قوله : { وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً } .
فإن قِيلَ : السَّوْقُ في أهل النار معقول لأنهم لما أمروا بالذهاب إلى موضع العذاب لا بد وأن يُسَاقُوا إليه ، وأما أهل الثواب فإذا أمروا بالذهاب إلى موضع السعادة والراحة فأيُّ حاجة فيه إلى السَّوْق ؟ ! .
الأول : أن المحبة و الصداقة باقية بين المتقين يوم القيامة كما قال تعالى : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين } [ الزخرف : 67 ] . فإذا قيل لواحد منهم : اذهب إلى الجنة فيقول : لا أدخلها إلا مع أحبَّائِي وأصدقائي فيتأخرونَ لهذا السبب فحينئذ يحتاجون إلى السَّوق إلى الجنة .
والثاني : أن المتقين قد عبدوا الله لا للجنة ولا للنار فتصير شدة استغراقهم في مشاهدة مواقف الجلال مانِعاً لهم من الرغبة في الجنة فلا جَرَمَ يحتاجون إلى أن يُسَاقُوا إلى الجنة .
والثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «أكثر أهل الجنة البُلْهُ » فلهذا السبب يساقون إلى الجنة .
الرابع : أن أهل النار وأهلا الجنة يساقون إلا أن المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهَوَان والشدّة كما يفعل بالأسير الذي يساق إلى الحبس والقتل ، والمراد بسوق أهل الجنة سوق مراكبهم لأنه لا يُذْهب بهم إلا رَاكِبينَ ، والمراد بذلك السوق إسراعهم إلى دار الكرامة والرّضوان كما يفعل بمن يكرم من الوافدين إلى الملوك فشتان ما بين السَّوْقَْينِ{[47786]} .
قوله : «حتى إذا جاءوها وَفُتِحَتْ » في جواب «إذا » ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله : { وَفُتِحَتْ } والواو زائدة{[47787]} . وهو رأي الكوفيين{[47788]} والأخفش{[47789]} . وإنّما جيء هنا بالواو دون التي قبلها لأن أبواب السجن تكون مغلقةً إلى أن يجيئها صاحب الجريمة فيفتح{[47790]} له ثم تغلق عليه فناسب ذلك عدم الواو فيها بخلاف أبواب السرور والفرح فإنها تفتح انتظاراً لمن يدخلها فعلى ذلك أبواب جهنم تكون مغلقة لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها فأما أبواب الجنة ففتحها يكون متقدماً على دخولهم إليها كما قال تعالى : { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب }{[47791]} [ ص : 50 ] فلذلك جيء بالواو فكأنه قيل : حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها{[47792]} .
والثاني : أن الجواب قوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } على زيادة الواو أيضاً أي حتى إذا جاءوها قال لهم خزنتها{[47793]} .
والثالث : أن الجواب{[47794]} محذوف قال الزمخشري : وحقه أن يقدر بعد : «خَالِدين » انتهى{[47795]} يعني لأنه يجيء بعد متعلقات الشرط وما عطف عليه ، والتقدير : اطْمَأَنُوا{[47796]} وقدره المبرد : سُعِدُوا{[47797]} ، وعلى هذين الوجهين فتكون الجملة من قوله : «وَفُتِحَتْ » في محل نصب على الحال{[47798]} . وقال البغوي : قال الزجاج : القول عندي أن الجواب محذوف تقديره : حَتَّى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ، وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادْخُلُوها خالدين «دخلوها » .
فحذف «دَخَلُوهَا » لدلالة الكلام عليه{[47799]} ، وسمى بعضهم الواو في قوله «وفتحت » واو الثمانية قال : لأن أبواب الجنة ثمانية وكذا قالوا في قوله : { وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ }{[47800]} [ الكهف : 22 ] . وقيل : تقديره : حتى إذا جاءوها ( جاءوها ){[47801]} وفتحت أبوابها{[47802]} يعني أن الجواب بلفظ الشرط ، ولكنه بزيادة تقييده بالحال فلذلك صَحَّ{[47803]} .
قوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خالدين } يريد أن خزنة الجنة يسلمون عليهم ويقولون : طبتم قال ابن عباس : طاب لكم المقام . وقال قتادة : إنهم إذا قطعوا النار حُبسُوا على قَنْطَرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعد حتى إذا هذبوا وطيبوا أُدْخِلُوا الجنة فيقول لهم رضوان وأصحابه : سَلاَمٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين{[47804]} .
وروي عن علي قال : سيقوا إلى الجنة فإذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرةً يخرج من تحت ساقها عَيْنَانِ فيغتسل المؤمن من إِحْدَيْهِما فيطهر ظاهره ويشرب من الأخرى فيطهر باطنه وتتلقاهم الملائكة على أبواب الجنة يقولون : «سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ »
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.