تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

حتى إنهم حرصوا على أن يزلقوه بأبصارهم أي : يصيبوه{[1203]}  بأعينهم ، من حسدهم وغيظهم وحنقهم ، هذا منتهى ما قدروا عليه من الأذى الفعلي ، والله حافظه وناصره ، وأما الأذى القولي ، فيقولون فيه أقوالًا ، بحسب ما توحي إليهم قلوبهم ، فيقولون تارة " مجنون " وتارة " ساحر " وتارة " شاعر " .


[1203]:- كذا في ب، وفي أ: أي: يصيبوهم.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

{ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم } وذلك أن الكفار أرادوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ، فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه . وقيل : كانت العين في بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية خذي المكتل والدراهم فأتينا بشيء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت ، فتنحر . وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثاً ، ثم يرفع جانب خبائه فتمر بها الإبل فيقول : لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة وعدة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله نبيه وأنزل : { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم } أي ويكاد ، ودخلت اللام في { ليزلقونك } لمكان إن ، وقرأ أهل المدينة : { ليزلقونك } بفتح الياء ، والآخرون بضمها ، وهما لغتان ، يقال : زلقه يزلقه زلقاً وأزلقه إزلاقاً . قال ابن عباس : معناه : ينفذونك ، ويقال : زلق السهم : إذا أنفذ . قال السدي : يصيبونك بعيونهم . قال النضر بن شميل : يعينونك . وقيل : يزيلونك . وقال الكلبي : يصرعونك . وقيل : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة . قال ابن قتيبة : ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه ، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء ، يكاد يسقطك . وقال الزجاج : يعني من شدة عداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك . وهذا مستعمل في كلام العرب يقول القائل : نظر إلي نظراً يكاد يصرعني ، ونظراً يكاد يأكلني . يدل على صحة هذا المعنى : أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن ، وهو قوله : { لما سمعوا الذكر } وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهية فيحدون إليه النظر بالبغضاء ، { ويقولون إنه لمجنون } أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

{ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر } أي انهم لشدة ابغاضهم وعدواتهم لك اذا قرأت القرآن ينظرون اليك نظرا شديدا يكاد يصرعك ويسقطك عن مكانك

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

قوله تعالى : " وإن يكاد الذين كفروا " " " إن " هي المخففة من الثقيلة . " ليزلقونك " أي يعتانونك . " بأبصارهم " أخبر بشدة عداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه . وقيل : كانت العين في بني أسد ، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ، ثم يقول : يا جارية ، خذي المكتل{[15281]} والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة ، فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر . وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة . فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم ، فلما مر النبي صلى الله عليه ويلم أنشد :

قد كان قومك يحسبونك سَيِّدَا *** وإِخَالُ أنك سيد مَعْيُونُ

فعصم الله نبيه صلي الله عليه وسلم ونزلت : " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك " . وذكر نحوه الماوردي . وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا - يعني في نفسه وماله - تجوّع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال القشيري : وفي هذا نظر ؛ لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض ؛ ولهذا قال : " ويقولون إنه لمجنون " أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن .

قلت : أقوال المفسرين واللغويين تدل على ما ذكرنا ، وأن مرادهم بالنظر إليه قتله . ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك . وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش وأبو وائل ومجاهد " ليزهقونك " أي ليهلكونك . وهذه قراءة على التفسير ، من زهقت نفسه وأزهقها . وقرأ أهل المدينة " ليزلقونك " بفتح الياء . وضمها الباقون ، وهما لغتان بمعنى ، يقال : زلَقَه يَزْلِقه وأزلقه يُزْلِقه إزلاقا إذا نحاه وأبعده . وزلق رأسه يَزْلِقه زلقا إذا حلقه . وكذلك أزلقه وزلقه تزليقا . ورجل زَلِق وزُمَلِق - مثال هُدَبِد - وزُمَالِق وزُمّلق - بتشديد الميم - وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ، حكاه الجوهري وغيره . فمعنى الكلمة إذاً التنحية والإزالة ، وذلك لا يكون في حق النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهلاكه وموته . قال الهروي : أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك . وقال ابن عباس : ينفذونك بأبصارهم ، يقال : زلق السهم وزهق إذا نفذ ، وهو قول مجاهد . أي ينفذونك من شدة نظرهم . وقال الكلبي : يصرعونك . وعنه أيضا والسدي وسعيد بن جبير : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة . وقال العوفي : يرمونك . وقال المؤرج : يزيلونك . وقال النضر بن شميل والأخفش : يفتنونك . وقال عبدالعزيز بن يحيى : ينظرون إليك نظرا شَزْرا بتحديق شديد . وقال ابن زيد : ليمسونك . وقال جعفر الصادق : ليأكلونك . وقال الحسن وابن كيسان : ليقتلونك . وهذا كما يقال : صرعني بطرفه ، وقتلني بعينه . قال الشاعر :

ترميك مَزْلَقَة العيون بطرفها *** وتَكِلّ عنك نصالُ نَبْلِ الرامي

وقال آخر :

يتقَارضون إذا التقوا في مجلس *** نَظَرًا يُزِلّ{[15282]} مواطئَ الأقدام

وقيل : المعنى أنهم ينظرون إليك بالعداوة حتى كادوا يسقطونك . وهذا كله راجع إلى ما ذكرنا ، وأن المعنى الجامع : يصيبونك بالعين . والله أعلم .


[15281]:المكتل: زنبيل يعمل من الخوص يحمل فيه التمر وغيره.
[15282]:في اللسان "يزيل" وكلاهما صحيح.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

ولما نهاه صلى الله عليه وسلم عن طاعة المكذبين وحذره إدهانهم وضرب لهم الأمثال ، وتوعدهم إلى أن قال : { ذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم{[67788]} } وختم بقصة يونس عليه السلام للتدريب على الصبر وعدم الضعف ولو بالصغو إلى المدهن{[67789]} ، فكان التقدير تسبيباً عما فيها من النهي : فإنهم إنما يبالغون في أذاك لتضجر فتترك ما أنت فيه ، قال عاطفاً على هذا{[67790]} المقدر مخبراً له بما في صدورهم من الإحن عليه وفي قلوبهم من الضغائن له ليشتد حذره من إدهانهم ، مؤكداً لأن من يرى إدهانهم يظن إذعانهم وينكر لمبالغتهم فيه طغيانهم : { وإن } أي وإنه { يكاد } وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : { الذين كفروا } أي ستروا ما قدروا عليه مما جئت به من الدلائل .

ولما كانت " أن{[67791]} " مخففة ، أتى باللام التي هي علمها فقال : { ليزلقونك } أي من شدة عداوتهم وحسدهم وغيظ قلوبهم { بأبصارهم } أي يوجدون لك التنحية عما أنت فيه والزلل العظيم الذي صاحبه في موضع دحض لا مستمسك{[67792]} فيه بالهلاك فما دونه من الأذى حتى يرموك من قامتك إلى الأرض كما يزلق الإنسان فينطرح{[67793]} لما يتراءى في عيونهم حين تصويب النظر{[67794]} للفطن من الحنق والسخط الدال على أن صدورهم تغلي ، وهو من قولهم : نظر إليّ {[67795]}نظراً كاد{[67796]} يصرعني ، يعني{[67797]} لو أمكنه أن يصرعني به لصرعني كما قال تعالى

{ يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا }[ الحج : 72 ] وقيل : يهلكونك بإصابة العين{[67798]} ، قال القشيري : كانوا إذا أرادوا أن يصيبوا شيئاً بأعينهم جاعوا ثلاثة أيام ثم نظروا إلى ذلك الشيء وقال : ما أحسنه من شيء ، فيسقط المنظور إليه في الوقت ، ففعلوا ذلك بالنبي{[67799]} صلى الله عليه وسلم وقالوا : ما أنصحه{[67800]} من رجل ، فحفظه الله منهم ، وللشيخين{[67801]} عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" العين حق " وفي رواية عند أحمد{[67802]} وابن ماجة{[67803]} : " يحضر بها الشيطان وحسد ابن آدم " ولأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه : " العين حق{[67804]} ولو أن شيئاً سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا{[67805]} " ولأبي نعيم في الحلية من حديث جابر رضي الله عنه رفعه : " العين حق تدخل الجمل القدر والرجل القبر " ولأبي داود{[67806]} من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها : " وإنها لتدرك الفارس فتدعثره " .

ولما ذكر هذا الإزلاق العظيم ، ذكر ظرفه معبراً بالماضي تذكيراً بالحال الماضية فقال : { لما سمعوا الذكر } أي القرآن الذي غلب{[67807]} عليه التذكير بأمور يعليها كل أحد من نفسه ، ومن الآفاق كان هواياه أول ما سمعوه حسداً على ما أوتيت من الشرف فكان سماعهم له باعثاً لما عندهم من البغض والحسد على أنه لم يزدهم تمادي الزمان إلا حنقاً بدلالة{[67808]} { ويقولون } أي قولاً لا يزالون يجددونه .

ولما كان صلى الله عليه وسلم في غاية البعد عما يشين ، أكدوا قولهم : { إنه لمجنون * } حيرة في أمرك وتنفيراً عنك لما يعلمون من أنه لا يسمعه أحد لا غرض له إلا كذبهم ومال بكليته إليك وكان معك{[67809]} وارتبط بك واغتبط بما جئت به ، وعن الحسن أن قراءة هذه الآية دواء{[67810]} للإصابة بالعين .


[67788]:- سقط من ظ وم.
[67789]:- من ظ وم، وفي الأصل: المدهنين.
[67790]:- زيد من ظ وم.
[67791]:- زيد من ظ وم.
[67792]:- من ظ وم، وفي الأصل: ممسك.
[67793]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيطرح.
[67794]:- زيد من ظ وم.
[67795]:- من ظ وم، وفي الأصل: منظر كان.
[67796]:- من ظ وم، وفي الأصل: منظر كان.
[67797]:- زيد من ظ وم.
[67798]:- زيدت الواو بعده في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[67799]:- من ظ وم، وفي الأصل: للنبد.
[67800]:- زيد في الأصل: أنه، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67801]:- راجع صحيح البخاري: الطب- وصحيح مسلم: السلام.
[67802]:- راجع المسند 2/439.
[67803]:- ليس في السنن في مظانها.
[67804]:- زيد من ظ وم.
[67805]:- زيد في الأصل وظ: انتهى، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[67806]:- راجع السنن: الطب.
[67807]:- زيد من ظ وم.
[67808]:- زيد في الأصل: بقوله، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67809]:- من ظ وم، وفي الأصل: معه.
[67810]:- من ظ وم، وفي الأصل: وا- مع يسير مع إلبياض.