تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (140)

ثم سلَّاهم بما حصل لهم من الهزيمة ، وبيَّن الحكم العظيمة المترتبة على ذلك ، فقال : { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } فأنتم وإياهم قد تساويتم في القرح ، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى : { إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون }

ومن الحكم في ذلك أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، فيداول الله الأيام بين الناس ، يوم لهذه الطائفة ، ويوم للطائفة الأخرى ؛ لأن هذه الدار الدنيا منقضية فانية ، وهذا بخلاف الدار الآخرة ، فإنها خالصة للذين آمنوا .

{ وليعلم الله الذين آمنوا } : هذا أيضا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء ، ليتبين المؤمن من المنافق ؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الإسلام من لا يريده ، فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء ، تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام ، في الضراء والسراء ، واليسر والعسر ، ممن ليس كذلك .

{ ويتخذ منكم شهداء } : وهذا أيضا من بعض الحكم ، لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل ، ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها ، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين ، أن قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس ، لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم ، { والله لا يحب الظالمين } : الذين ظلموا أنفسهم ، وتقاعدوا عن القتال في سبيله ، وكأن في هذا تعريضا بذم المنافقين ، وأنهم مبغضون لله ، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله .

{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (140)

أخبر تعالى على جهة التسلية أن { الأيام } على قديم الدهر وغابره أيضاً إنما جعلها دولاً بين البشر ، أي : فلا تنكروا أن يدال عليكم الكفار ، وقال تعالى : { نداولها } فهي مفاعلة من جهة واحدة ، وإنما ساغ ذلك لأن المداولة منه تعالى هي بين شيئين ، فلما كان ذلك الفريقان يتداولان حسن ذلك ، و «الدُّولة » بضم الدال المصدر ، و «الدَّولة » بفتح الدال الفعلة الواحدة من ذلك ، فلذلك يقال في دولة فلان لأنها مرة في الدهر ، وسمع بعض العرب الأَقحاح قارئاً يقرأ هذه الآية ، فقال : إنما هو ، «وتلك الأيام نداولها بين العرب » ، فقيل له : إنما هو «بين الناس » فقال : إنّا لله ، ذهب ملك العرب ورب الكعبة ، وقوله تعالى : { وليعلم الله الذين آمنوا } دخلت الواو لتؤذن أن اللام متعلقة بمقدر في آخر الكلام ، تقديره : وليعلم الله الذين آمنوا ، فعل ذلك ، وقوله تعالى : { وليعلم } معناه : ليظهر في الوجود إيمان الذين قد علم أزلاً أنهم يؤمنون وليساوق علمه إيمانهم ووجودهم ، وإلا فقد علمهم في الأول ، وعلمه تعالى لا يطرأ عليه التغيير ونحو هذا : أن يضرب حاكم أحداً ثم يبين سبب الضرب ويقول : فعلت هذا التبيين لأضرب مستحقاً ، معناه : ليظهر أن فعلي وافق استحقاقه ، وقوله تعالى : { ويتخذ منكم شهداء } ، معناه : أهل فوز في سبيله حسبما ورد في فضائل الشهيد .