تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

{ صُمٌّ } أي : عن سماع الخير ، { بُكْمٌ } [ أي ] : عن النطق به ، { عُمْيٌ } عن رؤية الحق ، { فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه ، فلا يرجعون إليه ، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال ، فإنه لا يعقل ، وهو أقرب رجوعا منهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (18)

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ( 18 )

والأصم الذي لا يسمع ، والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم ، فإذا فهم فهو الأخرس ، وقيل الأبكم والأخرس واحد ، ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ وقلة الإجابة كأعمال من هذه صفته ، وصم رفع على خبر ابتداء فإما أن يكون ذلك على تقدير تكرار أولئك ، وإما على إضمار هم .

وقرأ عبد الله بن مسعود وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنهما . «صماً ، بكماً ، عمياً » بالنصب ، ونصبه على الحال من الضمير في { مهتدين } ، وقيل هو نصب على الذم ، وفيه ضعف( {[299]} ) ، وأما من جعل الضمير في «نورهم » للمنافقين لا للمستوقدين فنصب هذه الصفات على قوله على الحال من الضمير في { تركهم } .

قال بعض المفسرين قوله تعالى { فهم لا يرجعون } إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون بوجه .

قال القاضي أبو محمد : وإنما كان يصح هذا إن لو كانت الآية في معينين ، وقال غيره : معناه { فهم لا يرجعون } ما داموا على الحال التي وصفهم بها ، وهذا هو الصحيح ، لأن الآية لم تعين ، وكلهم معرض للرجوع مدعو إليه .

قوله عز وجل( {[300]} ) :


[299]:- وجهه: أن النصب على الذم إنما يكون حيث يذكر الاسم السابق فتعدل عن المطابقة في الإعراب إلى القطع، وها هنا لم يتقدم اسم سابق تكون هذه الأوصاف موافقة له في الإعراب فتقطع، فمن أجل هذا ضعف النصب على الذم. قال أبو (ح).
[300]:- هذا مثل آخر، ضربه الله تعالى لنوع آخر من المنافقين، وهم قوم يترددون بين الحق والباطل، تارة يظهر لهم الحق، وتارة يشكون فيه، فمثلهم في حال الشك والكفر والتردد كمثل صيب من السماء، والصيب المطر على المشهور- وذلك أن الناس أقسام – مؤمنون خلَّص، وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول البقرة – وكفار خلص، وهم المذكورون في الآيتين بعد الآيات الأربع – ومنافقون، وهم قسمان: مصرون، وهم أصحاب المثل الناري – ومترددون تارة يظهر لهم الإيمان وتارة يخبو عنهم، وهم أصحاب المثل المائي وهم أخس حالات من الذين قبلهم، وهذا المقام يشبه في الجملة ما ذكر في سورة النور من ضرب مثل المؤمن، وما جعل الله في قلبه من الهدى و النور –بالمصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دري، وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان المستمد من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط، ثم ضرب مثل الكفار الذين يعتقدون أنهم على شيء وليسوا على شيءن وهم أصحاب الجهل المركب، في قوله تعالى: [والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا] الآية، ثم ضرب مثل الكفار الذين يجهلون جهلا بسيطا، وهم الذين قال الله فيهم: [أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج] الآية، فقسم الكفار إلى فسمين: داعية ومقلدة، وقد قسم الله المؤمنين أيضا كما في سورة الواقعة وسورة الإنسان إلى قسمين: سابقين وهم المقربون – وأصحاب يمين وهم الأبرار. ويتلخص من مجموع الآيات الكريمات أن المؤمنين: مقربون وأبرار، وأن الكافرين دعاة ومقلدون- وأن المنافقين صنفان: منافق خالص، ومنافق فيه شعبة من النفاق، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعهان من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلفن وإذا اؤتمن خان). واستدلوا بهذا على أن الإنسان قد يكون فيه شعبة من الإيمان، وشعبة من نفاق، إما عملي كهذا الحديث وإما اعتقادي كما تدل عليه آيات سورة البقرة وغيرها. والله أعلم.