تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

ثم ذكر من هم عمار مساجد اللّه فقال : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ ْ } الواجبة والمستحبة ، بالقيام بالظاهر منها والباطن .

{ وَآتَى الزَّكَاةَ ْ } لأهلها { وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ْ } أي قصر خشيته على ربه ، فكف عما حرم اللّه ، ولم يقصر بحقوق اللّه الواجبة .

فوصفهم بالإيمان النافع ، وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة ، وبخشية اللّه التي هي أصل كل خير ، فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها ، الذين هم أهلها .

{ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ْ } و { عسى ْ } من اللّه واجبة . وأما من لم يؤمن باللّه ولا باليوم الآخر ، ولا عنده خشية للّه ، فهذا ليس من عمار مساجد اللّه ، ولا من أهلها الذين هم أهلها ، وإن زعم ذلك وادعاه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

المعنى في هذه الآية { إنما يعمر مساجد الله } بالحق لهم والواجب ، ولفظ هذه الآية الخبر وفي ضمنها أمر المؤمنين بعمارة المساجد ، وقد قال بعض السلف إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن ، وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا عليه بالإيمان »{[5559]} وقد تم تقدم القول في قراءة مسجد ، وقوله { واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة } يتضمن الإيمان بالرسول إذ لا يتلقى ذلك إلا منه ، وقوله { ولم يخش إلا الله } حذفت الألف من «يخشى » للجزم ، قال سيبويه : واعلم أن الأخير إذا كان يسكن في الرفع حذف في الجزم لئلا يكون الجزم بمنزلة الرفع ، ويريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة ، وهذه المرتبة العدل بين الناس ، ولا محالة أن الإنسان يخشى غيره ويخشى المحاذير الدنياوية وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه ، و «عسى » من الله واجبة حيثما وقعت في القرآن ، ولم يرج الله بالاهتداء إلا من حصل في هذه المرتبة العظيمة من العدالة ، ففي هذا حض بليغ على التقوى .


[5559]:- أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والنسائي، والبيهقي في شعب الإيمان- عن أبي سعيد، ورمز له الإمام السيوطي بالصحة. (الجامع الصغير).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

موقع جملة { إنما يعمر مساجد الله } الاستئناف البياني ، لأنّ جملة : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } [ التوبة : 17 ] لمّا اقتضت إقصَاء المشركين عن العبادة في المساجد كانت بحيث تثير سؤالاً في نفوس السامعين أن يتطلّبوا من هم الأحقّاء بأن يعمروا المساجد ، فكانت هذه الجملة مفيدة جواب هذا السائِل .

ومجيء صيغة القصر فيها مؤذن بأنّ المقصود إقصاء فِرق أخرى عن أن يعمروا مساجد الله ، غير المشركين الذين كان إقصاؤهم بالصريح ، فتعيّن أن يكون المراد من الموصول وصلته خصوص المسلمين ، لأنّ مجموع الصفات المذكورة في الصلة لا يثبت لغيرهم ، فاليهود والنصارى آمنوا بالله واليوم الآخر لكنّهم لم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة ، لأنّ المقصود بالصلاة والزكاة العبادتان المعهودتان بهذين الاسمين والمفروضتان في الإسلام ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين } [ المدثر : 43 ، 44 ] كناية عن أن لم يكونوا مسلمين .

واستغني عن ذكر الإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما يدلّ عليه من آثار شريعته : وهو الإيمان باليوم الآخر ، وإقامُ الصلاة : وإيتاء الزكاة .

وقصر خشيتهم على التعلّق بجانب الله تعالى بصيغة القصر ليس المراد منه أنّهم لا يخافون شيئاً غير الله فإنّهم قد يخافون الأسَد ويخافون العدوّ ، ولكن معناه إذا تردّد الحال بين خشيتهم الله وخشيتهم غيره قدّموا خشية الله على خشية غيره كقوله آنفاً { أتخشونهم فاللَّهُ أحق أن تخشوه } [ التوبة : 13 ] ، فالقصر إضافي باعتبار تعارض خشيتين .

وهذا من خصائص المؤمنين : فأمّا المشركون فهم يخشون شركاءهم وينتهكون حرمات الله لإرضاء شركائهم ، وأمّا أهل الكتاب فيخشون الناس ويعصون الله بتحريف كَلمِه ومجاراة أهواء العامّة ، وقد ذكَّرهم الله بقوله : { فلا تخشوا الناس واخشون } [ المائدة : 44 ] .

وفرّع على وصف المسلمين بتلك الصفات رجاء أن يكونوا من المهتدين ، أي من الفريق الموصوف بالمهتدين وهو الفريق الذي الاهتداء خُلق لهم في هذه الأعمال وفي غيرها . ووجه هذا الرجاء أنّهم لما أتوا بما هو اهتداء لا محالة قوي الأمل في أن يستقرّوا على ذلك ويصير خُلُقا لهم فيكونوا من أهله ، ولذلك قال : { أن يكونوا من المهتدين } ولم يقل أن يكونوا مهتدين .

وفي هذا حثّ على الاستزادة من هذا الاهتداء وتحذير من الغرور والاعتماد على بعض العمل الصالح باعتقاد أنّ بعض الأعمال يغني عن بقيتها .

والتعبير عنهم باسم الإشارة للتنبيه على أنّهم استحقّوا هذا الأمل فيهم بسبب تلك الأعمال التي عُدّت لهم .