فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (73)

لما ذكر فيما تقدّم حال الذين كفروا وسوقهم إلى جهنم ، ذكر هنا حال المتقين وسوقهم إلى الجنة ، فقال : { وَسِيقَ الذين اتقوا رَبَّهُمْ إِلَى الجنة زُمَراً } أي ساقتهم الملائكة سوق إعزاز وتشريف وتكريم . وقد سبق بيان معنى الزمر { حتى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أبوابها } جواب إذا محذوف . قال المبرد تقديره : سعدوا وفتحت ، وأنشد قول الشاعر :

فلو أنها نفس تموت جميعة *** ولكنها نفس تساقط أنفسا

فحذف جواب لو ، والتقدير : لكان أروح . وقال الزجاج : القول عندي : أن الجواب محذوف على تقدير : حتى إذا جاءوها ، وكانت هذه الأشياء التي ذكرت دخلوها ، فالجواب دخولها ، وحذف لأن في الكلام دليلاً عليه . وقال الأخفش والكوفيون : الجواب { فتحت } ، والواو زائدة ، وهو خطأ عند البصريين ، لأن الواو من حروف المعاني ، فلا تزاد . قيل : إن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله ، والتقدير : حتى إذا جاءوها ، وأبوابها مفتحة بدليل قوله : { جنات عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب } [ ص : 50 ] ، وحذفت الواو في قصة أهل النار ، لأنهم وقفوا على النار ، وفتحت بعد وقوفهم إذلالاً وترويعاً . ذكر معناه النحاس منسوباً إلى بعض أهل العلم ، قال : ولا أعلم أنه سبقه إليه أحد . وعلى هذا القول تكون الواو واو الحال بتقدير قد ، أي جاءوها ، وقد فتحت لهم الأبواب . وقيل : إنها واو الثمانية ، وذلك أن من عادة العرب أنهم كانوا يقولون في العدد : خمسة ستة سبعة ، وثمانية ، وقد مضى القول في هذا في سورة براءة مستوفى ، وفي سورة الكهف أيضاً .

ثم أخبر سبحانه : أن خزنة الجنة يسلمون على المؤمنين ، فقال : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سلام عَلَيْكُمْ } أي سلامة لكم من كلّ آفة { طِبْتُمْ } في الدنيا ، فلم تتدنسوا بالشرك والمعاصي . قال مجاهد : طبتم بطاعة الله ، وقيل بالعمل الصالح ، والمعنى واحد . قال مقاتل : إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتصّ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا ، وطيبوا قال لهم رضوان وأصحابه { سلام عَلَيْكُمُ } الآية { فادخلوها } أي ادخلوا الجنة { خالدين } أي مقدّرين الخلود .

/خ75