تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا { فِي السِّلْمِ كَافَّةً } أي : في جميع شرائع الدين ، ولا يتركوا منها شيئا ، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه ، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله ، وإن خالفه ، تركه ، بل الواجب أن يكون الهوى ، تبعا للدين ، وأن يفعل كل ما يقدر عليه ، من أفعال الخير ، وما يعجز عنه ، يلتزمه وينويه ، فيدركه بنيته .

ولما كان الدخول في السلم كافة ، لا يمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان قال : { وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي : في العمل بمعاصي الله { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } والعدو المبين ، لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء ، وما به الضرر عليكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ} (208)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 208 )

ثم أمر تعالى المؤمنين بالدخول في السلم ، وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي " السلم " بفتح السين ، وقرأ الباقون بكسرها في هذا الموضع( {[1947]} ) ، فقيل : هما بمعنى واحد ، يقعان للإسلام وللمسالمة .

وقال أبو عمرو بن العلاء : السِّلم بكسر السين الإسلام ، وبالفتح المسالمة ، وأنكر المبرد هذه التفرقة ، ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام ، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالانتداب إلى الدخول في المسالمة ، وإنما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا لها ، وأما أن يبتدىء بها فلا .

واختلف بعد حمل اللفظ على الإسلام من المخاطب ؟ فقالت فرقة : جميع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أمرهم بالثبوت فيه والزيادة من التزام حدوده ، ويستغرق { كافة } حينئذ المؤمنين وجميع أجزاء الشرع( {[1948]} ) ، فتكون الحال من شيئين( {[1949]} ) ، وذلك جائز ، نحو قوله تعالى : { فأتت به قومها تحمله }( {[1950]} ) [ مريم : 27 ] ، إلى غير ذلك من الأمثلة .

وقال عكرمة : «بل المخاطب من آمن بالنبي من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره » .

وذلك أنهم ذهبوا إلى تعظيم يوم السبت وكرهوا لحم الجمل وأرادوا استعمال شيء من أحكام التوارة وخلط ذلك بالإسلام فنزلت هذه الآية فيهم ، ف { كافة } على هذا لإجزاء الشرع فقط .

وقال ابن عباس : «نزلت الآية في أهل الكتاب » ، والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد كافة ، ف { كافة } على هذا لإجزاء الشرع وللمخاطبين على من يرى السلم الإسلام ، ومن يراها المسالمة يقول : أمرهم بالدخول في أن يعطوا الجزية ، و { كافة } معناه جميعاً ، والمراد بالكافة الجماعة التي تكف مخالفيها( {[1951]} ) ، وقيل : إن { كافة } نعت لمصدر محذوف ، كأن الكلام : دخله كافة ، فلما حذفت المنعوت بقي النعت حالاً ، وتقدم القول في { خطوات } ، والألف واللام في { الشيطان } للجنس ، و { عدو } يقع على الواحد والاثنين والجميع ، و { مبين } يحتمل أن يكون بمعنى أبان عداوته( {[1952]} ) وأن يكون بمعنى بان في نفسه أنه عدو ، لأن العرب تقول : بان الأمر وأبان بمعنى واحد .


[1947]:- وأما في الأنفال في قوله تعالى [وإن جنحوا للسِّلْم] فقرأ شعبة بكسْر السِّين، وفي سورة القتال في قوله تعالى: [وتدعوا إلى السِّلم] قرأ حمزة وشعبة بالكسر.
[1948]:- أي جميع خلال الإيمان وشرائع الإسلام.
[1949]:- يعني: من ضمير الفاعل في (ادخلوا) ومن (السِّلم)، وذلك جائز في العربية، إلا أن الأولى أن يكون من الفاعل.
[1950]:- من الآية (27) من سورة (مريم) والشاهد هو أن جملة الحال (تحمله) جاءت من ضمير الفاعل في (جاءت)، ومن الضمير في (به) – فدل ذلك على جواز مجيء الفاعل من شيئين في العربية.
[1951]:- هذا باعتبار أصل الوضع، ثم صارت تستعمل عندهم بمعنى جميعا كما قال هو ذلك آنفا.
[1952]:- بعدم امتثال الأمر بالسجود لآدم، وبقوله: [لاحتنكنّ ذريته إلا قليلا].