تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (73)

ثم قال عن أهل الجنة : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ } بتوحيده والعمل بطاعته ، سوق إكرام وإعزاز ، يحشرون وفدا على النجائب . { إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا } فرحين مستبشرين ، كل زمرة مع الزمرة ، التي تناسب عملها وتشاكله . { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا } أي : وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الأنيقة ، وهبَّ عليهم ريحها ونسيمها ، وآن خلودها ونعيمها . { وَفُتِحَتْ } لهم { أَبْوَابُهَا } فتح إكرام ، لكرام الخلق ، ليكرموا فيها . { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } تهنئة لهم وترحيبا : { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } أي : سلام من كل آفة وشر حال . عليكم { طِبْتُمْ } أي : طابت قلوبكم بمعرفة اللّه ومحبته وخشيته ، وألسنتكم بذكره ، وجوارحكم بطاعته . { ف } بسبب طيبكم { ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } لأنها الدار الطيبة ، ولا يليق بها إلا الطيبون .

وقال في النار { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } وفي الجنة { وَفُتِحَتْ } بالواو ، إشارة إلى أن أهل النار ، بمجرد وصولهم إليها ، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال ، وليكون فتحها في وجوههم ، وعلى وصولهم ، أعظم لحرها ، وأشد لعذابها .

وأما الجنة ، فإنها الدار العالية الغالية ، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد ، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها ، ومع ذلك ، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه ، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها ، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، حتى يشفع ، فيشفعه اللّه تعالى .

وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تفتح وتغلق ، وأن لكل منهما خزنة ، وهما الداران الخالصتان ، اللتان لا يدخل فيهما إلا من استحقهما ، بخلاف سائر الأمكنة والدور .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (73)

قوله تعالى : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ( 73 ) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ( 74 ) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .

بعد الإخبار عن سوْق المجرمين الأشقياء إلى جهنم وهم تزجرهم الملائكة زجرا وتدعُّعهم إلى نار جهنم دعّا ، ذليلين مذعورين عِطاشا – يخبر عقب ذلك عن السعداء الفائزين ، وهم المؤمنون المتقون ؛ إذ يساقون إلى الجنة زمرا ؛ أي جماعة بعد جماعة ، أولهم المقربون ثم الأبرار ثم الذين يلونهم . فالنبيون مع النبيين ، والصدِّيقون مع الصدِّيقين ، والشهداء مع الشهداء ، والعلماء مع نظرائهم ، فيساق الجميع مكرمين مبجلين وهم تحفُّهم ملائكة الرحمة من كل جانب حتى يبلغوا الجنة { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } جواب إذا محذوف وتقديره : حتى إذا جاءوها فازوا ونعموا{[3999]} والمعنى : حتى إذا وصلوا الجنة وقد فتحت لهم أبوابها إكراما وتعظيما وتلقتهم الملائكة بالبشرى والسلام والثناء – فازوا فوزا عظيما ووجدوا من البشائر والمسرات وأوجه النعم وطيب العيش والمقام ما لم يخطر على بال أحد . أما إثبات الواو في سَوْق أهل الجنة عند قوله : { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } فقد دل على أن الجنة كانت مُفتّحة قبل أن يجيئها المؤمنون . أما حذفها في سَوْق أهل النار فيدل على أنها كانت مغلقة . وقيل : إنها واو الثمانية . فقد كان من عادة قريش أن يعدّوا من الواحد فيقولون : خمسة ستة سبعة وثمانية . أي إذا بلغوا السبعة قالوا وثمانية . والمعنى الأول أظهر .

قوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } تحييهم الملائكة وهم خزنة الجنة بالسلام والإكرام ويقولون لهم في تودد ورحمة : طابت أعمالكم وأقولكم وطاب سعيكم وطابت عاقبتكم وما كتب الله لكم من حسن الجزاء { فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } أي ماكثين فيها ، لابثين لا تخرجون ولا تبرحون .


[3999]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 327