{ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } أي : إن إرادة الله غالبة ، فإنه إذا أراد أن يغويكم ، لردكم الحق ، فلو حرصت غاية مجهودي ، ونصحت لكم أتم النصح - وهو قد فعل عليه السلام - فليس ذلك بنافع لكم شيئا ، { هُوَ رَبُّكُمْ } يفعل بكم ما يشاء ، ويحكم فيكم بما يريد { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم بأعمالكم .
وليس نصحي بنافع ولا إرادتي الخير لكم مغنية إذا كان الله تعالى قد أراد بكم الإغواء والإضلال والإهلاك . والشرط الثاني اعتراض بين الكلام ، وفيه بلاغة في اقتران الإرادتين . وأن إرادة البشر غير مغنية ، وتعلق هذا الشرط هو ب { نصحي } ، وتعلق الآخر هو ب «لا ينفع » . والنصح هو سد ثلم الرأي للمنصوح وترقيعه ، وهو مأخوذ من نصح الثوب إذا خاطه ، والمنصح الإبرة ، والمخيط يقال له منصح ونصاح{[1]} : وقالت فرقة معنى قوله { يغويكم } : يضلكم ، من قولهم غوى الرجل يغوى ، ومنه قول الشاعر [ المرقش ] : [ الطويل ]
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره*** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما{[2]}
وإذا كان هذا معنى اللفظة ، ففي الآية حجة على المعتزلة القائلين إن الضلال إنما هو من العبد . وقالت فرقة معنى قوله : { يغويكم } : يهلككم ، والغوى المرض والهلاك ؛ وفي لغة طيِّىء : أصبح فلان غاوياً ، أي مريضاً ، والغوى بشم الفصيل ، قاله يعقوب في الإصلاح . وقيل : فقده اللبن حتى يموت جوعاً ، قاله الفراء وحكاه الطبري . يقال غوى يغوى{[3]} ، وحكى الزهراوي أنه الذي قطع عنه اللبن حتى كاد يهلك ولما يهلك بعد ، فإذا كان هذا معنى اللفظة زال موضع النظر بين أهل السنة والمعتزلة ، وبقي الاحتجاج عليهم بما هو أبين من هذه الآية كقوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام }{[4]} ونحوها .
قال القاضي أبو محمد : ولكني أعتقد أن للمعتزلة تعلقاً وحجة بالغة بهذا التأويل ، فرد عليه وأفرط حتى أنكر أن يكون الغوى بمعنى الهلاك موجوداً في لسان العرب .
وقوله : { هو ربكم } ، تنبيه على المعرفة بالخالق . وقوله : { وإليه ترجعون } إخبار في ضمنه وعيد وتخويف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.