فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ} (173)

{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } ؛ نقل عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمر وابن حزم قال : مر به -يعني برسول الله صلى الله عليه وسلم – معبد الخزاعي بحمراء الأسد وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة {[1218]} نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة ، صفقتهم {[1219]} معه لا يخفون عليه شيئا كان بها ومعبد يوم مشرك ، فقال : والله يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك ولوددنا أن الله كان أعفاك فيهم ، ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . . فلما رأى أبا سفيان معبدا قال : ما وراءك يا معبد ؟ قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في مجمع لم أر مثله قط ؛ قال ويلك ؟ ما تقول ؟ قال والله ما أراك ترحل حتى ترى نواصي الخيل . . . فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه ، ومر به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون ؟ قالوا نريد المدينة قال ولم ؟ قالوا نريد الميرة ، قال فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها وأحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتمونا ؟ قالوا نعم قال : فإذا جئتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه ولأصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبا سفيان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { حسبنا الله ونعم الوكيل } ؛ وعن السدي : لما ندموا –يعني أبا سفيان وأصحابه- على الرجوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : أرجعوا فاستأصلوهم فقذف الله في قلوبهم الرعب فهزموا فلقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا ، فقالوا له : إن لقيت محمدا وأصحابه فأخبرهم أنا قد جمعنا لهم فأخبر الله جل ثناؤه ورسوله صلى الله عليه وسلم فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد فلقوا الأعرابي في الطريق فأخبرهم الخبر ، فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ثم رجعوا من حمراء الأسد فأنزل الله فيهم وفي الأعرابي الذي لقيهم : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } . { فاخشوهم } فخافوا ولا تقفوا في وجه هذا الجمع الوفير . { فزادهم إيمانا } زاد القول المثبط الذين استجابوا لله والرسول إيمانا {[1220]} فأمعنوا في طلب عدوهم متوكلين على ربهم .


[1218]:العيبة وعاء يوضع فيه حر المتاع ونفيس الثياب والعرب تكني عن الصدور والقلوب التي تحتوي على الضمائر المخفاة بالعياب وعيبة الرجل موضع سره وبيننا وبينهم عيبة مودة ومصافاة، فخزاعة كانت تخلص النصح وتحفظ السر، تصدق الود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[1219]:بيعتهم وحشدهم وضرب أسيافهم.
[1220]:أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن ما حاصله: فزيادة الإيمان على هذا في الأعمال والزيادة والنقصان في متعلقاته دون ذاته، وفيه حجة على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد وينقص، وهذا المعنى موجود في حديث الشفاعة حديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم وفيه: (فيقول المؤمنون يا رب إخواننا كانوا يصومون ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتهم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقول ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه)