في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (37)

30

( ليميز الله الخبيث من الطيب ، ويجعل الخبيث بعضه على بعض ، فيركمه جميعاً ؛ فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ) . .

فكيف ?

إن هذا المال الذي ينفق يؤلب الباطل ويملي له في العدوان ؛ فيقابله الحق بالكفاح والجهاد ؛ وبالحركة للقضاء على قدرة الباطل على الحركة . . وفي هذا الاحتكاك المرير ، تنكشف الطباع ، ويتميز الحق من الباطل ، كما يتميز أهل الحق من أهل الباطل - حتى بين الصفوف التي تقف ابتداء تحت راية الحق قبل التجربة والابتلاء ! - ويظهر الصامدون الصابرون المثابرون الذين يستحقون نصر الله ، لأنهم أهل لحمل أماناته ، والقيام عليها ، وعدم التفريط فيها تحت ضغط الفتنة والمحنة . . عند ذلك يجمع الله الخبيث على الخبيث ، فيلقي به في جهنم . . وتلك غاية الخسران . .

والتعبير القرآني يجسم الخبيث حتى لكأنه جِرم ذو حجم ، وكأنما هو كومة من الأقذار ، يقذف بها في النار ، دون اهتمام ولا اعتبار !

( فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم ) . .

وهذا التجسيم يمنح المدلول وقعا أعمق في الحس . . وتلك طريقة القرآن الكريم في التعبير والتأثير . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجۡعَلَ ٱلۡخَبِيثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضٖ فَيَرۡكُمَهُۥ جَمِيعٗا فَيَجۡعَلَهُۥ فِي جَهَنَّمَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ} (37)

القول في تأويل قوله تعالى : { لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنّمَ أُوْلََئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم ، وينفقون أموالهم للصدّ عن سبيل الله إلى جهنم ، ليفرّق بينهم وهم أهل الخبث كما قال وسماهم الخَبِيثَ ، وبين المؤمنين بالله وبرسوله ، وهم الطيبون ، كما سماهم جلّ ثناؤه . فميز جلّ ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به وبرسوله جناته ، وأنزل أهل الكفر ناره .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لِيَمِيزَ اللّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ فميز أهل السعادة من أهل الشقاوة .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ثم ذكر المشركين ، وما يصنع بهم يوم القيامة ، فقال : لِيَمِيزَ اللّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ يقول : يميز المؤمن من الكافر . فَيَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ على بَعْضٍ .

ويعني جلّ ثناؤه بقوله : ويجعل الخَبِيثَ بَعْضَهُ على بَعْضٍ فيجعل الكفار بعضهم فوق بعض . فَيرْكُمَهُ جَمِيعا يقول : فنجعلهم ركاما ، وهو أن يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا ، كما قال جلّ ثناؤه في صفة السحاب : ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلْهُ رُكاما : أي مجتعما كثيفا . وكما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَيرْكُمَهُ جَميعا قال : فيجمعه جميعا بعضه على بعض .

وقوله : فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنّمَ يقول : فيجعل الخبيث جميعا في جهنم ، فوحد الخبر عنهم لتوحيد قوله : لِيَمِيزَ اللّهُ الخَبِيثَ ، ثم قال : أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ فجمع ولم يقل : ذلك هو الخاسر ، فردّه إلى أوّل الخبر . ويعني ب «أولئك » الذين كفروا ، وتأويله : هؤلاء الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله هم الخاسرون . ويعني بقوله : الخَاسِرُونَ الذين غبنت صفقتهم وخسرت تجارتهم وذلك أنهم شروا بأموالهم عذاب الله في الاَخرة ، وتعجلوا بإنفاقهم إياها فيما أنفقوا من قتال نبيّ الله والمؤمنين به الخزي والذلّ .