواه البخاري في الجهاد والسير ، باب : الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء ( 2636 ) ، ومسلم في الإمارة ، باب : فضل الغزو في البحر ( 1912 ) من حديث أنس مرفوعا : ( ناس من أمتي ، عرضوا على غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة ، أو : مثل الملوك على الأسرة ) .

10 إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط :

رواه مسلم في باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر ( 2543 ) من حديث أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما ، فإذا رأيتم رجلان يقتتلان في موضوع لبنة فاخرج منها ) .

11 أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى : قال السيوطي في الدر المنثور : وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده ، قال : ( خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب ، فخرجت لنا من الخندق صخرة بيضاء مدورة ، فكسرت حديدنا وشقت علينا ، فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ المعول من سلمان ، فضرب الصخرة ضربة صدعها ، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثانية ، فصدعها وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها ، فكبر وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثالثة ، فصدعها وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها ، فكبر وكبر المسلمون ، فسألناه ، فقال : أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثلاثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا بالنصر ) . فاستبشر المسلمون ، وقالوا : الحمد لله موعد صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر ، فطلعت الأحزاب ، فقال المسلمون : { هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } ، وقال المنافقون : ألا تعجبون ، يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل ، ويخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا ، وأنزل القرآن في ذلك : { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } .

12 كيف بك إذا لبست سواري كسرى :

ذكره المناوي في الفيض استشهادا ( 4110 ) فقال : قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( كيف بك إذا لبست سواري كسرى ) فلبسهما زمن عمر ، وفيه أيوب بن سويد بن مسعود الحميري ضعفه ابن معين وغيره ، وذكر الهندي في كنز العمال ( 35752 ) عن الحسن أن عمر بن الخطاب أتى بفروة كسرى ابن هرمز فوضعت بين يديه ، وفي القوم سراقة بن مالك فأخذ عمر سواريه فرمى بها إلى سراقة ، فأخذهما فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه ، فقال : الحمد لله ، سوارا كسرى ابن هرمز في يدي سراقة بن مالك بن جشعم أعرابي من بنى مدلج ، ثم قال : اللهم إني قد علمت أن رسولك قد كان حريصا على أن يصيب مالا ينفقه في سبيلك وعلى عبادك فزويت عنه ذلك نظرا منك وخيارا ، اللهم إني قد علمت أن أبا بكر كان يحب مالا ينفقه في سبيلك وعلى عبادك فزويت عنه ذلك ، اللهم إني أعوذ بك أن يكون مكر منك بعمر ، ثم تلا : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال } الآية . ونسبه لعبد بن حميد وابن المنذر .

13وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله :

رواه البخاري في باب : مناقب عبد الله بن سلام ( 3601 ) ومسلم في فضائل الصحابة ، باب : من فضائل عبد الله بن سلام ( 2483 ) من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشى على الأرض : إنه من أهل الجنة ، إلا لعبد الله بن سلام ، قال : نزلت هذه الآية : { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } . الآية ، قال : لا أدرى ، قال : مالك الآية ، أو في حديث .

14 يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم :

رواه الطبراني من حديث عوف بن مالك الأشجعي ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخوله عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه ) ، فأسكتوا ما أجابه أحد ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثم ثلث فلم يجبه أحد ، فقال : ( أبيتم فوالله لأنا الحاشر ، وأنا العاقب ، وأنا المقفي ، آمنتم أو كذبتم ) ، ثم انصرف وأنا معه حتى أننا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفه ، فقال : كما أنت يا محمد ، فأقبل فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود ، قالوا : والله ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك فبلك ولا من جدك قبل أبيك ، قال : فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدون في التوراة ، قالوا : كذبت ، ثم ردوا عليه ، وقالوا فيه شرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كذبتم لن نقبل قولكم ) ، قال : فخرجنا ونحن ثلاثة : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وابن سلام وأنزل الله عز وجل : { قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } . وقال الهيثمي في الجمع ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) .

15 تقدم تخريجه .

16 مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، دار الصابوني للطباعة والنشر ، 25 ش يوسف عباس ، مدينة نصر – القاهرة .

17 انظر تفسير الكشاف ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن عبد الله بن سلام فمدحوه بالعلم والخير والسيادة ، فلما أخبرهم أنه أسلم ذموه وانتقصوه .

18 تفسير القاسمي ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، صححه هشام البخاري ، المجلد 6 ص 234 ، طبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت ، لبنان .

19 من أحق الناس بحسن صحابتي :

رواه البخاري في الأدب ( 5971 ) ، ومسلم في البر ( 2548 ) ، وأحمد في مسنده ( 8144 ) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أبوك ) .

20 أخرجه الحافظ الموصلي ، وروى من غير هذا الوجه في مسند أحمد ، وانظر مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني 3/319 .

21 من رغب عن سنتي فليس مني :

رواه البخاري في النكاح ( 5063 ) ، ومسلم في النكاح ( 1401 ) ، والنسائي في النكاح ( 3217 ) ، وأحمد ( 13122 ، 13316 ، 13631 ) ، ورواه ابن ماجة في النكاح ( 1846 ) بلفظ : ( النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني . . . ) الحديث ، كلهم من حديث أنس ، ورواه أحمد ( 22936 ) عن مجاهد عن رجل من الأنصار . ورواه الدارمي في النكاح ( 2169 ) من حديث سعد بن أبي وقاص .

22 استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك :

قال المناوي في الفيض : ورمز المصنف لحسنه ، ورواه أحمد والدارمي في مسنديهما ، قال النووي في رياضه : إسناده حسن ، وتبعه المؤلف فكان ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته ، ورواه أيضا الطبراني ، قال الحافظ العراقي : وفيه عنده العلاء بن ثعلبة مجهول .

23 البر ما اطمأنت إليه النفس :

رواه مسلم في البر ( 2553 ) والترمذي في الزهد ( 2398 ) ، والدارمي في الرقاق ( 2789 ) ، وأحمد في مسنده ( 17179 ) عن النواس بن سمعان الأنصاري ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم ، فقال : ( البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) .

24 الحلال بين :

رواه البخاري في باب : فضل من استبرأ لدينه من حديث النعمان بن بشير ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) . ورواه مسلم في المساقاة ، باب : أخذ الحلال وترك الشبهات ( 1599 ) .

25 اللهم إني أسألك خيرها :

رواه مسلم في باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم ، والفرح بالمطر ( 899 ) ، من حديث عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح ، قال : ( اللهم إني أسألك خيرها ، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ، وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به ) . قالت : وإذا تخيلت السماء ، تغير لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت سرى عنه ، فعرفت ذلك في وجهه . قالت عائشة : فسألته . فقال : ( لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا } ، ورواه البخاري في باب : ما جاء في قوله : { وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } ( 3034 ) من حديث عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ، ودخل وخرج ، وتغير وجهه ، فإذا أمطرت السماء سرى عنه ، فعرفته عائشة ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أدري لعله كما قال قوم عاد : { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم } . الآية ، ومسلم في صلاة الاستسقاء ، باب : التعوذ عند رؤية الريح والغيم ( 899 ) .

26 هذا هو الناموس الذي أنزله الله على موسى :

هذا اللفظ جزء من حديث طويل رواه البخاري ( 3 ، 4956 ، 4955 ) ، ومسلم في كتاب الإيمان ( 231 ، 233 ) ، والترمذي في كتاب المناقب ( 3565 ) ، وأحمد في مسنده ( 14502 ، 24046 ، 24681 ، 24768 ) .

27 { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ( 83 ) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 84 ) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 85 ) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ( 86 ) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 87 ) } ( الأنعام : 83-87 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مثبته على المضيّ لما قلّده من عبْءِ الرسالة، وثقل أحمال النبوّة صلى الله عليه وسلم، وآمره بالائتساء في العزم على النفوذ لذلك بأولي العزم من قبله من رسله الذين صبروا على عظيم ما لَقُوا فيه من قومهم من المكاره، ونالهم فيه منهم من الأذى والشدائد فاصْبِرْ يا محمد على ما أصابك في الله من أذى مكذّبيك من قومك الذين أرسلناك إليهم بالإنذار "كمَا صَبَرَ أُولُوا العَزْمِ "على القيام بأمر الله، والانتهاء إلى طاعته من رسله الذين لم ينههم عن النفوذ لأمره، ما نالهم فيه من شدّة. وقيل: إن أولي العزم منهم، كانوا الذين امتُحِنوا في ذات الله في الدنيا بالمِحَن، فلم تزدهم المحن إلا جدّا في أمر الله، كنوح وإبراهيم وموسى ومن أشبههم...

وقوله: "وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ" يقول: ولا تستعجل عليهم بالعذاب، يقول: لا تعجل بمسألتك ربك ذلك لهم فإن ذلك نازل بهم لا محالة.

"كأنّهُمْ يومَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ" يقول: كأنهم يوم يرون عذاب الله الذي يعدهم أنه منزله بهم، لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار، لأنه ينسيهم شدّة ما ينزل بهم من عذابه، قدر ما كانوا في الدنيا لبثوا، ومبلغ ما فيها مكثوا من السنين والشهور...

وقوله: "بَلاغٌ" فِيهِ وجهان: أحدهما: أن يكون معناه: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ذلك لبث بلاغ، بمعنى: ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى أجلهم، ثم حذفت ذلك لبث، وهي مرادة في الكلام اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليها. والآخر: أن يكون معناه: هذا القرآن والتذكير بلاغ لهم وكفاية، إن فكّروا واعتبروا فتذكروا. وقوله: "فَهَلْ يُهْلَكُ إلاّ القَوْمُ الفاسِقُونَ" يقول تعالى ذكره: فهل يهلك الله بعذابه إذا أنزله إلا القوم الذين خالفوا أمره، وخرجوا عن طاعته وكفروا به. ومعنى الكلام: وما يهلك الله إلا القوم الفاسقين...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يُلزم الرسل الصبر من وجوه ستة: ثلاثة مما خُصّوا هم بها، لا يشرُكُهم غيرهم فيها، وثلاثة مما يشترك غيرهم فيها؛ فأما الثلاثة التي خُصّوا بها: فإحداها: أنهم بُعثوا لتبليغ الرسالة إلى الفراعنة والأكابر والجبابرة الذين كانت عادتهم وهمُّهم القتل وإهلاك من خالفهم، وعصى أمرهم ومذهبهم، فلم يُعذروا في ترك تبليغ الرسالة إليهم مع ما ذكرنا من خوف الهلاك والقتل. فأما غيرهم من الناس فقد أُبيح لهم كتمان الدين الحق عنهم حتى لا يُهلكوا. والثانية: ألزمهم الصبر بالمُقام بين أظهُر قومهم واحتمال ما كان يلحقهم منهم من الاستهزاء بهم والافتراء عليهم والتكذيب لهم وأنواع الأذى الذي كان منهم إلى الرسل، لم يأذن لهم بمفارقتهم، لذلك قال: {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت} [القلم: 48] لم يكن منه سوى الخروج من بين قومه لسلامة دينه لو لم يسلم، ثم أصابه ما أصابه بذلك الخروج لما لم يُؤذن [له] بالخروج، والله أعلم. والثالثة: لم يجعل لهم الدعاء على أقوامهم بالهلاك والعذاب، وإن كان منهم من التمرّد والتعنّت ما كان. فهذه الثلاثة من المعاملة مما خصّ من الرسل عليهم السلام بها من بين سائر الناس. وأما الثلاثة التي يشترك فيها غيرهم. فإحداهما: أُمروا بالصبر على ما يصيبهم، وينزل بهم من البلايا والشدائد. والثانية: أُمروا بالمحافظة على العبادات التي جُعلت عليهم والمحافظة على حدودها والصبر على القيام بها. والثالثة: أُمروا بالصبر على ترك قضاء الشهوة وترك إعطاء النفس هواها. فهذه الثلاثة لهم في ما بينهم وبين ربهم، وهي مما يشترك فيها غيرهم. والثلاثة الأولى في ما بينهم وبين الخلق، وهم قد خُصّوا بتلك الثلاثة دون غيرهم، والله أعلم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

والصبرُ هو الوقوفُ لحُكْمِ الله، والثباتُ من غير بثٍ ولا استكراهٍ.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{فهل يهلك} بالعذاب إذا نزل {إلا القوم الفاسقون} الخارجون من أمر الله. قال الزجاج: تأويله: لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون، ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية...

.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَلاَ تَسْتَعْجِل} لكفار قريش بالعذاب، أي: لا تدع لهم بتعجيله؛ فإنه نازل بهم لا محالة، وإن تأخر، وأنهم مستقصرون حينئذٍ مدّة لبثهم في الدنيا حتى يحسبوها {سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ} أي هذا الذي وعظتم به كفاية في الموعظة. أو هذا تبليغ من الرسول عليه السلام {فَهَلْ يُهْلَكُ} إلا الخارجون عن الاتعاظ به، والعمل بموجبه. ويدل على معنى التبليغ قراءة من قرأ: بلغ فهل يهلك: وقرىء «بلاغاً»، أي بلغوا بلاغاً: وقرىء «يهلك» بفتح الياء وكسر اللام وفتحها، من هلك وهلك. ونهلك بالنون {إِلاَّ القوم الفاسقون}...

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

. {بلاغ} هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة بلاغ أي كفاية، أو تبليغ من الرسول عليه الصلاة والسلام.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} أي: على تكذيب قومهم لهم. وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال، وأشهرها أنهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وخاتم الأنبياء كلهم محمد صلى الله عليه وسلم، قد نص الله على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سُورَتَي "الأحزاب "و "الشورى"،... وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} أي: لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم...

[وحاصل ذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة وشدائدها وطولها]...

وقوله: {بَلاغٌ} قال ابن جرير: يحتمل معنيين، أحدهما: أن يكون تقديره: وذلك لَبثَ بلاغ. والآخر: أن يكون تقديره: هذا القرآن بلاغ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فاصبر} أي على مشاق ما ترى في تبليغ الرسالة...

{كما صبر أولوا العزم} أي الجد في الأمر والحزم في الجد والإرادة المقطوع بها والثبات الذي لا محيد عنه، الذين مضوا في أمر الله مضياً كأنهم أقسموا عليه فصاروا كالأسد في جبلته والرجل الشديد الشجاع المحفوف بقبيلته...

{من الرسل} عليهم الصلاة والسلام، وقيل وهو ظاهر جداً: أن "من "للتبعيض، والمراد بهم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيس قواعدها وتثبيت معاقدها، ومشاهيرهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين...

{ولا تستعجل لهم} أي تطلب العجلة وتوجدها بأن تفعل شيئاً مما يسوءهم في غير حينه الأليق به. ولما كان ما أمر به ونهى عنه في غاية الصعوبة، سهله بقوله مستأنفاً: {كأنهم يوم يرون} أي في الدنيا عند الموت مثلاً أو في الآخرة وقت العرض والحساب والهول الأعظم الأكبر الذي تقدمت الإشارة إليه جداً والتحذير منه لأهل المعاصي والبشارة فيه لأهل الطاعة، فأما هذه الطائفة فإذا رأوا {ما يوعدون} من ظهور الدين في الدنيا والبعث في الآخرة، وبناه للمفعول لأن المنكئ هو الإيعاد لا كونه من معين {لم يلبثوا} أي في الدنيا حيث كانوا عالين {إلا ساعة}. ولما كانت الساعة قد يراد بها الجنس وقد تطلق على الزمن الطويل، حقق أمرها وحقرها بقوله: {من نهار} ولما تكفل ما ذكر في هذه السورة من الحجج الظاهرة والبراهين الباهرة ببيان ما هو مقصودها بحيث لم يبق فيه لبس، وكان مقصودها آئلاً إلى سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو التوحيد اللازم منه إحاطة العلم بكل شيء وشمول القدرة لكل شيء ختمت بما ختمت به إبراهيم إلا أن للحواميم لباباً، حذف المبتدأ ومتعلق الخبر وقيل: {بلاغ} أي هذا الذي- ذكر هنا هو- من الظهور وانتشار النور بحيث يرد المنذرين ويوصلهم إلى رضى العزيز الحكيم الكافل بالنور الدائم والنعيم المقيم...

{فهل يهلك} بني للمفعول من أهلك، لأن المحذور الهلاك وإن لم يعين المهلك، وللدلالة على أن إهلاكهم عليه سبحانه وتعالى يسير جداً {إلا القوم} الذين فيهم أهلية القيام بما يحاولونه من اللدد {الفاسقون} أي العريقون في إدامة الخروج من محيط ما يدعو إليه هادي العقل والفطرة...

.

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

اصبر على الدعوة إلى الحق ومكابدة الشدائد كما صبر إخوانك الرسل من قبلك...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

ثم أمر تعالى رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له وأن لا يزال داعيا لهم إلى الله وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين سادات الخلق أولي العزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم، وتم يقينهم، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم والقفو لآثارهم والاهتداء بمنارهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل. ولا تستعجل لهم..) توجيه يقال لمحمد [صلى الله عليه وسلم] وهو الذي احتمل ما احتمل، وعانى من قومه ما عانى. وهو الذي نشأ يتيما، وجرد من الولي والحامي ومن كل أسباب الأرض واحدا بعد واحد...

. (فاصبر. كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم.. تشجيع وتصبير وتأسية وتسلية.. ثم تطمين: (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار).. إنه أمد قصير. ساعة من نهار. وإنها حياة خاطفة تلك التي يمكثونها قبيل الآخرة. وإنها لتافهة لا تترك وراءها من الوقع والأثر في النفوس إلا مثلما تتركه ساعة من نهار.. ثم يلاقون المصير المحتوم. ثم يلبثون في الأبد الذي يدوم. وما كانت تلك الساعة إلا بلاغا قبل أن يحق الهلاك والعذاب الأليم: (بلاغ. فهل يهلك إلا القوم الفاسقون).. لا. وما الله يريد ظلما للعباد. لا. وليصبر الداعية على ما يلقاه. فما هي إلا ساعة من نهار. ثم يكون ما يكون ...

...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فاصبر كما صبروا. وأولوا العزم: أصحاب العزم، أي المتصفون به. والعزم: نية محققة على عمل أو قول دون تردد...

.وعلى هذا تكون {مِن} في قوله: {من الرسل} تبعيضية. وعن ابن عباس أنه قال: كل الرسل أولو عزم، وعليه تكون {مِن} بيانية. وهذه الآية اقتضت أن محمداً صلى الله عليه وسلم من أولي العزم لأن تشبيه الصبر الذي أمر به بصبر أولي العزم من الرسل يقتضي أنه مثلهم لأنه ممتثل أمر ربه، فصبره مثيل لصبرهم، ومَن صَبَرَ صَبْرَهم كان منهم لا محالة. وأعقبَ أمره بالصبر بنهيه عن الاستعجال للمشركين، أي الاستعجال لهم بالعذاب، أي لا تطلب منا تعجيله لهم وذلك لأن الاستعجال ينافي العزم ولأن في تأخير العذاب تطويلاً لمدة صبر الرسول صلى الله عليه وسلم بكسب عزمه قوة. ومفعول {تستعجل} محذوف دل عليه المقام، تقديره: العذاب أو الهلاك. واللام في {لهم} لام تعدية فعل الاستعجال إلى المفعول لأجله، أي لا تستعجل لأجلهم، والكلام على حذف مضاف إذ التقدير: لا تستعجل لهلاكهم. وجملة {كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} تعليل للنهي عن الاستعجال لهم بالعذاب بأن العذاب واقع بهم فلا يؤثر في وقوعه تطويل أجله ولا تعجيله... و {من نهار} وصف الساعة، وتخصيصها بهذا الوصف لأن ساعة النهار تبدو للناس قصيرة لما للناس في النهار من الشواغل بخلاف ساعة الليل تطول إذ لا يجد الساهر شيئاً يشغله. فالتنكير للتقليل...

. {بلاغ} خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا بلاغ، على طريقة العنوان ...

... {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون}...

. والإهلاك مستعمل في معنييه الحقيقي والمجازي، فإن ما حكي فيما مضى بعضه إهلاك حقيقي مثل ما في قصة عاد، وما في قوله: {ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى}، وبعضه مجازي وهو سوء الحال، أي عذاب الآخرة: وذلك فيما حكي من عذاب الفاسقين. وتعريف {القوم} تعريف الجنس، وهو مفيد العموم، أي كل القوم الفاسقين فيعم مشركي مكة الذين عناهم القرآن فكان لهذا التفريع معنى التذييل. والتعبير بالمضارع في قوله: {فهل يُهلَك} على هذا الوجه لتغليب إهلاك المشركين الذي لمّا يقَعْ على إهلاك الأمم الذين قبلهم. ولك أن تجعل التعريف تعريف العهد، أي القوم المتحدث عنهم في قوله: {كأنهم يوم يرون ما يوعدون} الآية، فيكون إظهاراً في مقام الإضمار للإيماء إلى سبب إهلاكهم أنه الإشراك. والمراد بالفسق هنا الفسق عن الإيمان وهو فسق الإشراك. وأفاد الاستثناء أن غيرهم لا يهلكون هذا الهلاك، أو هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} فإن الدعوة التي تسعى إلى التغيير الشامل للحياة وللإنسان، فكرياً وعملياً، لا بد من أن تصطدم بألوف العقبات، وتواجه الكثير من المشاكل، وتلتقي بالصعوبات الكبيرة في ساحة التحديات، لتصل إلى بعض النتائج الإيجابية الحاسمة مرحلياً أو بشكل كامل. ولست بأوّل الرسل الذين يواجههم قومهم، أو تستقبلهم أمتهم بالكفر والتكذيب والعناد والاضطهاد، فاصبر كما صبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام)، الذين ذكرهم حديث أئمة أهل البيت بأنهم هم أولو العزم، أو كما صبر الرسل من قبلك، فقد جاء عن بعض المفسرين أن أولي العزم هم جميع الرسل، ولا تتعقد وتنفعل، أو تتراجع، وتابع مسيرتك حتى النهاية، {وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} العذاب فتدعو عليهم، نتيجة ضيق صدرك بهم في بعض الحالات، فإن هناك أملاً في هدايتهم للإيمان بالله والالتزام بدينه. فبعض الناس قد يحتاج إلى أمدٍ طويلٍ لتخفيف مقاومته النفسية، أو لإبعاده عن المؤثرات العاطفية، أو الرواسب التاريخية، أو فصله عن الجو الذي يعيش فيه، وغيرها من عوامل تفرض عليه عدم الإذعان للحق، ولذلك فلا بد للدعاة إلى الله من أن يرسموا خططاً متحركة على مستوى المراحل والظروف من الزمان والمكان والأشخاص، لاحتواء الساحة كلها في جميع الأوضاع. أمّا إذا أصروا على الكفر والعناد، فإن الله سوف يجمعهم لعذابه، فلا داعي لاستعجال العذاب، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب {لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} لأن الإحساس بالحاضر الذي يختزن العذاب في داخله، ويحرق بناره كل حياة الإنسان، سوف يختصر الزمن كله في إحساس الإنسان، بحيث لا يشعر إلاّ وكأنه لم يلبث إلا ساعةً من نهار، هذا {بَلاغٌ} للناس {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} الذين استحقوا الهلاك بفسقهم في العقيدة وفي العمل؟...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) فلست الوحيد الذي واجه مخالفة هؤلاء القوم وعداوتهم، فقد واجه أولو العزم هذه المشاكل وثبتوا أمامها واستقاموا،...

وخلاصة القول: إنّ الأمر كان وما يزال كذلك ما كانت الدنيا، ولا يمكن التغلب على هذه المشاكل إلاّ بقوّة الصبر والاستقامة والثبات...

. فقد أطلق على هذه الفئة من الأنبياء (أولو العزم) والآية مورد البحث إشارة إلى هذا المعنى ظاهراً. وهي تشير ضمناً إلى أن نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الفئة، لأنّها تقول: (فاصبر كما صبر أولو العزم). وإذا كان البعض قد فسّر العزم والعزيمة بمعنى الحكم والشريعة فمن هذه الجهة، وإلاّ فإنّ كلمة العزم لم تأتِ في اللغة بمعنى الشريعة ...

...

(ولا تستعجل لهم) أي للكفار لأنّ القيامة ستحل سريعاً، وسيرون بأعينهم ما أطلقوه عليها وادعوه فيها، ويجزون أشدّ العذاب، وعندها سيطلعون على أخطائهم، ويعرفون ما كانوا عليه من الضلالة والغي. إنّ عمر الدنيا قصير جدّاً بالنسبة إلى عمر الآخرة، حتى: (كأنّهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار). إنّ هذا الإحساس بقصر عمر الدنيا بالنسبة إلى الآخرة، إمّا بسبب أنّ هذه الحياة ليست إلاّ ساعة أمام تلك الحياة الخالدة حقيقة وواقعاً، أو لأنّ الدنيا تنقضي عليهم سريعاً حتى كأنّها لم تكن إلاّ ساعة، أو من جهة أنّهم لا يرون حاصل كلّ عمرهم الذي لم يستغلوه ويستفيدوا منه الاستفادة الصحيحة إلاّ ساعة لا أكثر. هنا سيغطي سيل الأحزان والحسرة قلوب هؤلاء، ولات حين ندم، إذ لا سبيل الى الرجوع... وهذا يوحي بأنّ التعبير بالساعة لا تعني مقدار الساعة المتعارفة، بل هو إشارة إلى الزمان القليل القصير. ثمّ تضيف الآية كتحذير لكلّ البشر «بلاغ» لكلّ أُولئك الذين خرجوا عن خط العبودية لله تعالى.. لأولئك الغارقين في بحر الحياة الدنيا السريعة الزوال والفناء، والعابدين شهواتها.. وأخيراً هو بلاغ لكلّ سكان هذا العالم الفاني. وتقول في آخر جملة تتضمن استفهاماً عميق المعنى، وينطوي على التهديد: (فهل يهلك إلاّ القوم الفاسقون).

...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

قوله تعالى : " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " وقال ابن عباس : ذوو الحزم والصبر ، قال مجاهد : هم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم الصلاة والسلام . وهم أصحاب الشرائع . وقال أبو العالية : إن أولي العزم : نوح ، وهود ، وإبراهيم . فأمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام أن يكون رابعهم . وقال السدي : هم ستة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وسليمان ، وعيسى ، ومحمد ، صلوات الله عليهم أجمعين . وقيل : نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وموسى ، وهم المذكورون على النسق في سورة " الأعراف والشعراء " . وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه مدة . وإبراهيم صبر على النار . وإسحاق صبر على الذبح . ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر . ويوسف صبر على البئر والسجن . وأيوب صبر على الضر . وقال ابن جريج : إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب ، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم . وقال الشعبي والكلبي ومجاهد أيضا : هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة . وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة " الأنعام " وهم ثمانية عشر : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهرون ، وزكرياء ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط . واختاره الحسن بن الفضل لقوله في عقبه : " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " {[13888]} [ الأنعام : 90 ] وقال ابن عباس أيضا : كل الرسل كانوا أولي عزم . واختاره علي بن مهدي الطبري ، قال : وإنما دخلت " من " للتجنيس لا للتبعيض ، كما تقول : اشتريت أردية من البز وأكسية من الخز . أي اصبر كما صبر الرسل . وقيل : كل الأنبياء أولو عزم إلا يونس بن متى ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يكون مثله ، لخفة وعجلة ظهرت منه حين ولى مغاضبا لقومه ، فابتلاه الله بثلاث : سلط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله ، وسلط الذئب على ولده فأكله ، وسلط عليه الحوت فابتلعه ، قال أبو القاسم الحكيم .

وقال بعض العلماء : أولو العزم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله إليهم الأنبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل ، فشق ذلك على المرسلين فأوحى الله إليهم اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل ، وإن شئتم نجيتكم وأنزلت العذاب ببني إسرائيل ، فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي الله بني إسرائيل ، فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب . وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات ، ومنهم من حرق بالنار . والله أعلم . وقال الحسن : أولو العزم أربعة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وعيسى ، فأما إبراهيم فقيل له : " أسلم قال أسلمت لرب العالمين " {[13889]} [ البقرة : 131 ] ثم ابتلي في ماله وولده ووطنه ونفسه ، فوجد صادقا وافيا في جميع ما ابتلي به . وأما موسى فعزمه حين قال له قومه : " إنا لمدركون . قال كلا إن معي ربي سيهدين " {[13890]} [ الشعراء : 61 ] . وأما داود فأخطأ خطيئته فنبه عليها ، فأقام يبكي أربعين سنة حتى نبتت من دموعه شجرة ، فقعد تحت ظلها . وأما عيسى فعزمه أنه لم يضع لبنة على لبنة وقال : " إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها " . فكأن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : اصبر ، أي كن صادقا فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم ، واثقا بنصرة مولاك مثل ثقة موسى ، مهتما بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود ، زاهدا في الدنيا مثل زهد عيسى . ثم قيل هي : منسوخة بآية السيف . وقيل : محكمة ، والأظهر أنها منسوخة ، لأن السورة مكية . وذكر مقاتل : أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فأمره الله عز وجل أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم من الرسل ، تسهيلا عليه وتثبيتا له . والله أعلم .

قوله تعالى : " ولا تستعجل لهم " قال مقاتل : بالدعاء عليهم . وقيل : في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة . ومفعول الاستعجال محذوف ، وهو العذاب . " كأنهم يوم يرون ما يوعدون " قال يحيى : من العذاب . النقاش : من الآخرة . " لم يلبثوا " أي في الدنيا حتى جاءهم العذاب ، وهو مقتضى قول يحيى . وقال النقاش : في قبورهم حتى بعثوا للحساب . " إلا ساعة من نهار " يعني في جنب يوم القيامة . وقيل : نساهم هول ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا . " بلاغ " أي هذا القرآن بلاغ ، قاله الحسن . ف " بلاغ " رفع على إضمار مبتدأ ، دليله قوله تعالى : " هذا بلاغ للناس ولينذروا به " {[13891]} [ إبراهيم : 52 ] ، وقوله : " إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين " {[13892]} [ الأنبياء : 106 ] . والبلاغ بمعنى التبليغ . وقيل : أي إن ذلك اللبث بلاغ . قاله ابن عيسى . فيوقف على هذا على " بلاغ " وعلى " نهار " . وذكر أبو حاتم أن بعضهم وقف على " ولا تستعجل " ثم ابتدأ " لهم " على معنى لهم بلاغ . قال ابن الأنباري : وهذا خطأ ، لأنك قد فصلت بين البلاغ وبين اللام ، - وهي رافعة - بشيء ليس منهما . ويجوز في العربية : بلاغا وبلاغ ، النصب على معنى إلا ساعة بلاغا ، على المصدر أو على النعت للساعة . والخفض على معنى من نهار بلاغ . وبالنصب قرأ عيسى بن عمر والحسن . وروي عن بعض القراء " بلغ " على الأمر ، فعلى هذه القراءة يكون الوقف على " من نهار " ثم يبتدئ " بلغ " . " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " أي الخارجون عن أمر الله ، قاله ابن عباس وغيره . وقرأ ابن محيصن " فهل يهلك إلا القوم " على إسناد الفعل إلى القوم . وقال ابن عباس : إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها ، وهي : بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم ، سبحان الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها " {[13893]} [ النازعات : 46 ] . " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " صدق الله العظيم . وعن قتادة : لا يهلك الله إلا هالكا مشركا{[13894]} . وقيل : هذه أقوى آية في الرجاء . والله أعلم .


[13888]:آية 90 سورة الأنعام.
[13889]:آية 131 سورة البقرة.
[13890]:آية 61 سورة الشعراء.
[13891]:آخر سورة إبراهيم.
[13892]:آية 106 سورة الأنبياء.
[13893]:آخر سورة النازعات.
[13894]:في تفسير الطبري: "تعلموا ما يهلك على الله إلا هالك ولّى الإسلام ظهره، أو منافق صدق بلسانه وخالف بعمله".
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي : اصبر على تكذيب قومك وأولوا العزم هم نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ، وقيل : هم الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام لقوله : { فبهداهم اقتده } [ الأنعام : 90 ] ، وقيل : كل من لقي من أمته شدة وقيل : الرسل كلهم أولوا عزم فمن الرسل على هذا لبيان الجنس وعلى الأقوال المتقدمة للتبعيض .

{ ولا تستعجل لهم } أي : لا تستعجل نزول العذاب بهم فإنهم صائرون إليه فإنهم إذا أهلكوا كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار لاستقصار أعمارهم .

{ بلاغ } خبر ابتداء مضمر تقديره هذا الذي وعظتم به بلاغ بمعنى كفاية في الموعظة أو بلاغ من الرسول عليه الصلاة والسلام أي : بلغ هذه المواعظ والبراهين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (35)

ولما علم بما قام من الأدلة وانتصب من القواطع أن هذا مآلهم ، سبب عنه قوله رداً على ما بعد خلق الخافقين في مطلعها من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبتهم له إلى الافتراء وما بعده : { فاصبر } أي على مشاق ما ترى في تبليغ الرسالة ، قال القشيري : والصبر هو الوقوف بحكمِ الله والثبات من غير بث ولا استكراه . { كما صبر أولوا العزم } أي الجد في الأمر والحزم في الجد والإرادة المقطوع بها والثبات الذي لا محيد عنه ، الذين مضوا في أمر{[59206]} الله مضياً كأنهم أقسموا عليه فصاروا كالأسد{[59207]} في جبلته{[59208]} والرجل الشديد الشجاع المحفوف بقبيلته ، قال الرازي في اللوامع : فارقت نفوسهم الشهوات والمنى فبذلوا نفوسهم لله صدقاً لاتفاق{[59209]} النفس القلب على البذل .

ولما تشوف السامع-{[59210]} إلى بيانهم قال : { من الرسل } عليهم الصلاة والسلام ، وقيل وهو ظاهر جداً : أن " من " للتبعيض ، والمراد بهم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيس قواعدها وتثبيت معاقدها ، ومشاهيرهم{[59211]} نوح وإبراهيم وموسى وعيسى{[59212]} صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد نظمهم بعضهم في قوله :

أولو العزم نوح والخليل بن آزر *** وموسى وعيسى والحبيب محمد

والخلاف في تعيينهم كثير منتشر هذا{[59213]} القول أشهر ما فيه ، وكله مبني على أن " من " للتبعيض وهو الظاهر ، والقول بأنهم جميع الرسل - قال ابن الجوزي - قاله ابن زيد واختاره ابن الأنباري وقال : " من " للتجنيس لا للتبعيض ، وفي قول أنهم جميع الأنبياء إلا يونس عليه الصلاة والسلام - قال ابن الجوزي : حكاه الثعلبي .

ولما أمره بالصبر الذي هو من أعلى الفضائل ، نهاه عن العجلة التي هي من أمهات الرذائل ، ليصح التحلي بفضيلة الصبر الضامنة للفوز والنصر فقال : { ولا تستعجل لهم } أي تطلب العجلة وتوجدها بأن تفعل شيئاً مما يسوءهم في غير حينه الأليق به . ولما كان ما أمر به ونهى عنه في غاية الصعوبة ، سهله بقوله مستأنفاً : { كأنهم يوم يرون } أي في الدنيا عند الموت مثلاً أو في الآخرة {[59214]}وقت العرض والحساب والهول الأعظم الأكبر الذي تقدمت الإشارة إليه جداً والتحذير منه لأهل المعاصي والبشارة فيه لأهل الطاعة ، فأما هذه الطائفة فإذا رأوا{[59215]} { ما يوعدون } من ظهور الدين في الدنيا والبعث في الآخرة{[59216]} ، وبناه للمفعول لأن المنكىء هو الإيعاد لا كونه من معين{[59217]} { لم يلبثوا } أي في الدنيا حيث كانوا عالين{[59218]} { إلا ساعة } .

ولما كانت الساعة قد يراد بها الجنس وقد تطلق على الزمن الطويل ، حقق أمرها وحقرها بقوله : { من نهار } ولما تكفل ما ذكر في هذه السورة من الحجج الظاهرة والبراهين الباهرة ببيان ما هو مقصودها بحيث لم يبق فيه لبس ، وكان مقصودها آئلاً{[59219]} إلى سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهو التوحيد اللازم منه إحاطة العلم بكل شيء وشمول القدرة لكل شيء ختمت{[59220]} بما ختمت به إبراهيم إلا أن لحواميم لباباً ، حذف المبتدأ ومتعلق الخبر وقيل : { بلاغ } أي هذا الذي-{[59221]} ذكر هنا هو-{[59222]} من الظهور وانتشار النور بحيث يرد المنذرين ويوصلهم إلى رضى العزيز الحكيم الكافل بالنور الدائم والنعيم المقيم ، ومن لم يوصله فذلك الذي حكم العزيز بشقائه فلا حيلة لغيره في شفائه من عظيم دائه ، ولذلك سبب عن كونه بلاغاً قوله زيادة على ختام إبراهيم ما يناسب مطلعها : { فهل يهلك } بني للمفعول من أهلك{[59223]} ، لأن المحذور الهلاك وإن لم يعين المهلك{[59224]} ، وللدلالة على أن إهلاكهم عليه سبحانه وتعالى يسير جداً { إلا القوم } الذين فيهم أهلية القيام بما يحاولونه من اللدد{[59225]} { الفاسقون * } أي العريقون في إدامة الخروج من محيط ما يدعو إليه هادي العقل والفطرة الأولى من الطاعة الآتي بها النقل إلى مضل المعصية الناهي عنها النقل والعقل ، وأما الذين فسقوا والذين يفسقون فإن هادي هذه السورة يردهم ويوصلهم إلى المقصود ، فهذا الآخر نتيجة قوله أولها { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } وذكر اليوم الموعود{[59226]} هو الأجل الذي{[59227]} أوجد الخافقان{[59228]} {[59229]}لأجله و{[59230]}بسببه والدلالة على القدرة بخلقهما{[59231]} من غير إعياء هو ذكره أولهما أنهما ما خلقا إلا بالحق ، وذكر البلاغ هو تنزيل الكتاب من الله وحكمه على العريق بالفسق بالهلاك مع الهادي الشفيق ولغيره{[59232]} بالنجاة بعد{[59233]} انسيابه في الفسق مع التكرر{[59234]} هو من ثمرات العزة والحكمة ، فقد التحم هذا الآخر بذاك الأول أيّ التحام ، واتصل{[59235]} بمعناه اتصال الجوهر النفيس في متين النظام ، والتأم بأول{[59236]} التي تليها أحسن التئام{[59237]} فسبحان من جعله{[59238]} أشرف الكلام ، لكونه صفة الملك العلام ، منزلاً{[59239]} على خاتم الرسل الكرام ، {[59240]}ورسول - الملك العلام - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأهل بيته الكرام وسلم تسليماً كثيراً{[59241]} .

ختام السورة:

فهذا الآخر نتيجة قوله أولها { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } وذكر اليوم الموعود هو الأجل الذي أوجد الخافقان لأجله وبسببه والدلالة على القدرة بخلقهما من غير إعياء هو ذكره أولهما أنهما ما خلقا إلا بالحق ، وذكر البلاغ هو تنزيل الكتاب من الله وحكمه على العريق بالفسق بالهلاك مع الهادي الشفيق ولغيره بالنجاة بعد انسيابه في الفسق مع التكرر هو من ثمرات العزة والحكمة ، فقد التحم هذا الآخر بذاك الأول أيّ التحام ، واتصل بمعناه اتصال الجوهر النفيس في متين النظام ، والتأم بأول التي تليها أحسن التئام فسبحان من جعله أشرف الكلام ، لكونه صفة الملك العلام ، منزلاً على خاتم الرسل الكرام ، ورسول - الملك العلام - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأهل بيته الكرام وسلم تسليماً كثيراً .


[59206]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: سبيل.
[59207]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: كالإصرار-كذا.
[59208]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: جملته.
[59209]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لا يقان.
[59210]:زيد من ظ و م ومد.
[59211]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: مشاهيرها.
[59212]:زيد في الأصل: وبمحمد، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59213]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: فهذا.
[59214]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59215]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59216]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الأرض.
[59217]:في الأصول: معينه.
[59218]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: عالمين.
[59219]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: إيماء.
[59220]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: ختم.
[59221]:زيد من م ومد.
[59222]:زيد من م ومد.
[59223]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أكمل الملك.
[59224]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الملك.
[59225]:زيد في الأصل: وهم، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59226]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: الموجود.
[59227]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: خلق الخافقين
[59228]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: خلق الخافقين.
[59229]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59230]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59231]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لغير خلقهما.
[59232]:ن م ومد، وفي الأصل و ظ: مسره.
[59233]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: مع.
[59234]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: التكر دو.
[59235]:من م ومد وفي الأصل و ظ: اتصال
[59236]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: بالأول أعنى أول.
[59237]:زيد في الأصل: بقوله "فهل يهلك إلا القوم الفاسقون الذين كفروا" إلى آخره، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59238]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: جعل.
[59239]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: منزل.
[59240]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59241]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.