فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَٱدۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ} (73)

{ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين( 73 ) } .

وتساق مراكب{[3998]}السعداء الأتقياء ونجبائهم - بعد الحساب- وفدا إلى الجنة ، وجماعة بعد جماعة : المقربون ، ثم الأبرار ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، حتى إذا شارفوها وجدوها مهيأة كأنما تترقب قدومهم ، مفتحة الأبواب تكريما لهم ، كما قال تعالى : { جنات عدن مفتحة لهم الأبواب }{[3999]} .

وقيل في التعليل لزيادة الواو في قوله تبارك وتعالى في أهل الجنة : { . . حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها . . } عنها في قوله سبحانه في أهل النار : { حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها . . } قالوا : إن هذا الواو واو الثمانية ، وذلك من عادة قريش أنهم يعدون فيقولون . . خمسة ستة سبعة وثمانية ؛ كما في قوله سبحانه : { سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام }{[4000]} وقال : { التائبون العابدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر . . }{[4001]} وقال : { . . ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم . . }{[4002]} وقال : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا }{[4003]} .

واستدل بهذا من قال : إن أبواب الجنة ثمانية{[4004]} .

فإذا جاء المؤمنون إلى الجنة أفواجا : الأنبياء والشهداء والعلماء والقراء والأتقياء ووجدوا أبوابها مفتوحة- تعظيما لهم تلقتهم الملائكة خزنة الجنة-إذا كان هذا سعدوا وطابوا وفرحوا- فيكون هذا تقدير جواب { إذا } المحذوف ، تحية الملائكة لهم : سلام لكم من أحوال الدنيا وأهوال الآخرة فبشرى لكم ؛ أو دعاء لهم بدوام السلامة ، طبتم نفسا بما نلتم من نعيم الجنة ؛ أو طابت أعمالكم وأقوالكم وسعيكم في الدنيا فطاب اليوم مثواكم وجزاؤكم ؛ أو طبتم من دنس المعاصي ، وطهرتم من خبث الخطايا ، فأكرمكم ربكم بدخول دار النعيم والمكث فيها ، لأنها دار طهّرها الله من كل رجس فلا ينالها إلا من هو موصوف بصفتها ؛ وابقوا فيها ممتّعين ، وما أنتم منها بمخرجين .


[3998]:قال جار الله: المضاف هنا محذوف أي وسيق مراكب الذين اتقوا؛ لأنهم لا يذهبون إلا راكبين، كالوالدين على ملوك الدنيا.
[3999]:سورة ص.الآية 50.
[4000]:سورة الحاقة.من الآية 7.
[4001]:سورة التوبة من الآية 113.
[4002]:سورة الكهف.من الآية 22.
[4003]:سورة التحريم. الآية 5.
[4004]:قال ابن كثير: وإنما يستفاد كون أبواب الجنة ثمانية من الأحاديث الصحيحة. قال الإمام أحمد-بسنده- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة ثمانية أبواب فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة).