تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} (173)

{ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }

لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من " أحد " إلى المدينة ، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد هموا بالرجوع إلى المدينة ، ندب أصحابه إلى الخروج ، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة لله ولرسوله ، وطاعة لله ولرسوله ، فوصلوا إلى " حمراء الأسد " وجاءهم من جاءهم وقال لهم : { إن الناس قد جمعوا لكم } وهموا باستئصالكم ، تخويفا لهم وترهيبا ، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بالله واتكالا عليه .

{ وقالوا حسبنا الله } أي : كافينا كل ما أهمنا { ونعم الوكيل } المفوض إليه تدبير عباده ، والقائم بمصالحهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} (173)

{ الذين قال لهم الناس } يعني الركب الذين استقبلوهم من عبد قيس أو نعيم بن مسعود الأشجعي ، وأطلق عليه الناس لأنه من جنسهم كما يقال فلان يركب الخيل وما له إلا فرس واحد لأنه انضم إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه . { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } يعني أبا سفيان وأصحابه روي : أنه نادى عند انصرافه من أحد : يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال عليه الصلاة والسلام : إن شاء الله تعالى ، فلما كان القابل خرج في أهل مكة حتى نزل بمر الظهران فأنزل الله الرعب في قلبه وبدا له أن يرجع ، فمر به ركب من عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب أن ثبطوا المسلمين . وقيل : لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فسأله ذلك والتزم له عشرا من الإبل ، فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم أتوكم في دياركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريد افترون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم ففتروا ، فقال عليه السلام : والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معي أحد فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون حسبنا الله . { فزادهم إيمانا } الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال أو لفاعله أن أريد به نعيم وحده ، والبارز للمقول لهم والمعنى : إنهم لم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا بل ثبت به يقينهم بالله وازداد إيمانهم وأظهروا حمية الإسلام وأخلصوا النية عنده ، وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص ويعضده قول ابن عمر رضي الله عنهما ( قلنا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص ، قال : نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار ) وهذا ظاهر إن جعل الطاعة من جملة الإيمان وكذا إن لم تجعل فإن اليقين يزداد بالإلف وكثرة التأمل وتناصر الحجج . { وقالوا حسبنا الله } محسبنا وكافينا ، من أحسبه إذا كفاه ويدل على أنه بمعنى المحسب إنه لا يستفيد بالإضافة تعريفا في قولك هذا رجل حسبك . { ونعم الوكيل } ونعم الموكول إليه هو فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} (173)

{ الذين } صفة للمحسنين المذكورين ، وهذا القول هو الذي قاله الركب من عبد القيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، حين حملهم أبو سفيان ذلك ، وقد ذكرته قبل{[3719]} ، ف { الناس } الأول ركب عبد القيس و { الناس } الثاني عسكر قريش ، وقوله تعالى : { فزادهم إيماناً } ، أي ثبوتاً واستعداداً ، فزيادة الإيمان في هذا هي في الأعمال ، وأطلق العلماء عبارة : أن الإيمان يزيد وينقص ، والعقيدة في هذا أن نفس الإيمان الذي هو تصديق واحد بشيء ما ، إنما هو معنى فرد لا تدخله زيادة إذا حصل ، ولا يبقى منه شيء إذا زال ، فلم يبق إلا أن تكون الزيادة والنقص في متعلقاته دون ذاته فذهب بعض العلماء إلى أنه يقال : يزيد وينقص من حيث تزيد الأعمال الصادرة عنه وتنقص ، لا سيما أن كثيراً من العلماء يوقعون اسم الإيمان على الطاعات ، وذهب قوم : إلى أن الزيادة في الإيمان إنما هي بنزول الفروض والإخبار في مدة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي المعرفة بها بعد الجهل غابر الدهر وهذا إنما زيادة إيمان إلى إيمان ، فالقول فيه إن الإيمان يزيد وينقص قول مجازي ولا يتصور النقص فيه على هذا الحد وإنما يتصور النقص بالإضافة إلى الأعلم ، وذهب قوم من العلماء : إلى أن زيادة الإيمان ونقصه إنما هي من طريق الأدلة ، فتزيد الأدلة عند واحد ، فيقال في ذلك : إنها زيادة في الايمان ، وهذا كما يقال في الكسوة ، إنها زيادة في الإيمان ، وذهب أبو المعالي في الإرشاد : إلى أن زيادة الإيمان ونقصانه إنما هو بثبوت المعتقد وتعاوره دائباً ، قال : وذلك أن الإيمان عرض وهو لا يثبت زمانين فهو للنبي صلى الله عليه وسلم وللصلحاء متعاقب متوال ، وللفاسق والغافل غير متوال ، يصحبه حيناً ويفارقه حيناً في الفترة ، فذلك الآخر أكثر إيماناً ، فهذه هي الزيادة والنقص .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وفي هذا القول نظر{[3720]} .

وقوله تعالى : { فزادهم إيماناً } لا يتصور أن يكون من جهة الأدلة ، ويتصور في الآية الجهات الأخر الثلاث ، وروي أنه لما أخبر الوفد من عبد القيس رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حملهم أبو سفيان ، وأنه ينصرف إليهم بالناس ليستأصلهم ، وأخبر بذلك أيضاً أعرابي ، شق ذلك على المسلمين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا { حسبنا الله ونعم الوكيل }{[3721]} فقالوا واستمرت عزائمهم على الصبر ودفع الله عنهم كل سوء ، وألقى الرعب في قلوب الكفار فمروا{[3722]} .


[3719]:- أخرجه ابن إسحاق وابن جرير، والبيهقي في "الدلائل" عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد. (الدر المنثور للسيوطي 2: 101) وقد ذكره آنفا عند قوله تعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب)، الآية: 151 من سورة آل عمران حيث سرد القصة بتمامها وفي ضمنها الركب.
[3720]:- زاد بعض العلماء تفسيرات أخرى، منها: أن الإيمان يزيد وينقص من جهة أعمال القلوب: كالنية والإخلاص والخوف والنصيحة، ومنها: أن التقيد بظاهر النص، وهو أن الإيمان يزيد فقط. وهذا هو قول المعتزلة.
[3721]:-أخرجه ابن جرير عن السدي. ولهذه الكلمة فضائل كثيرة. "فتح القدير للشوكاني 1/367". "والدر المنثور للسيوطي 2/102" و"ابن كثير 1/430".
[3722]:- وقوله تعالى: {حسبنا الله ونعم الوكيل} حسب بمعنى: المحسب، أي: الكافي، ويراد به معنى اسم الفاعل، والوكيل: الكفيل-فعيل بمعنى مفعول- أي: الموكول إليه الأمور.