تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّـٰبِرِينَ} (126)

{ 126 - 128 } { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } .

يقول تعالى -مبيحا للعدل ونادبا للفضل والإحسان- : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } من أساء إليكم بالقول والفعل ، { فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } ، من غير زيادة منكم على ما أجراه معكم .

{ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ } عن المعاقبة ، وعفوتم عن جرمهم ، { لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } من الاستيفاء ، وما عند الله خير لكم وأحسن عاقبة كما قال تعالى : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّـٰبِرِينَ} (126)

{ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ، لما أمره بالدعوة وبين له طرقها أشار إليه وإلى من يتابعه بترك المخالفة ، ومراعاة العدل مع من يناصبهم ، فإن الدعوة لا تنفك عنه من حيث إنها تتضمن رفض العادات ، وترك الشهوات والقدح في دين الأسلاف والحكم عليهم بالكفر والضلال . وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما رأى حمزة وقد مثل به فقال : " والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك " ، فنزلت . فكفر عن يمينه ، وفيه دليل على أن للمقتص أن يماثل الجاني وليس له أن يجاوزه ، وحث على العفو تعريضا بقوله : { وإن عاقبتم } ، وتصريحا على الوجه الآكد بقوله : { ولئن صبرتم لهُو } ، أي : الصبر . { خير للصابرين } ، من الانتقام للمنتقمين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّـٰبِرِينَ} (126)

عَطف على جملة { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة } [ سورة النحل : 125 ] ، أي إن كان المقام مقام الدعوة فلتكن دعوتك إيّاهم كما وصفنا ، وإن كنتم أيها المؤمنون معاقبين لمشركين على ما نالكم من أذاهم فعاقبوهم بالعدل لا بِتجاوُز حدّ ما لقيتم منهم .

فهذه الآية متّصلة بما قبلها أتم اتّصال ، وحسبك وجود العاطف فيها . وهذا تدرّج في رتب المعاملة من معاملة الذين يدعون ويوعظون إلى معاملة الذين يجادلون ثم إلى معاملة الذين يجازون على أفعالهم ، وبذلك حصل حسن الترتيب في أسلوب الكلام .

وهذا مختار النحاس وابن عطية وفخر الدين ، وبذلك يترجّح كون هذه الآية مكية مع سوابقها ابتداء من الآية الحادية والأربعين ، وهو قول جابر بن زيد ، كما تقدم في أول السورة . واختار ابن عطية أن هذه الآية مكّية .

ويجوز أن تكون نزلت في قصة التّمثيل بحَمزة يوم أُحُد ، وهو مرويّ بحديث ضعيف للطبراني . ولعلّه اشتبه على الرّواة تذكر النبي الآيةَ حين توعّد المشركين بأن يمثّل بسبعين منهم إن أظفره الله بهم .

والخطاب للمؤمنين ويدخل فيه النبي .

والمعاقبة : الجزاء على فعل السوء بما يسوء فاعل السوء .

فقوله : { بمثل ما عوقبتم } مشاكَلَةٌ لِ { عاقبتم } . استعمل { عوقبتم } في معنى عوملتم به ، لوقوعه بعد فعل { عاقبتم } ، فهو استعارة وجه شبهها هو المشاكلة . ويجوز أن يكون { عوقبتم } حقيقة لأن ما يلقونه من الأذى من المشركين قصدوا به عقابهم على مفارقة دين قومهم وعلى شتم أصنامهم وتسفيه آبائهم .

والأمر في قوله : { فعاقبوا } للوجوب باعتبار متعلّقه ، وهو قوله : { بمثل ما عوقبتم به } فإن عدم التجاوز في العقوبة واجب .

وفي هذه الآية إيماء إلى أن الله يُظهر المسلمين على المشركين ويجعلهم في قبضتهم ، فلعلّ بعض الذين فتنهم المشركون يبعثه الحَنق على الإفراط في العقاب . فهي ناظرة إلى قوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا } [ سورة النحل : 110 ] .

ورغّبهم في الصبر على الأذى ، أي بالإعراض عن أذى المشركين وبالعفو عنه ، لأنه أجلب لقلوب الأعداء ، فوصف بأنه خير ، أي خير من الأخذ بالعقوبة ، كقوله تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم } [ سورة فصّلت : 34 ] ، وقوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله } [ سورة الشورى : 40 ] .

وضمير الغائب عائد إلى الصبر المأخوذ من فعل صبرتم } ، كما في قوله تعالى : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ سورة المائدة : 8 ] .

وأكّد كون الصبر خيراً بلام القسم زيادة في الحثّ عليه .

وعبّر عنهم بالصابرين إظهاراً في مقام الإضمار لزيادة التنويه بصفة الصابرين ، أي الصبر خبر لجنس الصابرين .