الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (73)

ثم قال تعالى : { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا } ، أي : حشروا إلى دخول الجنة جماعة جماعة .

{ حتى إذا جاءوها } أي : جاؤوا الجنة .

{ وفتحت أبوابها } قال الكوفيون : ( فتحت ) جواب ( إذا ) والواو زائدة{[59304]} .

وقال بعضهم{[59305]} : الجواب : قال لهم خزنتها ، والواو في ( وقال ) زائدة{[59306]} .

وقال المبرد : الجواب محذوف ، والتقدير : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها سَعِدُوا{[59307]} .

وقال الزجاج : تقدير الجواب المحذوف : ( طبتم فادخلوها خالدين ، دخولها ){[59308]} .

ودلت الواو في ( وفتحت ) أن الجنة كانت مفتحة{[59309]} لهم الأبواب منها قبل أن يجيؤها .

( ودل حذف الواو في قصة أهل النار من ( فتحت ) أنها مغلقة{[59310]} قبل أن يجيؤها ){[59311]} ففتحت عند مجيئهم .

ثم قال تعالى : { وقال لهم خزنتها سلام عليكم } ، ( أي : قال للذين{[59312]} اتقوا ربهم خزنة الجنة سلام عليكم ){[59313]} ، أي : أمنة من الله لكم .

وقوله { طبتم فادخلوها خالدين } ، أي : طابت أعمالكم في الدنيا فطاب اليوم مثواكم .

وقال مجاهد : معناه : ( كنتم طيبين ( بطاعة ){[59314]} الله عز وجل ){[59315]} فادخلوا أبواب الجنة خالدين ، أي : ماكثين أبدا لا انتقال لكم عنها .

ويروى أن حشر المتقين في الآخرة يكون على نجائب من نجائب الجنة{[59316]} .

وحشر الكفار{[59317]} يكون بالدفع والعنف . قاله ابن زيد وغيره .

وقرأ ابن زيد في الكفار : { يوم يدعون إلى نار جهنم دعا{[59318]} } . وقرأ في المتقين { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا }{[59319]} . ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال في المتقين : يساقون إلى الجنة فيجدون عند بابها شجرة ، في أصل ساقها عينان تجريان ، فيعمدون إلى إحداهما فيغتسلون فيها ، فتجري عليهم نضرة النعيم ، فلن تشعث رؤوسهم بعدها أبدا ، ولن تغير{[59320]} جلودهم بعدها أبدا كأنما دهنوا بالدهان . ويعمدون إلى الأخرى فيشربون منها فيذهب ما في بطونهم من قذى وأذى ، ثم يأتون باب الجنة فيستفتحون فيفتح لهم فتتلقاهم{[59321]} خزنة الجنة فتقول{[59322]} : سلام عليكم ، ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون .

قال : وتتلقاهم الولدان المخلدون يطوفون بهم كان يطوف ولدان أهل الدنيا بالحميم إذا جاء من الغيبة ، يقولون : أبشر ، أعد الله لك كذا وأعد لك كذا . فينطلق أحدهم إلى زوجته فيبشرها به ، فيقول قدم فلان – باسمه الذي كان يسمى به في الدنيا – قال : فَيَسْتَحَفِها{[59323]} الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها ، فتقول : أنت رأيته ، ( أنت رأيته ){[59324]} قال : فيقول : نعم ، فيجيء حتى يأتيه منزله . قال : أصوله{[59325]} من جندل اللؤلؤ بين أصفر وأخضر وأحمر . . . قال الله جل ذكره : { وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة }{[59326]} . قال : ثم يدخل إلى زوجته من الحور العين ، فلولا أن الله أعدها له لا ليمتع بصره من نورها وحسنها . فاتكأ عبد الله ويقول : { الحمد لله الذين هدانا لهذا }{[59327]} . فتناديهم الملائكة أن تلكم الجنة أورثتموها بعملكم{[59328]} .

وقال السدي : لهو أهدى إلى منزلة في الجنة منه إلى منزله في الدنيا . ثم قرأ السدي : { ويدخلهم الجنة عرفها لهم }{[59329]} .


[59304]:انظر: مشكل إعراب القرآن 2/633، وإعراب النحاس 4/22، والمحرر الوجيز 14/107، وكمال البيان في إعراب القرآن (5).
[59305]:أي: بعض الكوفيين.
[59306]:انظر: جامع القرطبي 15/285، والجني الداني 372.
[59307]:انظر: مشكل إعراب القرآن 2/633، وإعراب النحاس 4/22، والمحرر الوجيز 14/107، والتفسير القيم 425. وانتصر ابن الأنباري في البيان في غريب إعراب القرآن 2/327 لهذا الوجه الإعرابي دون غيره مما سلف.
[59308]:انظر: معاني الزجاج 4/364.
[59309]:(ح): مفتوحة.
[59310]:(ح) مغلوقة.
[59311]:في طرة (ع).
[59312]:(ح) الذين.
[59313]:في طرة (ع).
[59314]:(ع) و(ح): في طاعة، والتصويب من تفسير مجاهد وجامع القرطبي.
[59315]:انظر: تفسير مجاهد 2/561، وجامع القرطبي 15/286.
[59316]:(النجائب جمع نجيبة – تأنيث النجيب - ... والنجيب: الفاضل من كل حيوان). انظر: النهاية في غريب الحديث 4/133، والفائق 3/409.
[59317]:(ح): الكافرين.
[59318]:الطور آية 12.
[59319]:مريم آية 86.
[59320]:(ح): تغير.
[59321]:(ح): فتلقاهم.
[59322]:(ح): فيقولون.
[59323]:(ح): فيستخفها بالخاء المعجمة.
[59324]:ساقط من (ح).
[59325]:(ح): فإذا أصوله.
[59326]:الغاشية: 14-16.
[59327]:الأعراف آية 42.
[59328]:انظر: جامع البيان 24/24، وشرح على عقيدة أهل السنة 1/337. وورد في تفسير ابن كثير 4/68 مع تقديم وتأخير.
[59329]:محمد آية 7. وانظر: جامع البيان 24/24.