وفي ظلال هذا المشهد كذلك يتوجه بالتثبيت للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] تجاه جدلهم وتكذيبهم في هذه الحقيقة الواضحة المشهودة بعين الضمير :
( نحن أعلم بما يقولون . وما أنت عليهم بجبار . فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) . .
( نحن أعلم بما يقولون ) . . وهذا حسبك . فللعلم عواقبه عليهم . . وهو تهديد مخيف ملفوف .
( وما أنت عليهم بجبار ) . . فترغمهم على الإيمان والتصديق . فالأمر في هذا ليس إليك . إنما هو لنا نحن ، ونحن عليهم رقباء وبهم موكلون . .
( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) . . والقرآن يهز القلوب ويزلزلها فلا يثبت له قلب يعي ويخاف ما يواجهه به من حقائق ترجف لها القلوب . على ذلك النحو العجيب .
وحين تعرض مثل هذه السورة ، فإنها لا تحتاج إلى جبار يلوي الأعناق على الإيمان . ففيها من القوة والسلطان ما لا يملكه الجبارون . وفيها من الإيقاعات على القلب البشري ما هو أشد من سياط الجبارين ! وصدق الله العظيم . .
بجبار : بمسيطر ومسلط ، إنما أنت داع ومنذر .
45- { نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } .
فالعلم الكامل لله تعالى ، فهو عالم بأقوال الكافرين ، حيث ينكرون البعث ، ولا يصدقون بالقرآن ، ويتهمون محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو كاهن أو مجنون أو مفتر ، فالآية تسرِّي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتخبره بأن عليه البلاغ ، وليس عليه الهداية .
قال تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر * فيعذبه الله العذاب الأكبر * إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم } . ( الغاشية : 21- 26 ) .
{ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } .
اقرأ هذا الكتاب ، وأرشد به الناس ، وخوف هؤلاء المنكرين رجاء أن تلين قناتهم ، وأن ترتدع نفوسهم .
لقد لون الله تعالى في أسلوب هذا الكتاب ، فتراه أحيانا يكون رقيقا هادئا في قصصه وتشريعه ، وبيان رحمة الله ومغفرته ، وأحيانا تراه قويا عاصفا في حديثه عن القيامة وأهوالها ، والبعث والحشر والحساب والجزاء ، لأن من النفوس من يؤنسها الوعد ، ويرضيها الهدوء واليسر ، ومن النفوس الجامحة من تحتاج معه إلى الشدة والوعيد ، لترى القيامة وأهوالها حتى تفيق من سباتها .
وقد اشتمل القرآن الكريم على الوعد بالجنة ونعيمها للمتقين ، ووصف الجنة ، وأنهارها وأشجارها ، وثمارها وحورها وولدانها ، ورضوان الله فيها ، ترغيبا للناس في نعيمها .
كما وصف الله النار ولهيبها ، ويحمومها وغسلينها ، وعذاب أهلها ، وغضب الجبار على الكافرين والمنافقين ، حتى يهدهد كبرياء المبطلين ، ويضع الحقيقة كاملة أمام الإنسان في هذه الدنيا ، فلا يحتج يوم القيامة بأن الرسل لم تبلغه ، وأن الكتب السماوية لم تصف له عذاب الآخرة حتى يأخذ حذره ويفيق من غفلته .
قال تعالى : { ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى } . ( طه : 134 ) .
والأصل أن القرآن تذكرة للراغب في الجنة ، وتحذير للكافر بالنار ، لكنه هنا ذكر التذكير بالقرآن لمن يخاف وعيد الله ، في مجابهة المشركين والكافرين .
قال تعالى : { بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } . ( فصلت : 4 ) .
وقال عز شأنه : { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا } . ( الأحزاب : 45 ، 46 ) .
وقال تعالى : { وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا } . ( طه : 113 ) .
اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ، ويرجو موعودك ، يا بار يا رحيم .
اللهم ارزقنا الجنة ، وما قرب إليها من قول وعمل ، اللهم ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ، إنها ساءت مستقرا ومقاما ، اللهم اجعل عملنا خالصا لوجهك ، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلمه ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، وصلّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .
1- إنكار المشركين للنبوة والبعث .
2- الحث على النظر في السماء وزينتها وبهجة بنائها ، وفي الأرض وجبالها وزروعها وأمطارها .
3- الاعتبار بالدول الهالكة كعاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبع ، وما استحقوا من وعيد وعذاب .
4- الله خالق الإنسان ، وهو العليم به وبأعماله ، وبيان أنه محوط بالكرام الكاتبين يحصون أعماله ، ويرقبون أحواله ، وسيأتيه الموت حتما ، وسيحاسب على كل ما قدم .
5- ما خلق الله السماوات والأرض باطلا .
6- القرآن عظة وعبرة لمن كان له قلب واع يستمع ما يلقى إليه سماع متأمل يقظ .
7- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يقوله المشركون من إنكار البعث ، وتهديدهم على ذلك .
8- أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسبيح أناء الليل وأطراف النهار .
9- أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذكِّر بالقرآن من يخاف وعيد الله ويخشى عقابه .
وكان الفراغ من تفسير سورة ( ق ) عشية يوم الاثنين 28 /5 /1421 ه ، الموافق 28 / 8 / 2000م بمدينة مرسى مطروح ( فندق الأبيض للقوات المسلحة المصرية ) ، جمهورية مصر العربية .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصل اللهم على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
11 في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب 26/154 .
2 بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزبادي ، تحقيق الأستاذ محمد علي النجار 1/437 ، طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -القاهرة .
3 كان يقرأ في العيد ب ق واقتربت :
رواه مسلم في صلاة العيدين ( 891 ) ، وأبو داود في الصلاة ( 1154 ) والترمذي في الجمعة ( 534 ) والنسائي في صلاة العيدين ( 1567 ) وابن ماجة في إقامة الصلاة ( 1282 ) من حديث عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر ؟ فقال : كان يقرأ فيهما ب ق والقرآن المجيد ، واقتربت الساعة وانشق القمر .
رواه البخاري في الجهاد ( 2889 ) من حديث أنس بن مالك ، قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم راجعا وبدا له أحد قال : ( هذا جبل يحبنا ونحبه ) ، ثم أشار بيده إلى المدينة ، وقال : ( اللهم إني أحرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهيم مكة ، اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا ) .
رواه البخاري في العلم ( 61 ) ومسلم في صفة القيامة ( 2811 ) من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ) ؟ فوقع الناس في شجر البوادي ، قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت ، ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال ( هي النخلة ) .
6 لا تمروا على قرى القوم الذين ظلموا أنفسهم :
رواه البخاري في الصلاة ( 415 ) ، وفي أحاديث الأنبياء ( 312 ، 313 ) ، وفي المغازي ( 4076 ، 4086 ) ، وفي تفسير القرآن ( 4333 ) ، ومسلم في الزهد ( 5292 ، 5293 ) ، وأحمد ( 4333 ، 4974 ، 5090 ) ، من حديث عبد الله بن عمر بلفظ : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين . . . ) الحديث .
7 انظر التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث بالأزهر ، وتفسير الألوسي لقوله تعالى : { أهم خير أم قوم تبع } . ( الدخان : 37 ) .
8 يشتمني ويكذبني وما ينبغي له :
رواه البخاري في بدء الخلق ( 3193 ) ، وأحمد في مسنده ( 8870 ) من حديث أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أراه قال الله تعالى : ( يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ، ويكذبني وما ينبغي له ، أما شتمه فقوله إن لي ولدا ، وأما تكذيبه فقوله ليس يعيدني كما بدأني ) .
رواه البخاري في الأيمان والنذور ( 6664 ) وابن ماجة في الطلاق ( 2040 ، 2044 ) ، ( 7421 ) من حديث أبي هريرة يرفعه قال : ( إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم ) .
10 لا إله إلا الله إن للموت سكرات :
رواه البخاري في المغازي ( 4449 ) من حديث عائشة أنها كانت تقول : إن من نعم الله عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته دخل علي عبد الرحمان وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك ، فقلت : آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتد عليه وقلت : ألينه لك ، وأشار برأسه أن نعم ، فلينته فأمره وبين يده ركوة أو علبة -يشك عمر- فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيسمح بهما وجهه ويقول : ( لا إله إلا الله إن للموت سكرات ) ، ثم نصب يده فجعل يقول : ( في الرفيق الأعلى ) حتى قبض ومالت يده .
11 يلقى في النار ( وتقول هل من مزيد ) :
رواه البخاري في التفسير ( 4848 ) من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( يلقى في النار{ وتقول هل من مزيد } حتى يضع قدمه فتقول : قط قط ) .
12 تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار :
رواه مسلم في الجنة ( 2847 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت : الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ، قال الله للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة ملؤها ، فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله فتقول : قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقا ) ، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( احتجت الجنة والنار . . . ) فذكر نحو حديث أبي هريرة إلى قوله : ( ولكليكما على ملؤها ) . ولم يذكر ما بعدها من الزيادة .
13 أخرجه البخاري في صحيحه ، والحديث كاملا هو : قال صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إماما عادل ، وشاب نشأ في طاعة الله تعالى ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ؛ فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ) .
14 أمره أن يسبح في أدبار الصلوات :
رواه البخاري في التفسير ( 4852 ) من حديث ابن عباس : أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها ، يعني قوله : { وأدبار السجود } .
رواه مسلم في الزكاة ( 1006 ) من حديث أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : ( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ، إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة ، وفي بضع أحدكم صدقة ) ، قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ) .
16 يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل :
رواه البخاري في مواقيت الصلاة ( 555 ) ، وفي التوحيد ( 7429 ، 7486 ) ، ومسلم في المساجد ( 632 ) ، والنسائي في الصلاة ( 485 ) ، وأحمد ( 27336 ، 9936 ) ، ومالك في النداء للصلاة ( 413 ) ، من حديث أبي هريرة بلفظ : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار . . ) الحديث ، ورواه البخاري في الأذان ( 649 ) ، وفي تفسير القرآن ( 4717 ) ، ومسلم في المساجد ( 649 ) ، والترمذي في التفسير ( 3135 ) ، والنسائي في الصلاة ( 486 ) ، وابن ماجة في الصلاة ( 670 ) ، وأحمد ( 7145 ، 7557 ، 9783 ) من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ : ( فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح ) ، يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } .
{ نحن أعلم بما يقولون } : أي من الكفر والباطل فلا تيأس لذلك سننتقم منهم .
{ وما أنت عليهم بجبار } : أي بحيث تجبرهم على الإِيمان والتقوى .
{ فذكر بالقرآن } : أي عظ مرغبا مرهبا بالقرآن فاقرأه على المؤمنين فهم الذين يخافون وعيد الله تعالى ويطمعون في وعده .
وقوله { نحن أعلم ما يقولون } فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وفيه تهيد لكفار قريش . وقوله { وما أنت عليهم بجبار } أي بذي قوة وقدرة فائقة تجبرهم بها على الإيمان الاستقامة وعليه فمهمتك ليست الإِجبار وأنت عاجز عنه وإنما هي التذكير { فذكر بالقرآن } إذا { من يخاف وعيد } وهم المؤمنون الصادقون والمسلمون الصالحون .
قوله تعالى : " نحن أعلم بما يقولون " أي من تكذيبك وشتمك . " وما أنت عليهم بجبار " أي بمسلط تجبرهم على الإسلام ، فتكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال . والجبار من الجبرية والتسلط إذ لا يقال جبار بمعنى مجبر ، كما لا يقال خراج بمعنى مخرج ، حكاه القشيري . النحاس : وقيل معنى جبار لست تجبرهم ، وهو خطأ ؛ لأنه لا يكون فعال من أفعل . وحكى الثعلبي : وقال ثعلب قد جاءت أحرف فَعَّال بمعنى مُفْعِل وهي شاذة ، جبار بمعنى مجبر ، ودراك بمعنى مدرك ، وسراع بمعنى مسرع ، وبكاء بمعنى مبك ، وعداء بمعنى معد . وقد قرئ " وما أهديكم إلا سبيل الرشاد{[14191]} " [ غافر : 29 ] بتشديد الشين بمعنى المرشد وهو موسى . وقيل : هو الله . وكذلك قرئ " أما السفينة فكانت لمساكين{[14192]} " [ الكهف : 79 ] يعني ممسكين . وقال أبو حامد الخارزنجي{[14193]} : تقول العرب : سيف سَقَّاط بمعنى مسقط . وقيل : " بجبار " بمسيطر كما في الغاشية{[14194]} " لست عليهم بمصيطر " [ الغاشية : 21 ] . وقال الفراء : سمعت من العرب من يقول جبره على الأمر أي قهره ، فالجبار من هذه اللغة بمعنى القهر صحيح . قيل : الجبار من قولهم جبرته على الأمر أي أجبرته وهي لغة كنانية وهما لغتان . الجوهري : وأجبرته على الأمر أكرهته عليه ، وأجبرته أيضا نسبته إلى الجبر ، كما تقول أكفرته إذا نسبته إلى الكفر{[14195]} . " فذكر بالقرآن من يخاف وعيد " قال ابن عباس : قالوا يا رسول الله لو خوفتنا فنزلت : " فذكر بالقرآن من يخاف وعيد " أي ما أعددته لمن عصاني من العذاب ، فالوعيد العذاب والوعد الثواب ، قال الشاعر :
وإني وإن أَوْعَدْتُه أو وَعَدْتُه *** لمُخْلِفٌ إيعادي ومنجزٌ مَوْعِدِي
وكان قتادة يقول : اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجو موعدك . وأثبت الياء في " وعيدي " يعقوب في الحالين ، وأثبتها ورش في الوصل دون الوقف ، وحذف الباقون في الحالين . والله أعلم . تم تفسير سورة " ق " والحمد لله .
ولما أقام سبحانه الأدلة على تمام قدرته وشمول علمه وختم بسهولته عليه واختصاصه به ، وصل تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بتهديدهم على تكذيبهم بالعلم الذي هو أعظم التهديد فقال : { نحن } أي لا غيرنا ولا هم أنفسهم { أعلم } أي من كل من يتوهم فيه العلم { بما يقولون } أي في الحال والاستقبال من التكذيب بالبعث وغيره مع إقرارهم بقدرتنا .
ولما كان التقدير : فنحن قادرون على ردهم عنه بما لنا من العلم المحيط وأنت لهم منذير تنذرهم وبال ذلك ، عطف عليه قوله : { وما أنت عليهم } ولما أفاد حرف الاستعلاء القهر والغلبة صرح به مؤكداً في النفي فقال : { بجبار } أي متكبر قهار عات تردهم قهراً عما تكره منهم من الأقوال والأفعال ، إنما أنت منذر ، ولما نفى عنه الجبروت ، أثبت لهم ما أفهمه واو العطف من النذارة كما قدرته قبله ، فقال مسبباً عنه معبراً بالتذكير الذي يكون عن نسيان لأن كل ما في القرآن من وعظ إذا تأمله الإنسان وجده شاهداً في نفسه أو فيما يعرفه من الآفاق { فذكر } أي بطريق البشارة والنذارة { بالقرآن } أي الجامع بمجده لكل خير المحيط كل صلاح { من يخاف وعيد * } أي يمكن خوفه ، وهو كل عاقل ، ولكنه ساقه هكذا إعلاماً بأن الذي يخاف بالفعل فيكشف الحال عن إسلامه هو المقصود بالذات ، وغيره إنما يقصد لإقامة الحجة عليه لا لدده ولا يؤسف عليه ولا يتأثر بتكذيبه بل يعتقد أنه عدم لا تضر عداوته ولا تنفع ولايته ، وما آذى إلا نفسه وكل من والاه في الدنيا والآخرة ، وهذا هو المجد للقرآن ولمن أنزله ولمن أتى به عنه بتمام قدرة من هو صفته وشمول علمه ، فقد انعطف هذا الآخر على ذلك-{[61267]} الأول أشد انعطاف ، والتفت فروعه بأصله أتم{[61268]} التفاف ، فاعترفت به أولو-{[61269]} براعة وأهل الإنصاف والاتصاف-{[61270]} بالتقدم في كل صناعة بالسبق الذي لا يمكن لحاقه أيّ اعتراف-{[61271]} . والله الهادي للصواب .