وعلى هذا المشهد الحاسم في مصير الذين كفروا ، وعلى مشهد الإيمان من أبناء عالم آخر . وفي ختام السورة التي عرضت مقولات الكافرين عن الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وعن القرآن الكريم . . يجيء الإيقاع الأخير . توجيها للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يصبر عليهم ، ولا يستعجل لهم ، فقد رأى ما ينتظرهم ، وهو منهم قريب :
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، ولا تستعجل لهم ، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار . بلاغ . فهل يهلك إلا القوم الفاسقون . . )
وكل كلمة في الآية ذات رصيد ضخم ؛ وكل عبارة وراءها عالم من الصور والظلال ، والمعاني والإيحاءات ، والقضايا والقيم .
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل . ولا تستعجل لهم . . )
توجيه يقال لمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] وهو الذي احتمل ما احتمل ، وعانى من قومه ما عانى . وهو الذي نشأ يتيما ، وجرد من الولي والحامي ومن كل أسباب الأرض واحدا بعد واحد . الأب . والأم . والجد . والعم . والزوج الوفية الحنون . وخلص لله ولدعوته مجردا من كل شاغل . كما هو مجرد من كل سند أو ظهير . وهو الذي لقي من أقاربه من المشركين أشد مما لاقى من الأبعدين . وهو الذي خرج مرة ومرة ومرة يستنصر القبائل والأفراد فرد في كل مرة بلا نصرة . وفي بعض المرات باستهزاء السفهاء ورجمهم له بالحجارة حتى تدمى قدماه الطاهرتان ، فما يزيد على أن يتوجه إلى ربه بذلك الابتهال الخاشع النبيل .
وبعد ذلك كله يحتاج إلى توجيه ربه : فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم . .
ألا إنه لطريق شاق طريق هذه الدعوة . وطريق مرير . حتى لتحتاج نفس كنفس محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في تجردها وانقطاعها للدعوة ، وفي ثباتها وصلابتها ، وفي صفائها وشفافيتها . تحتاج إلى التوجيه الرباني بالصبر وعدم الاستعجال على خصوم الدعوة المتعنتين .
نعم . وإن مشقة هذا الطريق لتحتاج إلى مواساة ، وإن صعوبته لتحتاج إلى صبر . وإن مرارته لتحتاج إلى جرعة حلوة من رحيق العطف الإلهي المختوم .
( فاصبر . كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم . .
تشجيع وتصبير وتأسية وتسلية . . ثم تطمين :
( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) . .
إنه أمد قصير . ساعة من نهار . وإنها حياة خاطفة تلك التي يمكثونها قبيل الآخرة . وإنها لتافهة لا تترك وراءها من الوقع والأثر في النفوس إلا مثلما تتركه ساعة من نهار . . ثم يلاقون المصير المحتوم . ثم يلبثون في الأبد الذي يدوم . وما كانت تلك الساعة إلا بلاغا قبل أن يحق الهلاك والعذاب الأليم :
( بلاغ . فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) . .
لا . وما الله يريد ظلما للعباد . لا . وليصبر الداعية على ما يلقاه . فما هي إلا ساعة من نهار . ثم يكون ما يكون . . .
أولوا العزم : أولو العزم من الرسل خمسة : نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد صلى الله عليه وسلم ، نظمهم الشاعر في قوله :
أولو العزم نوح والخليل الممجد *** وموسى وعيسى والحبيب محمد
لم يلبثوا إلا ساعة : كأنهم حين يرون العذاب لم يمكثوا في الدنيا إلا وقتا يسيرا من نهار ، لشدة العذاب وطول مدته .
بلاغ : أي أن ما وعظوا به كفاية في الموعظة .
35- { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } .
تأتي هذه الآية في ختام السورة ، سورة الأحقاف المكية ، وفيها أدلة التوحيد والقصص ، وحديث عن إيمان الجن ، ومناقشة الكافرين ، ثم توجه الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تدعوه إلى الصبر والمصابرة ، كما صبر أولو العزم من الرسل ، وهم أصحاب العزائم والثبات ، الذين اجتهدوا في تبليغ الشريعة ، وتأسيسها وتقريرها ، وصبروا على تحمل مشاق الدعوة ، ومعاداة الطاعنين فيها .
1- نوح صبر على أذى قومه مدة طويلة .
4- ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر .
5- ويوسف صبر على البئر والسجن .
وقال ابن عباس : كل الرسل كانوا أولي عزم ، أي : اصبر كما صبر الرسل .
وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في الآيات ( 83-87 ) من سورة الأنعام ، وهم ثمانية عشر :
إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهارون ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط . 27
وأشهر الآراء أن أولي العزم من الرسل خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم .
وكم صبر محمد صلى الله عليه وسلم وصابر ، وتحمل في مكة والطائف ، وطريق الهجرة وأعمال المدينة ، وسائر الغزوات ، حتى لقي ربه راضيا مرضيا ، فالآية تثبيت لصبره ، وتأكيد ومؤازرة ، وأيضا تهديد للكفار ، وهذا معنى :
لا تتعجل وقوع العذاب بهم في الدنيا ، فإن لهم موعدا لن يفلتوا منه : { فارتقب إنهم مرتقبون } . ( الدخان : 59 ) .
وقال مقاتل : لا تدع عليهم في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة .
{ كأنهم يوم يرون ما يوعدون . . . }
من العذاب في الآخرة ، لم يمكثوا في الدنيا أو في قبورهم إلا وقتا يسيرا ، لطول مدة عذاب الآخرة ، وامتداد عذابها أبد الآبدين ، ويزيد في طولها أنه لا أمل في النجاة ، ولا في الرجوع إلى الدنيا ، ولا في تخفيف العذاب .
{ بلاغ } . أي : بلغنا ، وقد أعذر من أنذر ، أو إن في هذا القرآن وما يحمل من صنوف الآيات ، وألوان الهداية ، ما يكفي في تبليغ الدعوة ، وفي فتح الأبواب لمن أراد أن يلج في طريق الهداية ، فكم فتح الله فيه من أبواب رحمته وهدايته ، وكم لون وصرف من طرق الهداية ، فلا يهلك على الله إلا هالك ، فما أوسع أبواب رحمته .
{ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } .
أي : لا يستحق الهلاك إلا خارج على طاعة الله ، معرض عن أسباب الهداية وما أكثرها ، فهذا الفاسق الخارج على طاعة الله ، الكافر بالله وألوان هدايته ، أهل للهلاك العادل : { وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } . ( النحل : 33 ) .
خلاصة ما اشتملت عليه سورة الأحقاف
1- إقامة الأدلة على التوحيد ، والرد على عبدة الأصنام .
2- المعارضات التي ابتدعها المشركون للنبوة ، والإجابة عنها ، وبيان فسادها .
3- ذكر حال أهل الإيمان والاستقامة ، وبيان أن جزاءهم الجنة .
4- ذكر وصايا للمؤمنين بإكرام الوالدين ، وبيان مشقة الأم في الحمل والوضع والرضاع .
5- بيان حال من انهمكوا في الدنيا وملذاتها .
6- قصص عاد ، وفيه أن الله أنعم عليهم بنعم متعددة ، فبطروا وأشروا وكفروا ، وعاندوا واستحقوا الهلاك .
7- استماع الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبليغهم إلى قومهم ما سمعوه .
8- عظة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين من أمته .
9- الأمر بالصبر ، وبيان قصر الدنيا وقلة نعيمها بالنسبة إلى نعيم الآخرة .
10- ما أوسع رحمة الله وفضله وفتحه الأبواب لكل عاص ، فلا يهلك إلا من رفض كل ألوان الهدى ، وخرج على طاعة الله ، وارتمى في أحضان الشهوات .
2 بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ، تأليف مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزبادي ، المتوفى سنة 817 ه ، تحقيق الأستاذ محمد علي النجار ( 1/248 ) . طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1383 ه .
رواه البخاري في الجنائز باب : الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه ( 1186 ) .
هم الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعد بن زيد ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وعبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهم .
5 تفسير القاسمي مجلد6 ، ص233 ، دار إحياء التراث العربي- بيروت ، لبنان .
6 انظر مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، مجلد 3 ، صفحة 317 ، واقرأ الحاشية بهذه الصفحة .
7 التفسير المنير : أ . د . وهبة الزحيلي جزء 26 ، ص 18 .
مسلم في الفتن ( 2889 ) ، والترمذي في الفتن ( 2176 ) ، وأبو داود في الفتن ( 2176 ) ، وابن ماجة في الفتن ( 3952 ) ، وأحمد( 5/278 ) ، ( 284 ) ، من حديث ثوبان ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
9 يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة :
رواه البخاري في الجهاد والسير ، باب : الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء ( 2636 ) ، ومسلم في الإمارة ، باب : فضل الغزو في البحر ( 1912 ) من حديث أنس مرفوعا : ( ناس من أمتي ، عرضوا على غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة ، أو : مثل الملوك على الأسرة ) .
10 إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط :
رواه مسلم في باب وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر ( 2543 ) من حديث أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما ، فإذا رأيتم رجلان يقتتلان في موضوع لبنة فاخرج منها ) .
11 أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى : قال السيوطي في الدر المنثور : وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده ، قال : ( خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب ، فخرجت لنا من الخندق صخرة بيضاء مدورة ، فكسرت حديدنا وشقت علينا ، فشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ المعول من سلمان ، فضرب الصخرة ضربة صدعها ، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتي المدينة حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثانية ، فصدعها وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها ، فكبر وكبر المسلمون ، ثم ضربها الثالثة ، فصدعها وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها ، فكبر وكبر المسلمون ، فسألناه ، فقال : أضاء لي في الأولى قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثانية قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، وأضاء لي في الثلاثة قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا بالنصر ) . فاستبشر المسلمون ، وقالوا : الحمد لله موعد صادق بأن وعدنا النصر بعد الحصر ، فطلعت الأحزاب ، فقال المسلمون : { هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } ، وقال المنافقون : ألا تعجبون ، يحدثكم ويعدكم ويمنيكم الباطل ، ويخبر أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنكم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا ، وأنزل القرآن في ذلك : { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا } .
12 كيف بك إذا لبست سواري كسرى :
ذكره المناوي في الفيض استشهادا ( 4110 ) فقال : قال له المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( كيف بك إذا لبست سواري كسرى ) فلبسهما زمن عمر ، وفيه أيوب بن سويد بن مسعود الحميري ضعفه ابن معين وغيره ، وذكر الهندي في كنز العمال ( 35752 ) عن الحسن أن عمر بن الخطاب أتى بفروة كسرى ابن هرمز فوضعت بين يديه ، وفي القوم سراقة بن مالك فأخذ عمر سواريه فرمى بها إلى سراقة ، فأخذهما فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه ، فقال : الحمد لله ، سوارا كسرى ابن هرمز في يدي سراقة بن مالك بن جشعم أعرابي من بنى مدلج ، ثم قال : اللهم إني قد علمت أن رسولك قد كان حريصا على أن يصيب مالا ينفقه في سبيلك وعلى عبادك فزويت عنه ذلك نظرا منك وخيارا ، اللهم إني قد علمت أن أبا بكر كان يحب مالا ينفقه في سبيلك وعلى عبادك فزويت عنه ذلك ، اللهم إني أعوذ بك أن يكون مكر منك بعمر ، ثم تلا : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال } الآية . ونسبه لعبد بن حميد وابن المنذر .
13وشهد شاهد من بنى إسرائيل على مثله :
رواه البخاري في باب : مناقب عبد الله بن سلام ( 3601 ) ومسلم في فضائل الصحابة ، باب : من فضائل عبد الله بن سلام ( 2483 ) من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشى على الأرض : إنه من أهل الجنة ، إلا لعبد الله بن سلام ، قال : نزلت هذه الآية : { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } . الآية ، قال : لا أدرى ، قال : مالك الآية ، أو في حديث .
14 يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم :
رواه الطبراني من حديث عوف بن مالك الأشجعي ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم فكرهوا دخوله عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه ) ، فأسكتوا ما أجابه أحد ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثم ثلث فلم يجبه أحد ، فقال : ( أبيتم فوالله لأنا الحاشر ، وأنا العاقب ، وأنا المقفي ، آمنتم أو كذبتم ) ، ثم انصرف وأنا معه حتى أننا كدنا أن نخرج نادى رجل من خلفه ، فقال : كما أنت يا محمد ، فأقبل فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود ، قالوا : والله ما نعلم فينا رجلا كان أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك فبلك ولا من جدك قبل أبيك ، قال : فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدون في التوراة ، قالوا : كذبت ، ثم ردوا عليه ، وقالوا فيه شرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كذبتم لن نقبل قولكم ) ، قال : فخرجنا ونحن ثلاثة : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وابن سلام وأنزل الله عز وجل : { قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } . وقال الهيثمي في الجمع ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) .
16 مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، دار الصابوني للطباعة والنشر ، 25 ش يوسف عباس ، مدينة نصر – القاهرة .
17 انظر تفسير الكشاف ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن عبد الله بن سلام فمدحوه بالعلم والخير والسيادة ، فلما أخبرهم أنه أسلم ذموه وانتقصوه .
18 تفسير القاسمي ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، صححه هشام البخاري ، المجلد 6 ص 234 ، طبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت ، لبنان .
رواه البخاري في الأدب ( 5971 ) ، ومسلم في البر ( 2548 ) ، وأحمد في مسنده ( 8144 ) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال : ( أمك ) ، قال : ثم من ؟ قال : ( ثم أبوك ) .
20 أخرجه الحافظ الموصلي ، وروى من غير هذا الوجه في مسند أحمد ، وانظر مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني 3/319 .
رواه البخاري في النكاح ( 5063 ) ، ومسلم في النكاح ( 1401 ) ، والنسائي في النكاح ( 3217 ) ، وأحمد ( 13122 ، 13316 ، 13631 ) ، ورواه ابن ماجة في النكاح ( 1846 ) بلفظ : ( النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني . . . ) الحديث ، كلهم من حديث أنس ، ورواه أحمد ( 22936 ) عن مجاهد عن رجل من الأنصار . ورواه الدارمي في النكاح ( 2169 ) من حديث سعد بن أبي وقاص .
22 استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك :
قال المناوي في الفيض : ورمز المصنف لحسنه ، ورواه أحمد والدارمي في مسنديهما ، قال النووي في رياضه : إسناده حسن ، وتبعه المؤلف فكان ينبغي له الابتداء بعزوه كعادته ، ورواه أيضا الطبراني ، قال الحافظ العراقي : وفيه عنده العلاء بن ثعلبة مجهول .
23 البر ما اطمأنت إليه النفس :
رواه مسلم في البر ( 2553 ) والترمذي في الزهد ( 2398 ) ، والدارمي في الرقاق ( 2789 ) ، وأحمد في مسنده ( 17179 ) عن النواس بن سمعان الأنصاري ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم ، فقال : ( البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ) .
رواه البخاري في باب : فضل من استبرأ لدينه من حديث النعمان بن بشير ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى أوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) . ورواه مسلم في المساقاة ، باب : أخذ الحلال وترك الشبهات ( 1599 ) .
رواه مسلم في باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم ، والفرح بالمطر ( 899 ) ، من حديث عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح ، قال : ( اللهم إني أسألك خيرها ، وخير ما فيها ، وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها ، وشر ما فيها ، وشر ما أرسلت به ) . قالت : وإذا تخيلت السماء ، تغير لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت سرى عنه ، فعرفت ذلك في وجهه . قالت عائشة : فسألته . فقال : ( لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا } ، ورواه البخاري في باب : ما جاء في قوله : { وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } ( 3034 ) من حديث عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ، ودخل وخرج ، وتغير وجهه ، فإذا أمطرت السماء سرى عنه ، فعرفته عائشة ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما أدري لعله كما قال قوم عاد : { فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم } . الآية ، ومسلم في صلاة الاستسقاء ، باب : التعوذ عند رؤية الريح والغيم ( 899 ) .
26 هذا هو الناموس الذي أنزله الله على موسى :
هذا اللفظ جزء من حديث طويل رواه البخاري ( 3 ، 4956 ، 4955 ) ، ومسلم في كتاب الإيمان ( 231 ، 233 ) ، والترمذي في كتاب المناقب ( 3565 ) ، وأحمد في مسنده ( 14502 ، 24046 ، 24681 ، 24768 ) .
27 { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ( 83 ) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 84 ) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 85 ) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ( 86 ) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 87 ) } ( الأنعام : 83-87 ) .
أولو العزم : أصحاب الجد والصبر والثبات .
فاصبر أيها الرسول ، على ما أصابك من أذى وتكذيب ، كما صبر أولو العزم من الرسُل قبلك ، ولا تستعجل لهم العذابَ فهو واقعٌ بهم لا محالة ، كأنّهم يومَ يشاهدون هولَه يظنّون أنّهم ما أقاموا في هذه الدنيا إلا ساعةً من نهار .
إن هذا القرآن بلاغٌ لهم ، فيه الكفاية لمن طلب الرشد والهداية .
ثم بعد ذلك أوعد وأنذر فقال : { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون } .
وهكذا تنتهي هذه السورة الكريمة بالوعيد للفاسقين ، وما الله يريد ظلماً للعباد .
{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } أي ذوو الرأي والجد وكلهم أولو العزم إلا يونس وقيل هم أصحاب الشرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد منهم صلى الله عليهم أجمعين { ولا تستعجل لهم } العذاب { كأنهم يوم يرون ما يوعدون } من العذاب في الآخرة { لم يلبثوا } في الدنيا { إلا ساعة من نهار } لهول ما عاينوا ونسوا قدر مكثهم في الدنيا { بلاغ } أي هذا القرآن بلاغ أي تبليغ من الله تعالى إليكم على لسان محمد عليه السلام { فهل يهلك إلا القوم الفاسقون } أي لا يهلك مع رحمة الله وتفضله إلا الكافرون
قوله تعالى : " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " وقال ابن عباس : ذوو الحزم والصبر ، قال مجاهد : هم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد عليهم الصلاة والسلام . وهم أصحاب الشرائع . وقال أبو العالية : إن أولي العزم : نوح ، وهود ، وإبراهيم . فأمر الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام أن يكون رابعهم . وقال السدي : هم ستة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وسليمان ، وعيسى ، ومحمد ، صلوات الله عليهم أجمعين . وقيل : نوح ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وموسى ، وهم المذكورون على النسق في سورة " الأعراف والشعراء " . وقال مقاتل : هم ستة : نوح صبر على أذى قومه مدة . وإبراهيم صبر على النار . وإسحاق صبر على الذبح . ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر . ويوسف صبر على البئر والسجن . وأيوب صبر على الضر . وقال ابن جريج : إن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب ، وليس منهم يونس ولا سليمان ولا آدم . وقال الشعبي والكلبي ومجاهد أيضا : هم الذين أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا الكفرة . وقيل : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة " الأنعام " وهم ثمانية عشر : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ، وداود ، وسليمان ، وأيوب ، ويوسف ، وموسى ، وهرون ، وزكرياء ، ويحيى ، وعيسى ، وإلياس ، وإسماعيل ، واليسع ، ويونس ، ولوط . واختاره الحسن بن الفضل لقوله في عقبه : " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " {[13888]} [ الأنعام : 90 ] وقال ابن عباس أيضا : كل الرسل كانوا أولي عزم . واختاره علي بن مهدي الطبري ، قال : وإنما دخلت " من " للتجنيس لا للتبعيض ، كما تقول : اشتريت أردية من البز وأكسية من الخز . أي اصبر كما صبر الرسل . وقيل : كل الأنبياء أولو عزم إلا يونس بن متى ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يكون مثله ، لخفة وعجلة ظهرت منه حين ولى مغاضبا لقومه ، فابتلاه الله بثلاث : سلط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله ، وسلط الذئب على ولده فأكله ، وسلط عليه الحوت فابتلعه ، قال أبو القاسم الحكيم .
وقال بعض العلماء : أولو العزم اثنا عشر نبيا أرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله إليهم الأنبياء أني مرسل عذابي إلى عصاة بني إسرائيل ، فشق ذلك على المرسلين فأوحى الله إليهم اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل ، وإن شئتم نجيتكم وأنزلت العذاب ببني إسرائيل ، فتشاوروا بينهم فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي الله بني إسرائيل ، فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب . وذلك أنه سلط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سلخ جلدة رأسه ووجهه ، ومنهم من صلب على الخشب حتى مات ، ومنهم من حرق بالنار . والله أعلم . وقال الحسن : أولو العزم أربعة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وعيسى ، فأما إبراهيم فقيل له : " أسلم قال أسلمت لرب العالمين " {[13889]} [ البقرة : 131 ] ثم ابتلي في ماله وولده ووطنه ونفسه ، فوجد صادقا وافيا في جميع ما ابتلي به . وأما موسى فعزمه حين قال له قومه : " إنا لمدركون . قال كلا إن معي ربي سيهدين " {[13890]} [ الشعراء : 61 ] . وأما داود فأخطأ خطيئته فنبه عليها ، فأقام يبكي أربعين سنة حتى نبتت من دموعه شجرة ، فقعد تحت ظلها . وأما عيسى فعزمه أنه لم يضع لبنة على لبنة وقال : " إنها معبرة فاعبروها ولا تعمروها " . فكأن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم : اصبر ، أي كن صادقا فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم ، واثقا بنصرة مولاك مثل ثقة موسى ، مهتما بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود ، زاهدا في الدنيا مثل زهد عيسى . ثم قيل هي : منسوخة بآية السيف . وقيل : محكمة ، والأظهر أنها منسوخة ، لأن السورة مكية . وذكر مقاتل : أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، فأمره الله عز وجل أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم من الرسل ، تسهيلا عليه وتثبيتا له . والله أعلم .
قوله تعالى : " ولا تستعجل لهم " قال مقاتل : بالدعاء عليهم . وقيل : في إحلال العذاب بهم ، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة . ومفعول الاستعجال محذوف ، وهو العذاب . " كأنهم يوم يرون ما يوعدون " قال يحيى : من العذاب . النقاش : من الآخرة . " لم يلبثوا " أي في الدنيا حتى جاءهم العذاب ، وهو مقتضى قول يحيى . وقال النقاش : في قبورهم حتى بعثوا للحساب . " إلا ساعة من نهار " يعني في جنب يوم القيامة . وقيل : نساهم هول ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا . " بلاغ " أي هذا القرآن بلاغ ، قاله الحسن . ف " بلاغ " رفع على إضمار مبتدأ ، دليله قوله تعالى : " هذا بلاغ للناس ولينذروا به " {[13891]} [ إبراهيم : 52 ] ، وقوله : " إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين " {[13892]} [ الأنبياء : 106 ] . والبلاغ بمعنى التبليغ . وقيل : أي إن ذلك اللبث بلاغ . قاله ابن عيسى . فيوقف على هذا على " بلاغ " وعلى " نهار " . وذكر أبو حاتم أن بعضهم وقف على " ولا تستعجل " ثم ابتدأ " لهم " على معنى لهم بلاغ . قال ابن الأنباري : وهذا خطأ ، لأنك قد فصلت بين البلاغ وبين اللام ، - وهي رافعة - بشيء ليس منهما . ويجوز في العربية : بلاغا وبلاغ ، النصب على معنى إلا ساعة بلاغا ، على المصدر أو على النعت للساعة . والخفض على معنى من نهار بلاغ . وبالنصب قرأ عيسى بن عمر والحسن . وروي عن بعض القراء " بلغ " على الأمر ، فعلى هذه القراءة يكون الوقف على " من نهار " ثم يبتدئ " بلغ " . " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " أي الخارجون عن أمر الله ، قاله ابن عباس وغيره . وقرأ ابن محيصن " فهل يهلك إلا القوم " على إسناد الفعل إلى القوم . وقال ابن عباس : إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها ، وهي : بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم ، سبحان الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها " {[13893]} [ النازعات : 46 ] . " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " صدق الله العظيم . وعن قتادة : لا يهلك الله إلا هالكا مشركا{[13894]} . وقيل : هذه أقوى آية في الرجاء . والله أعلم .
{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل } هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي : اصبر على تكذيب قومك وأولوا العزم هم نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ، وقيل : هم الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام لقوله : { فبهداهم اقتده } [ الأنعام : 90 ] ، وقيل : كل من لقي من أمته شدة وقيل : الرسل كلهم أولوا عزم فمن الرسل على هذا لبيان الجنس وعلى الأقوال المتقدمة للتبعيض .
{ ولا تستعجل لهم } أي : لا تستعجل نزول العذاب بهم فإنهم صائرون إليه فإنهم إذا أهلكوا كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار لاستقصار أعمارهم .
{ بلاغ } خبر ابتداء مضمر تقديره هذا الذي وعظتم به بلاغ بمعنى كفاية في الموعظة أو بلاغ من الرسول عليه الصلاة والسلام أي : بلغ هذه المواعظ والبراهين .
ولما علم بما قام من الأدلة وانتصب من القواطع أن هذا مآلهم ، سبب عنه قوله رداً على ما بعد خلق الخافقين في مطلعها من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبتهم له إلى الافتراء وما بعده : { فاصبر } أي على مشاق ما ترى في تبليغ الرسالة ، قال القشيري : والصبر هو الوقوف بحكمِ الله والثبات من غير بث ولا استكراه . { كما صبر أولوا العزم } أي الجد في الأمر والحزم في الجد والإرادة المقطوع بها والثبات الذي لا محيد عنه ، الذين مضوا في أمر{[59206]} الله مضياً كأنهم أقسموا عليه فصاروا كالأسد{[59207]} في جبلته{[59208]} والرجل الشديد الشجاع المحفوف بقبيلته ، قال الرازي في اللوامع : فارقت نفوسهم الشهوات والمنى فبذلوا نفوسهم لله صدقاً لاتفاق{[59209]} النفس القلب على البذل .
ولما تشوف السامع-{[59210]} إلى بيانهم قال : { من الرسل } عليهم الصلاة والسلام ، وقيل وهو ظاهر جداً : أن " من " للتبعيض ، والمراد بهم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيس قواعدها وتثبيت معاقدها ، ومشاهيرهم{[59211]} نوح وإبراهيم وموسى وعيسى{[59212]} صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقد نظمهم بعضهم في قوله :
أولو العزم نوح والخليل بن آزر *** وموسى وعيسى والحبيب محمد
والخلاف في تعيينهم كثير منتشر هذا{[59213]} القول أشهر ما فيه ، وكله مبني على أن " من " للتبعيض وهو الظاهر ، والقول بأنهم جميع الرسل - قال ابن الجوزي - قاله ابن زيد واختاره ابن الأنباري وقال : " من " للتجنيس لا للتبعيض ، وفي قول أنهم جميع الأنبياء إلا يونس عليه الصلاة والسلام - قال ابن الجوزي : حكاه الثعلبي .
ولما أمره بالصبر الذي هو من أعلى الفضائل ، نهاه عن العجلة التي هي من أمهات الرذائل ، ليصح التحلي بفضيلة الصبر الضامنة للفوز والنصر فقال : { ولا تستعجل لهم } أي تطلب العجلة وتوجدها بأن تفعل شيئاً مما يسوءهم في غير حينه الأليق به . ولما كان ما أمر به ونهى عنه في غاية الصعوبة ، سهله بقوله مستأنفاً : { كأنهم يوم يرون } أي في الدنيا عند الموت مثلاً أو في الآخرة {[59214]}وقت العرض والحساب والهول الأعظم الأكبر الذي تقدمت الإشارة إليه جداً والتحذير منه لأهل المعاصي والبشارة فيه لأهل الطاعة ، فأما هذه الطائفة فإذا رأوا{[59215]} { ما يوعدون } من ظهور الدين في الدنيا والبعث في الآخرة{[59216]} ، وبناه للمفعول لأن المنكىء هو الإيعاد لا كونه من معين{[59217]} { لم يلبثوا } أي في الدنيا حيث كانوا عالين{[59218]} { إلا ساعة } .
ولما كانت الساعة قد يراد بها الجنس وقد تطلق على الزمن الطويل ، حقق أمرها وحقرها بقوله : { من نهار } ولما تكفل ما ذكر في هذه السورة من الحجج الظاهرة والبراهين الباهرة ببيان ما هو مقصودها بحيث لم يبق فيه لبس ، وكان مقصودها آئلاً{[59219]} إلى سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهو التوحيد اللازم منه إحاطة العلم بكل شيء وشمول القدرة لكل شيء ختمت{[59220]} بما ختمت به إبراهيم إلا أن لحواميم لباباً ، حذف المبتدأ ومتعلق الخبر وقيل : { بلاغ } أي هذا الذي-{[59221]} ذكر هنا هو-{[59222]} من الظهور وانتشار النور بحيث يرد المنذرين ويوصلهم إلى رضى العزيز الحكيم الكافل بالنور الدائم والنعيم المقيم ، ومن لم يوصله فذلك الذي حكم العزيز بشقائه فلا حيلة لغيره في شفائه من عظيم دائه ، ولذلك سبب عن كونه بلاغاً قوله زيادة على ختام إبراهيم ما يناسب مطلعها : { فهل يهلك } بني للمفعول من أهلك{[59223]} ، لأن المحذور الهلاك وإن لم يعين المهلك{[59224]} ، وللدلالة على أن إهلاكهم عليه سبحانه وتعالى يسير جداً { إلا القوم } الذين فيهم أهلية القيام بما يحاولونه من اللدد{[59225]} { الفاسقون * } أي العريقون في إدامة الخروج من محيط ما يدعو إليه هادي العقل والفطرة الأولى من الطاعة الآتي بها النقل إلى مضل المعصية الناهي عنها النقل والعقل ، وأما الذين فسقوا والذين يفسقون فإن هادي هذه السورة يردهم ويوصلهم إلى المقصود ، فهذا الآخر نتيجة قوله أولها { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } وذكر اليوم الموعود{[59226]} هو الأجل الذي{[59227]} أوجد الخافقان{[59228]} {[59229]}لأجله و{[59230]}بسببه والدلالة على القدرة بخلقهما{[59231]} من غير إعياء هو ذكره أولهما أنهما ما خلقا إلا بالحق ، وذكر البلاغ هو تنزيل الكتاب من الله وحكمه على العريق بالفسق بالهلاك مع الهادي الشفيق ولغيره{[59232]} بالنجاة بعد{[59233]} انسيابه في الفسق مع التكرر{[59234]} هو من ثمرات العزة والحكمة ، فقد التحم هذا الآخر بذاك الأول أيّ التحام ، واتصل{[59235]} بمعناه اتصال الجوهر النفيس في متين النظام ، والتأم بأول{[59236]} التي تليها أحسن التئام{[59237]} فسبحان من جعله{[59238]} أشرف الكلام ، لكونه صفة الملك العلام ، منزلاً{[59239]} على خاتم الرسل الكرام ، {[59240]}ورسول - الملك العلام - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأهل بيته الكرام وسلم تسليماً كثيراً{[59241]} .
فهذا الآخر نتيجة قوله أولها { والذين كفروا عما أنذروا معرضون } وذكر اليوم الموعود هو الأجل الذي أوجد الخافقان لأجله وبسببه والدلالة على القدرة بخلقهما من غير إعياء هو ذكره أولهما أنهما ما خلقا إلا بالحق ، وذكر البلاغ هو تنزيل الكتاب من الله وحكمه على العريق بالفسق بالهلاك مع الهادي الشفيق ولغيره بالنجاة بعد انسيابه في الفسق مع التكرر هو من ثمرات العزة والحكمة ، فقد التحم هذا الآخر بذاك الأول أيّ التحام ، واتصل بمعناه اتصال الجوهر النفيس في متين النظام ، والتأم بأول التي تليها أحسن التئام فسبحان من جعله أشرف الكلام ، لكونه صفة الملك العلام ، منزلاً على خاتم الرسل الكرام ، ورسول - الملك العلام - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأهل بيته الكرام وسلم تسليماً كثيراً .