فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} (173)

الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل173 فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم174

( الذين قال لهم الناس ) المراد بالناس هنا نعيم بن مسعود وجاز لفظ الناس عليه لكونه من جنسهم فهو من قبيل العام الذي أريد به الخاص أو من إطلاق الكل وإرادة البعض كقوله ام يحسدون الناس يعني محمدا وحده .

ونقل على القارئ أنه أسلم يوم الخندق وهو مصرح به في المواهب ، وقيل المراد بالناس ركب عبد القيس الذين مروا بأبي سفيان ، وقيل هم المنافقون .

والمراد بقوله ( إن الناس قد جمعوا لكم ) أبو سفيان وغيره من أصحابه ، والعرب تسمى الجيش جمعا ( فاخشوهم ) أي فخافوهم فإنه لا طاقة لكم بهم ( فزادهم إيمانا ) أي تصديقا بالله ويقينا ، والمراد أنهم لم يفشلوا لما سمعوا ذلك ولا التفتوا إليه بل أخلصوا لله وازدادوا طمأنينة وقوة في دينهم وثبوتا على نصر نبيهم ، وفيه دليل أن الإيمان يزيد وينقص .

( وقالوا حسبنا الله ) حسب مصدر حسبه أي كفاه بمعنى الفاعل أي محسب بمعنى كاف ، قال في الكشاف الدليل على أنه المحسب انك تقول هذا رجل حسبك فتصف به النكرة لأن إضافته لكون بمعنى إسم الفاعل غير حقيقية ( ونعم الوكيل ) هو من يوكل إليه الأمور أي نعم الموكول إليه أمرنا أو الكافي أو الكافل والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم الوكيل الله سبحانه .

وقد ورد في فضل هذه الكلمة أعني حسبنا الله ونعم الوكيل أحاديث منها ما اخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال : قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقاله محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم .

وأخرج ابن مردويه عن ابي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، قال ابن كثير بعد إخراجه :هذا حديث غريب من هذا الوجه{[388]} .

وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم حسبنا الله ونعم الوكيل أمان كل خائف .

وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال حسبي الله ونعم الوكيل .


[388]:ابن كثير 1/430.