هذا شروع في تعداد نعمه على بني إسرائيل على وجه التفصيل فقال : { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } أي : من فرعون وملئه وجنوده وكانوا قبل ذلك { يَسُومُونَكُمْ } أي : يولونهم ويستعملونهم ، { سُوءَ الْعَذَابِ } أي : أشده بأن كانوا { يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ } خشية نموكم ، { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } أي : فلا يقتلونهن ، فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة ، مستحيي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الإهانة .
{ وَفِي ذَلِكم } أي : الإنجاء { بَلَاءٌ } أي : إحسان { مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره .
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ( 49 )
وقوله تعالى : { وإذ نجيناكم من آل فرعون } أي خلصناكم ، و { آل } أصله أهل ، قلبت الهاء ألفاً كما عمل في ماء ، ولذلك ردها التصغير إلى الأصل ، فقيل أُهَيْل ، موَيْه ، وقد قيل في { آل } إنه اسم غير أهل ، أصله أول وتصغيره أويل ، وإنما نسب الفعل إلى { آل فرعون } وهم إنما كانوا يفعلونه بأمره وسلطانه لتوليهم ذلك بأنفسهم .
وقال الطبري رحمه الله : «ويقتضي هذا أن من أمره ظالم بقتل أحد فقتله المأمور فهو المأخوذ به( {[577]} ) ، وآل الرجل قرابته وشيعته وأتباعه » .
ومنه قول أراكة الثقفي( {[578]} ) : [ الطويل ]
فلا تبك ميْتاً بعد ميْتٍ أجنّهُ . . . عليٌّ وعباسٌ وآلُ أبي بكر
يعني المؤمنين الذين قبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأشهر في { آل } أن يضاف إلى الأسماء لا إلى البقاع والبلاد ، وقد يقال آل مكة ، وآل المدنية ، وفرعون اسم لكل من ملك من العمالقة مصر ، وفرعون( {[579]} ) موسى قيل اسمه مصعب بن الريان .
وقال ابن إسحاق : «اسمه الوليد بن مصعب » .
وروي أنه كان من أهل اصطخر ، ورد مصر فاتفق له فيها الملك ، وكان أصل كون بني إسرائيل بمصر نزول إسرائيل بها زمن ابنه يوسف عليهما السلام .
و { يسومونكم } معناه : يأخذونكم به ويلزمونكم إياه ومنه المساومة بالسلعة ، وسامه خطة خسف و { يسومونكم } إعرابه رفع على الاستئناف والجملة في موضع نصب على الحال ، أي سائمين لكم سوء العذاب( {[580]} ) ، ويجوز أن لا تقدر فيه الحال ، ويكون وصف حال ماضية ، و { سوء العذاب } أشده وأصعبه .
قال السدي : «كان يصرفهم في الأعمال القذرة ويذبح الأبناء ، ويستحيي النساء » .
وقال غيره : صرفهم على الأعمال : الحرث والزراعة والبناء وغير ذلك ، وكان قومه جنداً ملوكاً ، وقرأ الجمهور «يذبِّحون » بشد الباء المكسورة على المبالغة ، وقرأ ابن محيصن : «يذبحون » بالتخفيف ، والأول أرجح إذ الذبح متكرر . كان فرعون على ما روي قد رأى في منامه ناراً خرجت من بيت المقدس فأحرقت بيوت مصر ، فأولت له رؤياه أن مولوداً من بني إسرائيل ينشأ فيخرب ملك فرعون على يديه( {[581]} ) .
وقال ابن إسحاق وابن عباس وغيرهما : إن الكهنة والمنجمين قالوا لفرعون : قد أظلك زمن مولود من بني إسرائيل يخرب ملكك .
وقال ابن عباس أيضاً : إن فرعون وقومه تذاكروا وعد الله لإبراهيم أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً ، فأمر عند ذلك بذبح الذكور من المولودين في بني إسرائيل ، ووكل بكل عشر نساء رجلاً يحفظ من يحمل منهن .
وقالت طائفة : معنى { يذبحون أبناءكم } يذبحون الرجال ويسمون أبناء لما كانوا كذلك( {[582]} ) ، واستدل هذا القائل بقوله تعالى : { نساءكم } .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله : والصحيح من التأويل أن الأبناء هم الأطفال الذكور ، والنساء هم الأطفال الإناث ، وعبر عنهن باسم النساء بالمآل( {[583]} ) ، وليذكرهن بالاسم الذي في وقته يستخدمن ويمتهنَّ ، ونفس الاستحياء ليس بعذاب ، لكن العذاب بسببه وقع الاستحياء ، و { يذبحون } بدل من «يسومون » .
قوله تعالى : { وفي ذلكم } إشارة إلى جملة الأمر ، إذ هو خبر فهو كمفرد حاضر ، و { بلاء } معناه امتحان واختبار ، ويكون { البلاء } في الخير والشر .
وقال قوم : الإشارة { بذلكم } إلى التنجية من بني إسرائيل ، فيكون { البلاء } على هذا في الخير ، أي وفي تنجيتكم نعمة من الله عليكم .
وقال جمهور الناس : الإشارة إلى الذبح ونحوه ، و { البلاء } هنا في الشر ، والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان .
وحكى الطبري وغيره في كيفيه نجاتهم : أن موسى عليه السلام أوحي إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط ، وأحل الله ذلك لبني إسرائيل ، فسرى بهم موسى من أول الليل ، فأعلم فرعون فقال لا يتبعنهم أحد حتى تصيح الديكة ، فلم يصح تلك الليلة بمصر ديك حتى أصبح ، وأمات الله تلك الليلة كثيراً من أبناء القبط فاشتغلوا في الدفن وخرجوا في الأتباع مشرقين ، وذهب موسى إلى ناحية البحر حتى بلغه ، وكانت عدة بني إسرائيل نيفاً على ستمائة ألف ، وكانت عدة فرعون( {[584]} ) ألف ألف ومائتي ألف .
وحكي غير هذا مما اختصرته لقلة ثبوته ، فلما لحق فرعون موسى ظن بنو إسرائيل أنهم غير ناجين ، فقال يوشع بن نون لموسى أين أمرت ؟ فقال هكذا وأشار إلى البحر فركض فرسه فيه حتى بلغ الغمر ، ثم رجع فقال لموسى أين أمرت ، فوالله ما كذبت ولا كذبت ، فأشار إلى البحر ، وأوحى الله تعالى إليه ، { أن اضرب بعصاك البحر } [ الشعراء : 63 ] . وأوحى إلى البحر أن انفرق لموسى إذا ضربك ، فبات البحر تلك الليلة يضطرب فحين أصبح ضرب موسى البحر ، وكناه أبا خالد فانفرق وكان ذلك في يوم عاشوراء( {[585]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.