تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

{ 30 } { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ } إلى قومك تدعوهم إلى الهدى { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ } أرسلنا فيهم رسلنا ، فلست ببدع من الرسل حتى يستنكروا رسالتك ، ولست تقول من تلقاء نفسك ، بل تتلو عليهم آيات الله التي أوحاها الله إليك ، التي تطهر القلوب وتزكي النفوس .

والحال أن قومك يكفرون بالرحمن ، فلم يقابلوا رحمته وإحسانه -التي أعظمها أن أرسلناك إليهم رسولا وأنزلنا عليك كتابا- بالقبول والشكر بل قابلوها بالإنكار والرد ، أفلا يعتبرون بمن خلا من قبلهم من القرون المكذبة كيف أخذهم الله بذنوبهم ، { قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } وهذا متضمن للتوحيدين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية .

فهو ربي الذي رباني بنعمه منذ أوجدني ، وهو إلهي الذي { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في جميع أموري { وَإِلَيْهِ متاب } أي : أرجع في جميع عباداتي وفي حاجاتي .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

{ كذلك } مثل ذلك يعني إرسال الرسل قبلك . { أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها } تقدمتها . { أمم } أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليهم . { لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك } لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك . { وهم يكفرون بالرحمان } وحالهم أنهم يكفرون بالبليغ الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شيء رحمته ، فلم يشكروا نعمه وخصوصا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم ، وإنزال القرآن الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية عليهم . وقيل نزلت في مشركي أهل مكة حين قيل لهم { اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان } . { قل هو ربي } أي الرحمان خالقي ومتولي أمري . { لا إله إلا هو } لا مستحق للعبادة سواه . { عليه توكّلت } في نصرتي عليكم . { وإليه متاب } مرجعي ومرجعكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّةٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَمٞ لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَهُمۡ يَكۡفُرُونَ بِٱلرَّحۡمَٰنِۚ قُلۡ هُوَ رَبِّي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ مَتَابِ} (30)

الكاف في { كذلك } متعلقة بالمعنى الذي في قوله : { قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } [ الرعد : 27 ] أي كما أنفذ الله هذا { كذلك } أرسلتك - هذا قول - والذي يظهر لي أن المعنى كما أجرينا العادة بأن الله يضل ويهدي ، لا بالآيات المقترحة . فكذلك أيضاً فعلنا في هذه الأمة : { أرسلناك } إليها بوحي ، لا بآيات مقترحة ، فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء{[6965]} .

وقوله : { وهم يكفرون بالرحمن } قال قتادة وابن جريج : نزلت حين عاهدهم رسول الله عام الحديبية ، فكتب الكاتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال قائلهم : نحن لا نعرف الرحمن ولا نقرأ اسمه .

قال القاضي أبو محمد : والذي أقول في هذا : أن «الرحمن » يراد به الله تعالى وذاته ، ونسب إليهم الكفر به على الإطلاق ، وقصة الحديبية وقصة أمية بن خلف مع عبد الرحمن بن عوف ، إنما هي إباية الاسم فقط ، وهروب عن هذه العبارة التي لم يعرفوها إلا من قبل محمد عليه السلام .

ثم أمر الله تعالى نبيه بالتصريح بالدين والإفصاح بالدعوة في قوله : { قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت } و «المتاب » : المرجع كالمآب ، لأن التوبة الرجوع .


[6965]:وقال الزمخشري: "مثل ذلك الإرسال أرسلناك، يعني أرسلناك إرسالا له شأن وفضل على سائر الإرسالات"، وقال الحسن: "كإرسالنا الرسل أرسلناك"، ف (ذلك) إشارة إلى إرساله الرسل، وقال الحوفي: "الكاف للتشبيه في موضع نصب".