الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (73)

{ قِيلَ ادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ } وحشر الذين { اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } فأطاعوه ولم يشركوا به { إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً } ركباناً { حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ } الواو فيه واو الحال ومجازه وقد فتحت أبوابها ، فأدخل الواو هاهنا لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم ، وحذفها من الآية الأولى لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم ، ويقال : زيدت الواو هاهنا ، لأن أبواب الجنّة ثمانية وأبواب الجحيم سبعة ، فزيدت الواو هاهنا فرقاً بينهما .

حكى شيخنا عبد الله بن حامد عن أبي بكر بن عبدش أنها تُسمى واو ثمانية .

قال : وذلك أن من عادة قريش أنهم يعدون العدد من الواحد إلى الثمانية ، فإذا بلغوا الثمانية زادوا فيها واواً فيقولون : خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، يدل عليه قول الله تعالى :

{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } [ الحاقة : 7 ] وقال سبحانه :

{ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } [ التوبة : 112 ] ، فلما بلغ الثامن من الأوصاف قال

{ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ } [ التوبة : 112 ] ، وقال سبحانه وتعالى :

{ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] ، وقال تعالى :

{ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] .

وقيل : زيادة الواو في صفة الجنّة علامة لزيادة رحمة الله على غضبه وعقوبته .

{ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } قال قتادة فإذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنّة والنار ، فيقتص بعضهم من بعض ، حتّى إذا هدؤا واطمئنوا قال لهم رضوان وأصحابه : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين .

أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمّد البيهقي أخبرنا أبو حاتم مكي بن عبدان التميمي حدثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر السليطي حدثنا روح بن عبادة القيسي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه : أنه سُئل عن هذه الآية { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً } الآية .

فقال : سيقودهم إلى أبواب الجنّة حتّى إذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقها عينان ، فعمدوا إلى احديهما فتطهروا فيها فجرت عليهم بنضرة النعيم ، فلن تغير أجسادهم بعدها أبداً ولن تشعث أشعارهم بعدها أبداً كأنما دهنوا بالدهان ، ثم عمدوا إلى الأُخرى فشربوا منها فأذهبت مافي بطونهم من أذىً أو قذىً ، وتلقتهم الملائكة على أبواب الجنّة : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ، ويلقى كل غلمان صاحبهم يطوفون به فعل الولدان بالحميم إذا جاء من الغيبة يقولون : ابشر قد أعدّ الله لك كذا وكذا وأعد لك كذا وكذا ، وينطلق غلام من غلمانه يسعى إلى أزواجه من الحور العين فيقول : هذا فلان باسمه في الدُّنيا قد قدم .

فيقلنّ : أنت رأيته ؟

فيقول : نعم .

فيستخفهن الفرح حتّى يخرجن إلى أسكفة الباب ويجيء ويدخل ، فإذا سرر موضونة ، وأكواب موضوعة ، ونمارق مصفوفة ، وزرابي مبثوثة ، ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه ، فإذا هو قد أُسس على جندل اللؤلؤ بين أخضر وأحمر وأبيض وأصفر من كل لون ، ثم يتكيء على أريكة من أرائكه ، ثم يرفع طرفه إلى سقفه ، فلولا أن الله تعالى قدر له لألمّ أن يذهب بصره ، أنه مثل البرق فيقول :

{ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ } [ الأعراف : 43 ] قال :

{ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 43 ] .

واختلف أهل العربية في جواب قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا } .

فقال بعضهم : جوابه : ( فتحت ) والواو فيه [ مثبتة ] مجازها حتّى إذا جاؤها فتحت أبوابها كقوله تعالى :

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَآءً } [ الأنبياء : 48 ] أي ضياء .

وقيل : جوابه : قوله تعالى : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } والواو فيه ملغاة تقديره : حتّى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها .

كقول الشاعر :

فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن *** إلاّ توهم حالم بخيالِ

أراد فإذا ذلك لم يكن .

وقال بعضهم : جوابه مضمر ومعنى الكلام : حتّى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ، فدخلوها .